اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


تُصنَّف متلازمة الأمعاء المتسربة كإحدى الحالات الصحية المثيرة للجدل، والتي تشهد اهتمامًا متزايدًا في السنوات الأخيرة، نظرًا لاحتمال ارتباطها بمجموعة من الاضطرابات المزمنة التي يصعب تفسيرها. في هذه الحالة، يحصل خلل في الحاجز المعوي، مما يسمح بمرور جزيئات غير مرغوب بها من الأمعاء إلى مجرى الدم، مسببةً التهابات وتفاعلات مناعية قد تطال أنظمة متعددة في الجسم.

في الوضع الطبيعي، تُغطى جدران الأمعاء الدقيقة بطبقة من الخلايا ترتبط ببعضها بواسطة "الروابط المحكمة"، وهي بروتينات تعمل كحاجز ذكي يُحدد ما يمكن أن يعبر من القناة الهضمية إلى الدم. في حال الإصابة بمتلازمة الأمعاء المتسربة، تفقد هذه الروابط فعاليتها، ما يسمح بمرور البروتينات غير المهضومة، السموم، الميكروبات، وجزيئات الطعام إلى الدورة الدموية، وهو أمر يُفترض أن لا يحدث.

ينتج عن هذا التسرّب تحفيز غير طبيعي لجهاز المناعة، إذ يتعامل الجسم مع هذه الجزيئات كـ "غزاة"، ما يؤدي إلى رد فعل مناعي التهابي مزمن. وعلى المدى الطويل، يُمكن لهذا الالتهاب أن يسهم في ظهور أو تفاقم العديد من الحالات الصحية مثل حساسية الطعام، مشاكل الجلد (مثل الأكزيما وحب الشباب)، متلازمة القولون العصبي، الإرهاق المزمن، اضطرابات المناعة الذاتية، الاكتئاب، والقلق. كما تُشير بعض الأبحاث إلى ارتباط محتمل بين الأمعاء المتسربة وأمراض أكثر تعقيدًا مثل السكري من النوع الأول، التصلب المتعدد، ومرض هاشيموتو في الغدة الدرقية.

إنّ أسباب الإصابة بهذه المتلازمة متعددة، أبرزها سوء التغذية، إذ يؤدي تناول كميات مفرطة من السكر المكرر، والغلوتين، والأطعمة المعالجة والمقلية إلى تهيج جدران الأمعاء. كما أن الإفراط في استخدام المضادات الحيوية أو مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs) مثل الإيبوبروفين قد يضر بالطبقة المخاطية الحامية للأمعاء. بالإضافة إلى ذلك، الضغط النفسي المزمن، قلة النوم، والإجهاد التأكسدي كلها عوامل تُضعف الحاجز المعوي وتزيد من قابليته للتسرّب.

هذا ولا يزال تشخيص متلازمة الأمعاء المتسربة تحديًا، إذ لا توجد اختبارات طبية معتمدة عالميًا للكشف عنها بشكل مباشر. يعتمد الأطباء عادةً على استبعاد الأمراض الأخرى، وتقييم التاريخ الغذائي والصحي للمريض، بالإضافة إلى استخدام بعض الفحوصات غير التقليدية مثل اختبار "اللاكتولوز-مانيتول" الذي يُستخدم لقياس نفاذية الأمعاء.

أما من ناحية العلاج، فيرتكز على نهج شامل يُعيد ترميم الحاجز المعوي. ويشمل ذلك اتباع نظام غذائي مضاد للالتهابات، غني بالأطعمة الطازجة والخالية من المواد المصنعة، مع التركيز على الخضروات، البروتينات النظيفة، والدهون الصحية. يُوصى أيضًا بإزالة المسببات المحتملة مثل الغلوتين، ومنتجات الألبان، والسكر لفترة تجريبية. كذلك، يُمكن استخدام مكملات مثل البروبيوتيك، الجلوتامين، الزنك، وفيتامين D لتعزيز التئام جدران الأمعاء وتحسين توازن البكتيريا النافعة.

من المهم التأكيد على أن التعامل مع متلازمة الأمعاء المتسربة يتطلب صبرًا ومتابعة مستمرة، نظرًا لطبيعتها المزمنة وتأثيراتها المتشعبة. كما أن التعاون بين الطبيب والمريض لتحديد المسببات الشخصية وتعديل نمط الحياة يُعد حجر الزاوية في تحسين الحالة.

في الختام، تُعد متلازمة الأمعاء المتسربة حالة حقيقية ومرتبطة بكثير من الأمراض الحديثة، لكنها غالبًا ما تُهمَل بسبب غموض أعراضها وتشابهها مع مشكلات صحية أخرى. ولأن صحة الجسم تبدأ من صحة الأمعاء، فإن فهم هذه المتلازمة والوقاية منها قد يكون مفتاحًا لتحسين نوعية الحياة بشكل جذري. 

الأكثر قراءة

بري الذي أذهل المبعوث الأميركي