اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


هذا ما أبلغه بنيامين نتنياهو لدونالد ترامب، عشية توجيه الضربة العسكرية الأولى الى ايران، "لأجعلنّ آية الله خامنئي يستسلم بين يدي الجنرال ايال زامير، مثلما استسلم الأمبراطور هيروهيتو بين يدي الجنرال دوغلاس ماك آرثر"، لدى القاء قنبلة هيروشيما. حتماً، الضربة كانت هائلة ومفاجئة بعد كل تلك السيناريوات الخادعة، دون أن تهتز عمامة المرشد الأعلى. كان واثقاً من أن نهاية "الجنون الاسرائيلي" ستكون على الأرض "الاسرائيلية"، لا على الأرض الايرانية.

زعيم "الليكود" لم يكن يستند فقط الى تقارير "الموساد"، أيضاً الى ما أعده "الموساد" على الأرض الايرانية، ليكون السقوط الكبير من الضربة الأولى. هذا لم يحدث، ليكتب الباحث "الاسرائيلي" ايتاي ماك مقالة في صحيفة "هاآرتس" بعنوان "اسرائيل خسرت بالفعل أمام ايران". من هنا، الخطوات الأميركية الأخيرة، استعداد للتدخل، ولكن هل من مصلحة الرئيس الأميركي أن يرى جنوده وقد عادوا الى بيوتهم بالتوابيت؟

قطعاً لا يمكن اغفال ما يمكن أن تفعله القوة الأميركية من أهوال. ولكن ما تراها فعلت هذه القوة في أفغانستان، وحيث منظر الخروج الفضائحي اشعل مواقع التواصل بتعبير "ليلة العار تحت ضوء القمر"، وبعدما ترك الأميركيون حلفاءهم الأطلسيين بين "الأنياب النارية" لمقاتلي "طالبان"، ما حمل أحد معلقي "لوفيغارو" الفرنسية على القول "من يراهن على صداقة الولايات المتحدة، كمن يراهن على طواحين الهواء"...

كل ما ينقل يثبت أن ثمة خطة مشتركة أميركية ـ "اسرائيلية" قد وضعت، على أن تبدأ بقرار مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية. الأقمار الاصطناعية وكذلك محطات الاتصال والرصد والتقارير الاستخباراتية، في تصرف القيادة العسكرية "الاسرائيلية"، اضافة الى خدمات لوجيستية مباشرة.

لكن اللافت هنا الاخراج الرديء لمسرحية هزلية، حيث حاول ترامب، ودائماً بدور المهرج، أن يوحي للعالم بأن العملية العسكرية "اسرائيلية" بالكامل، لا أميركية بالكامل، دون أن يكون الهدف البرنامج النووي الايراني، وانما احتواء الدولة (والحالة) الايرانية، ليكون الشرق الأوسط كله في قبضته، كي لا يبقى الخاصرة الرخوة في الصراع المرتقب في الشرق الأقصى. هنا النفط، الشريان الحيوي للصناعة وللمعجزة الصينية.

"الفورين آفيرز" كتبت عن الشرق الأوسط كمحطة محورية في ذلك الصراع حول قيادة الكرة الأرضية، ومع توقع أن يحدث الذكاء الاصطناعي انقلاباً بنيوياً عاصفاً، على المستوى الفلسفي أو على المستوى العملاني في المعادلات الاستراتيجية الكلاسيكية، التي طالما تقلبت عبر الأزمنة.

لا الضربة الأولى، ولا الضربات اللاحقة، أدت الى نتائج كاسحة. لا شك أن ضربات أقل بكثير تفضي الى دمار كارثي، ان في لبنان أو في غزة. لكننا هنا أمام ايران، الدولة المترامية في الجغرافيا وفي التاريخ، الذي طالما شهد المعارك والحروب الطاحنة، دون أن ينجح الرهان على التظاهرات الغاضبة (ضد النظام) في طهران وأصفهان وتبريز، وحتى في قم. لم يحدث هذا، لا بل أن الايرانيين واجهوا الغارات الهائلة بأعصاب هائلة أيضاً. بطبيعة الحال أودت الضربة الأولى بأدمغة من الدرجة الأولى، وبقيادات عسكرية من الدرجة الأولى. ولكن هناك المؤسسة التي تعاطت بديناميكية لافتة مع الحدث.

أكثر من ذلك، أظهرت الحملات الصاروخية على "اسرائيل" أن القيادات الايرانية تمكنت الى حد بعيد، من تقليص الفجوة في موازين القوة بين ايران و"اسرائيل"، باحداثها كل ذلك الخراب في المدن "الاسرائيلية"، وتهديدها بما هو أشد .

هل حقاً أن الادارة الأميركية كما القيادة "الاسرائيلية"، فوجئت من صلابة وقوة الرد الايراني على الغارات "الاسرائيلية"، لنلاحظ مدى المراوغة الأميركية باتهام طهران بالتسبب بالحرب، لأنها لم توافق على تفكيك برنامجها النووي كمدخل لتقويض نظامها السياسي، وهذا هو "الحلم الاسرائيلي" و"الهدف الاسرائيلي"، بعدما كنا قد لاحظنا مدى الغباء أو الاستغباء الأميركي، بتصريح ستيفن ويتكون بأن البرنامج النووي الايراني يشكل خطراً على أمن أميركا والعالم والخليج. يا رجل من اي كوكب آخر أنت...؟!

رأسان في رأس واحد، ووجهان في وجه واحد. بأي حق يدعو دونالد ترامب سكان طهران الى اخلائها ليتسنى له تدميرها تماماً، مثلما دعا بنيامين نتنياهو سكان الضاحية الجنوبية لبيروت لاخلاء منازلهم. الدمار للدمار، وهذا ما لم يفعله لا هتلر ولا هولاكو. ولكن أنه الكاوبوي الذي يرى العالم ان من فوهة البندقية، أو من رنين الذهب، وانه "الحاخام" الذي يرى العالم من خلال التأويل الدموي للنص التوراتي.

بعد كل ذلك، هل يمكن لايران أن تستسلم، كما يتقوقع بعض جهابذة التحليل السياسي على شاشاتنا؟ وهل يمكن لأميركا (و"اسرائيل") أن تنتصر كما يشيع بعض ملوك الطوائف على الساحة اللبنانية، المشرعة على كل الرياح؟

غداة الخروج من أفغانستان، قال الجنرال ديفيد بترايويس "انه الخروج الأخير من استراتيجية المستنقعات". الآن هي العودة الى الاستراتيجية اياها، ودون أن يقرأ الأميركيون أو "الاسرائيليون"، رأي المفكر الجيوبوليتيكي الروسي ألكسندر دوغين "الرهان على تغيير الشرق الأوسط أقرب ما يكون الى الرهان على تغيير شكل الهواء".

على خطى دوغين، أقرب ما يكون الى الرهان على تغيير شكل... الله!!

الأكثر قراءة

مواجهة بلا سقف بين إيران و«إسرائيل»... وواشنطن على حافة التدخّل! سفير غربي يحذر من عمل عسكري «اسرائيلي» في الجنوب حتى الأولي برّاك بعد لودريان: لا اعذار للتاخير