اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


منذ ما قبل دخول لبنان نفق ثورة 17 تشرين وما تبعه من انهيارات كانت "مخفية" على اكثر من مستوى وصعيد، تحولت البلاد الى ساحة اختبار ديبلوماسي بين القوى المعنية، وعلى راسها الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا. فبين واقعية باريس السياسية، المحكومة بالارث التاريخي، وتبديلها لاحصنتها اللبنانية، وتشدد واشنطن الاستراتيجي، المرتبط بالمصالح الاسرائيلية، تبقى بيروت في موقع المرتبك والمعلق، تتقاذفها المقاربات الخارجية دون ان تجد مخرجا داخليا او دعما خارجيا لازماتها، التي قد تنفجر دفعة واحدة قريبا.

ففيما تعتمد السلطة اللبنانية، على "الام الحنون" وتسويقها لنظرية منع الانهيار الشامل، مدفوعة بالعوامل التاريخية والثقافية والارتباطات الاقتصادية، ما سمح لها بالتعاون مع الرياض في لعب دور الوسيط بين القوى السياسية المحلية، وتمريرها التسوية التي انتجت العهد "العوني الثاني"، في الوقت الدولي الضائع، تجد باريس نفسها عاجزة امام الجدار الاميركي، وتحديدا بعد وصول الرئيس دونالد ترامب الى البيت الابيض، مع اتساع هوة الخلاف اللبناني بين الطرفين، من التمديد للقوات الدولية، الى الاولويات بين السلاح والاصلاح.

مصدر ديبلوماسي فرنسي، سبق ان خدم في بيروت يكشف استراتيجية باريس الراهنة، وشروط انخراطها من جديد في دعم العهد الجديد، والتي تستند الى النقاط الاساسية الاتية:

-اطلاق ورشة اصلاحات جدية، على كافة الاصعدة، تبدأ بالقوانين ولا تنتهي بتحديث الادارة واجهزتها، وهو ما تحاول السلطة الالتفاف عليه حاليا، اذ ان أي اجراءات جذرية لم تتخذ سواء على صعيد تحديث وتطوير القطاع العام، في ظل الاصرار على اعتماد الذهنية والعقلية السابقة في التعيين والادارة، وان تحت غطاء آلية جديدة.

-اظهار العهد استقلاليته عن "النفوذ السياسي"، من خلال تحرير السلطات الدستورية من أي ضغوط داخلية او اقليمية، تجعلها خاضعة لاي من المحاور المتواجهة، ومن هنا الدور الكبير لرئاسة الجمهورية "الوسطية" كحافظة  للتوازنات بين المكونات اللبنانية المختلفة، دون ارتهان لاي طرف.

- التمسك بدور الجيش اللبناني، وتعزيز قدراته، والاهم استقلاليته ليتمكن من حماية الاستقرار الامني والقيام بواجباته على الحدود، جنوبا شرقا وشمالا. وعلى هذا الصعيد يكشف المصدر ان باريس اصطدمت اكثر من مرة "بفيتو" اميركي، منع اعادة تحريك المنحة السعودية لتسليح وتجهيز الجيش والتي كان اقرها الملك عبدالله ابان عهد الرئيس العماد ميشال سليمان.

وفي هذا الاطار علم ان قائد الجيش قام بزيارة الى باريس استمرت من الثلاثاء الى الخميس، حيث التقى رئيس اركان الجيوش الفرنسية، وبحث معه مختلف الملفات المشتركة سبل تعزيز قدرات الجيش اللبناني، خصوصا ان فرنسا تملك القوة الكبرى في اطار اليونيفيل.

ـ التعاون مع المبادرة الفرنسية، التي انتجت التسوية السياسية الحالية، والتي بدأت "تتفكك"، نتيجة "سلوك" الجانب اللبناني، وتداعيات ذلك على حماسة الاطراف التي شاركت باريس في رعاية الحل اللبناني.

في المقابل، والكلام للديبلوماسي، تنتهج واشنطن سياسة اكثر صرامة تجاه الطبقة السياسية اللبنانية، وتحديدا تجاه حزب الله، وهذا ما بينته زيارة المبعوث الاميركي الخاص الى سورية توماس براك، الى بيروت، وسط  قناعة اميركية تزداد يوما بعد يوم، بعجز التسوية التي تمت في كانون عن انتاج أي اصلاحات مطلوبة او استعادة ثقة المجتمع الدولي.

امور حملها معه الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت خلال زيارته الاخيرة، حيث اكد لكل من التقاهم "ان الامور مش ماشية" وان فرنسا عاجزة في ظل المسار اللبناني الرسمي الحالي على احداث خرق او تليين الموقف الاميركي، وبالتالي من هنا كان تركيزه على الملفات الاقتصادية، وضرورة التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، الامر الذي يرى فيه الايليزيه اولوية راهنا، والا فان الامور قد تخرج عن السيطرة، خصوصا ان المشهد الاقليمي ضبابي والامور مفتوحة على كل الاحتمالات.

في ظل هذا المشهد تبقى بيروت مربكة، لا تملك قرارها الكامل، ولا الدعم الدولي المنسجم، ما يضع الاستحقاقات في دائرة المراوحة، من تمديد للازمات،الى تراكم الانهيار المالي، طالما لا مبادرة دولية واحدة تنقذ الوضع، وبالتالي بقاء لبنان رهينة الحسابات الدولية، التي حتى الساعة لم تنجح في وضع خارطة طريق واضحة، لدعم دولي مشروط بالاصلاح لا الاشخاص، وضغط اكبر على الطبقة السياسية لعدم اضاعة الفرص المتاحة.

فالتاريخ اللبناني "مليان" شواهد على انه حين ينقسم الخارج، ينهار الداخل اكثر.

 

الأكثر قراءة

إيران تؤلم «إسرائيل» من الشمال إلى الجنوب... والمفاوضات تنتظر وقف القصف الموفد الاميركي لم يحسم التمديد لليونيفيل وغازل جنبلاط اين الحكومة من الغلاء الجنوني وموسم الاصطياف مهدد؟