اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


في الثمانينات، كما في التسعينات، وعلى الرغم من حالة الحرب والوضع الامني، كانت المحاكم اللبنانية، وخصوصا الجزائية، ناشطة بشكل كبير وخصوصا ايضا المحاكم الجزائية في بعبدا. اذ كانت محكمة الجنايات بكل غرفها تصدر مئات القرارات المهمة والمبدئية شهريا برئاسة القضاة المرحومين ميشال مدكور، والياس نمور ومنير حنين وحاتم ماضي، وملحم معلوف. والقضاة محمد بعاصيري وعدنان عضوم وسعيد ميرزا، وجان بصيبص اطال الله في اعمارهم وغيرهم وغيرهم. وفي العصر الحالي لدينا قضاة لامعون يترأسون محاكم الجنايات.

وبحكم مرافعاتنا الاسبوعية امام تلك المحاكم في بعبدا وفي بيروت، كنا نشدد في تلك المرافعات، كما في المقالات التي نكتبها على ضرورة التنبه الى امور مهمة مثل ما يسمى بالعطف الجرمي. فما ان يُلقى القبض على شخص بجرم تعاطي المخدارات، حتى نقرأ في محضر الاستماع اليه من قبل الضابطة العدلية عشرات الاسماء التي يقول انه اشترى منها او تعاطت معه المخدرات. وكنا نشدد على عدم الاخذ بهذه الاقوال إلا اذا جرى تحقيق دقيق في هذا الخصوص. إذ يمكن لهذا المدعى عليه ان يرمي الاسماء للانتقام مثلا. واحيانا، وبكل أسف، قد يكون زج بعض الاسماء من قبل رتيب التحقيق لمئة سبب وسبب. وهذا ما كنا نكتشفه لدى استجواب المدعى عليه امام قاضي التحقيق ومحكمة الجنايات بأنه لم يذكر إطلاقا هذا الاسم، ولم يقرأ على المحضر الذي وقع عليه. ولم تكن المادة 47 اصول جزائية موجودة ليتأكد المحامي من مضمون المحضر قبل التوقيع عليه.

فماذا كان يحصل؟ يصدر قاضي التحقيق قراره الظني على الشبهة العادية، اي بمجرد ان ذكر المدعى عليه اسم هذا الشخص او ذاك، ومن دون الغوص في تفاصيل الوقائع. وكنا نقول انه يقتضي إجراء التحقيقات المكثفة بهذا الخصوص حتى لا يبقى المدعى عليه وبعد ذلك المتهم، بعد صدور القرار الاتهامي، موقوفا للوصول امام محكمة الجنايات. وحجتنا ما كان يقوله القاضي الكبير المرحوم سليم العازار، ان قاضي العجلة يقترب ويلامس الاساس، وان لم يدخله، تمهيدا للوصول الى الحقيقة. إذ لا يمكن تحت باب عدم الدخول في الاساس، محاكمة المدعى عليهم "ولتدبر محكمة الاساس رأسها". كذلك الامر بالنسبة لقاضي التحقيق. لا يمكن ان يصدر قراره الظني بالمدعى عليه الذي قال عنه المتعاطي او المروّج او التاجر إنه كان يشتري منه المخدرات، بما يعرف بالعطف الجرمي، ليبرأ بعد ذلك امام محكمة الاساس، محكمة الجنايات، وبعد ان يقضي السنوات الطويلة في السجن.

نقطة جوهرية نتمنى على القضاة، وخصوصًا قضاة التحقيق والهيئات الاتهامية، اخذها بعين الاعتبار حفاظًا على كرامات الناس وإحقاقًا للحق والعدالة.

                                                    نقيب المحامين السابق في بيروت

الأكثر قراءة

إيران تؤلم «إسرائيل» من الشمال إلى الجنوب... والمفاوضات تنتظر وقف القصف الموفد الاميركي لم يحسم التمديد لليونيفيل وغازل جنبلاط اين الحكومة من الغلاء الجنوني وموسم الاصطياف مهدد؟