في مقال نُشر في 13 أيار 2025، حذّرنا من أن سقوط المشرق العربي سيشكّل مدخلاً لمشروع إسرائيلي أوسع، يستهدف دول الخليج اقتصاديًا وسياسيًا، عبر فرض شراكات غير متكافئة، واختراق القرار السيادي من بوابة ما يُسمّى بـ«مرحلة ما بعد الحرب». واليوم، مع العدوان الإسرائيلي على إيران، تؤكّد النخب الإسرائيلية ذاتها هذه الرؤية بأسلوب فجّ وصادم.
ففي تغريدة علنية كتبها الباحث الإسرائيلي المعروف مئير مصري، جاء ما يلي: «انتهى عصر التطبيع مع إسرائيل بالمجان. بعد الحرب، سوف نطالب المطبعين العرب بدفع الجزية.» وردّ عليه إيدي كوهين، أحد أبرز وجوه الدعاية الإسرائيلية، قائلًا: «الفرق أنه بعد الحرب، العرب سيدفعون الجزية مباشرة لنا، وليس عن طريق الأميركان كما هو الآن. أتفق معك».
هذه العبارات، وإن أتت بصيغة إعلامية استفزازية، إلا أنها تعبّر عن تحوّل جذري في الخطاب الإسرائيلي: من الحديث عن «السلام» إلى الحديث عن «الجزية»، أي عن علاقة غير متكافئة قوامها الهيمنة والاستغلال. لم يعد الخطاب الإسرائيلي يتحدث عن «تقاطع مصالح» أو «شراكات إقليمية»، بل عن ترتيبات جديدة تقوم على الإملاء المالي والسياسي.
أصبحت الدول العربية، لا سيما الخليجية، مطالبة بدفع ثمن التقارب مع إسرائيل بالأموال، والاستثمارات، والتنازلات السيادية. والخطير في هذه التصريحات ليس فقط ما تحمله من ازدراء ضمني، بل كونها تعبّر عن تصوّر استراتيجي آخذ بالترسخ داخل الأوساط الإسرائيلية، يرى أن نتائج الحرب على غزة وبيروت وتلك الجارية عبر العدوان على إيران، بما حملته وقد تحمله من تغييرات وسقوط رموز من محور المقاومة، فرصة لفرض وقائع جديدة ليس فقط في سوريا ولبنان وفلسطين، بل على امتداد الخارطة العربية.
هذا وتبدو إسرائيل واثقة من أن مرحلة ما بعد الحرب سوف تفتح لها الباب نحو الخليج كمجال نفوذ مفتوح. ويتقاطع ذلك مع مشاريع إعادة الإعمار، خصوصًا في سوريا وغزة، حيث تسعى إسرائيل إلى دخول هذه السوق عبر البوابة الدولية، بدعم أميركي مباشر. كذلك تسارع الاتفاقات الاقتصادية ذات الطابع الإلزامي، والتي تتجاوز البروتوكول لتطال ملفات الطاقة، والمياه، والأمن السيبراني، إلى جانب استثمار متزايد في أدوات النفوذ الناعم.
ما يجري اليوم ليس سوى امتداد محدث لعقيدة بريجنسكي التي هدفت إلى تفتيت الكتل الجيوسياسية في الشرق الأوسط عبر الحروب بالوكالة، وتفكيك الأنظمة المركزية لتُعاد صياغة المنطقة وفق مصالح واشنطن وحلفائها. كذلك يتقاطع مع مرتكزات «مشروع الشرق الأوسط الجديد» الذي طُرح عقب غزو العراق، حيث كان يُراد تحويل الكيانات العربية إلى كيانات ضعيفة، تحكمها شبكات أمنية واقتصادية تدور في فلك الحلف الأميركي ـ الإسرائيلي.
لذا، إن ما تشهده المنطقة من تصعيد إسرائيلي غير مسبوق ضد إيران لا ينبغي أن يُقرأ بمنظار الخلافات العقائدية أو الحسابات، فالحرب على إيران في جوهرها، ليست حربًا على نظام، بل محاولة لإعادة رسم خارطة النفوذ في المنطقة بما يخدم المشروع الإسرائيلي، ويُقصي أي قوة إقليمية قادرة على الوقوف في وجهه، سواء كانت عربية أو غير عربية.
وعليه، فإن على العواصم العربية، لا سيما الخليجية، أن تتجاوز الخلافات التاريخية والحساسيات المذهبية مع إيران، لأن ما يُراد فرضه بعد هذه الحرب سيطال الجميع دون استثناء. فالمخطط الإسرائيلي كما بيّنا سابقًا، لا يهدف فقط إلى تحجيم إيران، بل إلى إخضاع المنطقة برمّتها لتراتبية أمنية واقتصادية تكون فيه إسرائيل في القمة، والدول العربية في موقع التابع الذي «يدفع الجزية» مقابل البقاء في دائرة الرضى الغربي.
إن المسؤولية التاريخية والسيادية تقتضي من الدول العربية التحرك العاجل للضغط على العواصم الغربية، وعلى رأسها واشنطن، من أجل وقف الحرب الإسرائيلية، والتحذير من أن استمرار العدوان لن يخلّ بتوازنات القوة فحسب، بل سيفتح أبواب الفوضى الكبرى التي لن ينجو منها أحد.
يتم قراءة الآن
-
كيف تشلّ إيران "إسرائيل"؟
-
المنطقة على حافة الإنفجار... ولا تطمينات أميركيّة للبنان إجراءات أمنيّة وشلل سياسي... وتضرّر كبير للسياحة ملف السلاح الفلسطيني الى «ثلاجة» الإنتظار مُجدّداً!
-
ظهور تشكيلات مُقاومة جنوب سوريا يُربك «الحسابات الإسرائيلية»
-
"القوات اللبنانيّة"... صعود إنتخابي في مُقابل محدوديّة التأثير السياسي
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
00:05
موقع نور نيوز: سيتم نشر اعترافات طياري مقاتلة إف 35 "الإسرائيلية" التي أسقطتها الدفاعات الإيرانية.
-
00:04
مسؤول في البيت الأبيض للجزيرة: لا بيان متوقعا من مجلس الأمن القومي بشأن الاجتماع الذي ترأسه الرئيس ترامب.
-
23:42
بعد المشاهد التي وثقت الضربات الايرانية على المواقع الاسرائيلية...بن غفير ووزير الاتصالات في حكومة الاحتلال يوجهان في بيان مشترك الشرطة لملاحقة مصوري مواقع سقوط الصواريخ والتشديد على مراسلي الوكالات الاجنبية والعالمية الذين يغطون الأحداث في الداخل.
-
23:41
نيويورك تايمز عن مسؤولين أميركيين: إيران أعدت صواريخ لضرب القواعد الأميركية في الشرق الأوسط إذا انضمت للحرب، وإذا وقع هجوم قد تبدأ إيران بزرع ألغام في مضيق هرمز لمحاصرة السفن الأميركية.
-
23:41
نيويورك تايمز عن مسؤولين أميركيين: رفع حالة التأهب للقوات الأميركية في القواعد العسكرية المنتشرة في المنطقة.
-
23:33
"واشنطن بوست" عن تقييم استخباراتي أميركي وإسرائيلي: بإمكان إسرائيل التصدي للصواريخ لـ12 يوما دون مدد أميركي.
