اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

بقلم ماجي مايكل – رويترز


في مارس الماضي، اجتاح مقاتلون موالون للحكومة الجديدة قرى وبلدات علوية على الساحل السوري، ونفذوا مجازر راح ضحيتها ما يقرب من 1500 مدني من الطائفة العلوية، وفق ما كشفه تحقيق مطول أجرته وكالة رويترز.

في بلدة الروسافة، كان قلب الشاب سليمان رشيد سعد قد انتزع من صدره ووُضع فوق جسده، فيما اتصل المهاجمون بوالده من هاتفه قائلين بسخرية: «تعال وخذ جثته قبل أن تأكلها الكلاب». لم يكن هذا إلا مشهداً ضمن ثلاثة أيام من القتل والنهب والتنكيل بالعلويين بين 7 و9 مارس، عقب تمرد مسلح نفذه ضباط موالون للرئيس السابق بشار الأسد، وأسفر عن مقتل نحو 200 من عناصر الأمن.

سلسلة القيادة: من المهاجمين إلى قلب الحكومة

توصل تحقيق رويترز، الذي استند إلى مقابلات مع أكثر من 200 عائلة، ووثائق رسمية ومحادثات على تطبيق "تيليغرام"، إلى أن سلسلة القيادة التي أعطت الأوامر بالمجازر امتدت إلى رجال يخدمون جنباً إلى جنب مع قادة سوريا الجدد في دمشق.

وتشير الوثائق وشهادات الشهود إلى أن 40 موقعاً تعرضت لعمليات قتل انتقامية ونهب منظم، نفذتها وحدات حكومية سابقة تابعة لهيئة تحرير الشام (HTS) – الفرع السابق لتنظيم القاعدة في سوريا – بالإضافة إلى فصائل سنية موالية للسلطة الجديدة مثل فرقة السلطان سليمان شاه وفرقة الحمزة.

ورغم أن الحكومة الجديدة وعدت بالتحقيق ومحاسبة المسؤولين، إلا أنه لم يتم توجيه اتهامات أو الإعلان عن حصيلة رسمية للضحايا حتى الآن، بينما تحدثت بعض المصادر المحلية عن استمرار عمليات قتل متفرقة للعلويين خلال شهري مايو ويونيو.

حكومة جديدة... وصراع قديم

الحكومة السورية الحالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع – الذي كان يوماً أمير "جبهة النصرة" – تواجه انتقادات داخلية ودولية لعدم قدرتها على حماية المدنيين ومنع انزلاق البلاد نحو مزيد من التصفيات الطائفية.

في مقابلة مع رويترز، قال الشرع إنه يعتبر العنف تهديداً لمشروعه السياسي وإنه تعهد بمحاسبة أي طرف ضالع في المجازر «حتى لو كان من المقربين».

لكن الوقائع على الأرض أظهرت أن بعض الفصائل التي شاركت في الحملة العسكرية كانت تحمل لوائح بأسماء عائلات علوية مستهدفة، بينها عائلات عناصر أمن سابقين ممن منحوا عفواً من الحكومة الجديدة.

مشاهد الرعب في القرى المنكوبة

في قرية المختارية قرب طريق M4، روى شهود أن قوات الأمن العام – الجهاز الأمني الذي أنشأته هيئة تحرير الشام سابقاً – اقتحمت المنازل مع بزوغ الفجر، وجمعت الرجال في الساحات وأطلقت النار عليهم بشكل عشوائي، ما أسفر عن مقتل 157 شخصاً، بينهم عائلات بأكملها.

في قرية سونوبار الزراعية، وثق التحقيق مقتل 236 شخصاً، معظمهم من الشباب. وأفاد الناجون بأن المقاتلين كتبوا على جدران المنازل المدمرة: «كنتم أقلية... والآن صرتم نادراً».

في بلدة الروسافة، التي قتل فيها سليمان سعد، اقتيد الضحايا إلى الخارج وأُجبروا على الزحف وإصدار أصوات الكلاب، قبل إطلاق النار عليهم.

فوضى القيادة وتداخل الولاءات

مع تقدم العمليات، أظهرت المحادثات المسربة من تيليغرام أن الناطق باسم وزارة الدفاع في الحكومة الجديدة، حسن عبد الغني – المعروف باسم أبو عهد – كان يشرف على تنسيق تحركات الوحدات والفصائل المختلفة.

لكن الشهادات أوضحت أن بعض الفصائل كانت تتواجه فيما بينها أحياناً، حيث حاولت عناصر حماية المدنيين في بعض المواقع منع المقاتلين الآخرين من تنفيذ الإعدامات.

الدفن الجماعي وصمت الدولة

في اليومين التاليين للمجازر، بدأت عمليات دفن جماعية على عجل. في بلدة بانياس وحدها، تم دفن 253 جثة، بينما نزحت مئات العائلات إلى قاعدة حميميم الروسية خوفاً من موجة جديدة من العنف.

ورغم مرور أشهر على الأحداث، فإن السلطات السورية لم تصدر بعد أية لوائح رسمية بأسماء القتلى، فيما قالت لجنة التحقيق الأممية إن حصيلة الأمم المتحدة التي بلغت 111 قتيلاً «أقل بكثير من الواقع».

ترقيات بعد المجازر

وفي تطور أثار انتقادات واسعة، منحت وزارة الدفاع في ديسمبر ترقية لعدد من قادة الفصائل الضالعة في العمليات، من بينهم قائد وحدة 400، الجنرال أبوالخير تفتناز، وقائد فرقة السلطان سليمان شاه، محمد الجاسم، وقائد فرقة الحمزة، سيف أبو بكر.

في مايو، أعلنت الوزارة إصدار «مدونة سلوك» تحظر التمييز الطائفي والانتهاكات ضد المدنيين، لكنها لم تعلق على أسباب الترقيات ولا على علاقة هؤلاء القادة بالمجازر.

ما وراء الأرقام

تؤكد مشاهد الدمار والبيوت المحترقة والقرى المهجورة على الساحل السوري أن الفجوة الطائفية التي عمّقها حكم الأسد لعقود لم تندمل بعد، بل تهدد بجر البلاد إلى مزيد من العنف والانتقام.

قال نانار حواش، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، لـ"رويترز": «إن نشر وحدات معروفة بعدائها للعلويين وتحميلها مسؤولية تأمين المناطق أسفر عن نتيجة متوقعة: فشل في حماية السكان وزيادة الانقسام».

المصدر: وكالة "رويترز" للأنباء

الأكثر قراءة

معالم الردّ على ورقة برّاك تتبلور... وحزب الله سلّم موقفه إجهاض مُحاصرة «الثنائي» انتخابياً... والمواجهة مفتوحة الأمن العام فكّك خليّة لتنظيم «داعش» تتعاون مع «الموساد»؟!