اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


في ظل ضغوط الحياة المتسارعة وكثرة الملهيات اليومية، يبحث الكثيرون عن حلول طبيعية وفعالة للتعامل مع التوتر وتعزيز صحة الدماغ. وبينما يتجه البعض إلى المكملات أو العلاجات السريعة، تُعدّ المأكولات البحرية من الخيارات الغذائية الغنية بالعناصر التي تساهم بشكل مباشر في تحسين الحالة النفسية وتعزيز الأداء العقلي.

تتميّز المأكولات البحرية، وعلى رأسها الأسماك الدهنية مثل السلمون، السردين، والماكريل، بتركيزٍ عالٍ من أحماض أوميغا-3 الدهنية، وهي أحماض أساسية لا يستطيع الجسم إنتاجها بمفرده. وقد أظهرت الدراسات أن أوميغا-3 تؤدي دورًا مهمًا في تنظيم المزاج والحد من الاكتئاب والقلق، من خلال تأثيرها المباشر في المواد الكيميائية في الدماغ، مثل السيروتونين والدوبامين.

إلى جانب تأثيرها في تهدئة الأعصاب، تحتوي المأكولات البحرية على مجموعة من الفيتامينات والمعادن الحيوية، مثل فيتامين D، B12، والزنك، والتي تساهم في تعزيز صحة الدماغ وتحسين الذاكرة والتركيز. فمثلاً، يُعرف فيتامين B12 بدوره الحيوي في تكوين خلايا الدم وتحفيز النشاط العصبي، بينما يساعد الزنك في حماية الخلايا العصبية من التلف التأكسدي الناتج عن التوتر.

ولا يقتصر تأثير المأكولات البحرية على الجانب النفسي فقط، بل تمتد فوائدها بشكل واضح إلى دعم وظائف الدماغ الإدراكية والمعرفية. فقد ربطت العديد من الدراسات العلمية بين الاستهلاك المنتظم للأسماك والمأكولات البحرية وبين انخفاض خطر الإصابة بالأمراض التنكسية مثل ألزهايمر، الخرف، وتدهور الذاكرة المرتبط بتقدم العمر. وتُعزى هذه الفوائد إلى المحتوى الغني لأحماض أوميغا-3 الدهنية (خصوصًا DHA وEPA)، التي تدخل بشكل مباشر في تركيب أنسجة الدماغ، وتُعدّ مكونًا أساسيًا في الخلايا العصبية.

تعمل هذه الأحماض على تعزيز السيالة العصبية وتقوية الروابط بين الخلايا العصبية، مما يساهم في تحسين القدرة على التركيز، وسرعة المعالجة الذهنية، والاحتفاظ بالمعلومات لفترة أطول. كما أن لها دورًا في تحفيز نمو الخلايا العصبية الجديدة في منطقة الحُصين (Hippocampus)، وهي المنطقة المسؤولة عن التعلم والذاكرة، مما يجعلها ذات تأثير عميق في الوقاية من تراجع القدرات الذهنية.

من جهة أخرى، تُعدّ المأكولات البحرية مصدرًا غنيًا بالبروتين عالي الجودة، الذي يحتوي على مجموعة متكاملة من الأحماض الأمينية الأساسية التي يحتاج اليها الجسم لإنتاج الناقلات العصبية مثل السيروتونين، النورأدرينالين، والدوبامين. هذه المواد الكيميائية الحيوية تؤدي دورًا محوريًا في تنظيم المزاج، تحفيز الانتباه، وضبط الاستجابات العاطفية، ما يفسّر العلاقة القوية بين النظام الغذائي والصحة النفسية.

علاوةً على ذلك، فإن انخفاض محتوى المأكولات البحرية من الدهون المشبعة والسكريات المكررة يجعلها خيارًا مثاليًا للحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية، الأمر الذي ينعكس بدوره على صحة الدماغ، نظرًا للعلاقة الوثيقة بين تدفق الدم إلى الدماغ وكفاءته الوظيفية.

وفي سياق متصل، أظهرت دراسات أن الأشخاص الذين يتناولون الأسماك بانتظام يتمتعون بمعدلات أعلى من المادة الرمادية في الدماغ، وهي المسؤولة عن المعالجة العاطفية واتخاذ القرار. كما أن تناول الأسماك في مراحل مبكرة من الحياة، مثل الطفولة والمراهقة، قد يُعزز من التطور المعرفي ويساعد في تحسين الأداء الأكاديمي والتركيز والانتباه.

ختامًا، تمثل المأكولات البحرية أكثر من مجرد وجبة شهية أو تقليدًا غذائيًا في الثقافات الساحلية؛ إنها عنصر غذائي استراتيجي يقدّم للجسم والعقل معًا دعمًا متكاملًا. وللتغلب على التوتر، وتعزيز صفاء الذهن، وتحفيز الدماغ للعمل بكفاءة أعلى، يُنصح بإدراجها في النظام الغذائي بمعدل مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيًا، مع مراعاة تنويع المصادر البحرية بين الأسماك الدهنية، والمحار، والجمبري، والسردين، مع اختيار مصادر نظيفة وآمنة لضمان تحقيق أقصى فائدة صحية.

 

الأكثر قراءة

خطف نساء الساحل السوري: كرة النار تتدحرج والشارع يغلي!