اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

في عالم يتسارع فيه الإيقاع وتتغير فيه المفاهيم، يبقى التعليم من الثوابت التي تبني المجتمعات وتصنع مستقبل الأجيال. كثيرون ينظرون إلى التعليم كمهنة تؤدى مقابل راتب، بساعات دوام محددة ومهام واضحة. لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير: التعليم ليس مجرد مهنة، بل هو حرفة تنبع من القلب وتصقل بالشغف والخبرة والرسالة.

المعلم صانع لا موظف

الموظف ينفذ، أما الحرفي فيبدع. الحرفي يتقن، يعيد يحسّن يلاحظ التفاصيل، ويعمل بكل حب وإخلاص ليخرج بأجمل وأكمل ما لديه. كذلك هو المعلّم الحقيقي، لا يكتفي بشرح الدرس، بل يصنع إنسانا. يراقب شخصية تلميذه، يسعى لفهمه، يكتشف قدراته، يحفزه على النمو، ويقوده نحو التفكير النقدي والتعلم الذاتي. هو كمن ينحت في الحجر، بصبر ودقة، ليظهر جوهر الإنسان.

حرفة تحتاج إلى موهبة وصقل

هذه الحرفة تتطلب أكثر من مؤهلات أكاديمية؛ تتطلب موهبة وأذنا صاغية، وقلبا كبيرا، وعقلًا متفتحا. المعلم الحرفي لا يكرّر درسه عاما بعد عام، بل يطوّره، يلائم طريقته حسب ظروف تلاميذه. يتعلم من أخطائه، ويبحث دائما عن الأدوات التي تجعله أفضل. لا يخاف من التكنولوجيا، ولا يهاب التجديد، بل يراه فرصة لصقل أدواته التربوية.

منهجية تتخطى الكتب

في مهنة التعليم التقليدية، يصبح الكتاب هو المحور. أما في حرفة التعليم، فالإنسان هو المحور. لا تقاس نجاحات المعلم فقط بنتائج الامتحانات، بل بقدرته على التأثير على غرس القيم، على إشعال شرارة الفضول في عقول طلابه. الحرفي لا ينسى أن التربية تسبق التعليم، وأن كل كلمة أو تصرّف منه يترك أثرا طويل المدى.

مجتمع بحاجة إلى معلّمين حرفيين

في زمن يكثر فيه الحديث عن تطوير المناهج والرقمنة نحتاج أكثر إلى من يتقنون هذه الحرفة، من يرون في التعليم رسالة لا وظيفة، من يحملون في داخلهم يقينا أن التغيير يبدأ من الصف. فالمجتمعات لا تنهض بالقوانين فحسب، بل بمعلم يصنع إنسانا حرا، ناقدا، مؤمنا بقدراته.

كيف نجعل من التعليم حرفة؟

خطوات عملية لكي يتحول التعليم من مجرد وظيفة إلى حرفة حقيقية يمكن للمعلمين أن يعتمدوا على مجموعة من الممارسات اليومية التي تعزز هذا التحول، منها:

  • التخطيط الإبداعي للدروس

لا تكرر الخطط نفسها كل سنة. غير طريقة العرض استخدم قصصا أمثلة حية، مشاهد تمثيلية، ألعابا تعليمية أو تقنيات حديثة تثير اهتمام الطلاب وتخلق تفاعلا حقيقيا.

  • التعلّم المستمر

لا تتوقّف عند الشهادة الجامعية. اقرأ، احضر ورش عمل شاهد دورات تابع التوجهات التربوية الحديثة الحرفي لا يتوقف عن التعلم.

  • معرفة الطالب عن قرب

كل طالب هو عالم خاص. حاول فهم ظروفه اهتماماته مخاوفه، ونقاط قوّته. هذه المعرفة تتيح لك أن تخصص طريقة التعليم وتشعر الطالب بأنه مرئي ومهم التقييم الإنساني لا الرقمي فقط.

لا تكتف بالعلامات والاختبارات. استخدم التقييم التكويني وراقب سلوك الطلاب، نموّهم، تفاعلهم وأسلوبهم في التفكير هذه معايير أكثر عمقا من الأرقام.

  • فتح مساحة للنقاش الحر

شجع طلابك على التعبير عن آرائهم، حتى إن اختلفوا معك دربهم على التساؤل، على التفكير النقدي، على الاحترام. هذا ينمي الاستقلالية ويعزز قيمة الحوار.

  • التغذية الراجعة البنّاءة

عندما تخبر الطالب بخطئه، افعل ذلك بطريقة تحفزه لا تحبطه. ساعده على أن يرى الخطأ فرصة للتقدم لا عقبة للتراجع.

  • خلق علاقة إنسانية دافئة

التعليم لا يتم في بيئة باردة. كن قريبا من طلابك استعمل أحيانا لغتهم، مازحهم، احتفل بنجاحاتهم، وكن سندا في صعوباتهم

إننا حين نتعامل مع التعليم كحرفة، نمنحه روحه الحقيقية فنعلم لا لأننا مجبرون، بل لأننا مؤمنون. ندرس لا لننهي المقرر بل لنوقظ العقل. وفي هذا، يكمن الفرق الجوهري بين من يعمل في التعليم، ومن يعيش التعليم فلنعد للتعليم مكانته الحقيقية... كمهنة القلوب والعقول وكحرفة تصنع الحياة.

الأكثر قراءة

مواجهة بلا سقف بين إيران و«إسرائيل»... وواشنطن على حافة التدخّل! سفير غربي يحذر من عمل عسكري «اسرائيلي» في الجنوب حتى الأولي برّاك بعد لودريان: لا اعذار للتاخير