اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


تمثّل السمنة إحدى أبرز الأزمات الصحية المعاصرة، لما لها من تأثيرات واسعة النطاق في مختلف أجهزة الجسم. فمع تزايد معدلاتها عالميًا، بدأت الدراسات تكشف عن صلات وثيقة بينها وبين أمراض مزمنة معقدة، مثل أمراض القلب والسكري، بالإضافة إلى ارتباطها المتصاعد بخطر الإصابة بأنواع متعددة من السرطان. ومن بين تلك الأنواع، يبرز سرطان المسالك البولية كأحد السرطانات التي تتأثر بشكل ملحوظ بزيادة الوزن وتراكم الدهون في الجسم.

تؤثر السمنة في الجسم بطرق معقدة تتعدى تراكم الدهون. فالأنسجة الدهنية الزائدة تعمل كمصدر للالتهاب المزمن منخفض الدرجة، وتفرز مواد كيميائية تُعرف بالسيتوكينات والهرمونات مثل الإنسولين والإستروجين، التي تخلق بيئة فسيولوجية محفزة لنمو الخلايا السرطانية. وفي حالة المسالك البولية، فإن هذا الالتهاب المزمن والتغيرات الهرمونية تؤدي إلى تغيّر في طبيعة خلايا بطانة الأعضاء البولية، مما يُمهّد الطريق لتحولها إلى خلايا سرطانية.

وقد أظهرت الدراسات أن زيادة مؤشر كتلة الجسم (BMI) ترتبط بارتفاع خطر الإصابة بسرطان الكلى، وخصوصًا سرطان الخلايا الكلوية، وهو أكثر أنواع سرطان الكلى شيوعًا. ويُعتقد أن زيادة مقاومة الإنسولين لدى المصابين بالسمنة تُحفّز نمو هذه الخلايا بشكل غير طبيعي. كما أن مرضى السمنة غالبًا ما يعانون من ارتفاع ضغط الدم، وهو عامل آخر مرتبط بزيادة خطر الإصابة بسرطان الكلى.

أما بالنسبة لسرطان المثانة، فقد أظهرت بعض الأبحاث أن السمنة قد تساهم في زيادة خطر الإصابة به بشكل غير مباشر، من خلال ارتباطها بأمراض أخرى مثل السكري من النوع الثاني، الذي يؤثر في وظائف الكلى والمثانة ويزيد من فرص الالتهابات المزمنة، مما يخلق بيئة مواتية لنشوء الخلايا الخبيثة. كما أن العوامل البيئية، مثل النظام الغذائي الغني بالدهون المشبعة ونقص النشاط البدني، تزيد من تراكم السموم في الجسم، وتقلل من قدرة الجهاز البولي على التخلص منها بكفاءة.

ولا يقتصر تأثير السمنة على زيادة خطر الإصابة فقط، بل يمتد أيضًا إلى تفاقم تطور المرض. فقد وُجد أن مرضى السرطان الذين يعانون من السمنة يُواجهون صعوبات أكبر في الاستجابة للعلاج، سواء أكان جراحيًا أو إشعاعيًا أو دوائيًا. وتُعزى هذه الظاهرة إلى التغيرات في التمثيل الغذائي للدواء داخل الجسم، وزيادة مستويات الالتهاب التي تُضعف فعالية الجهاز المناعي في مقاومة الخلايا السرطانية.

من جانب آخر، تعيق السمنة في بعض الحالات الاكتشاف المبكر لسرطانات المسالك البولية. فعلى سبيل المثال، قد يصعب في بعض الحالات ملاحظة وجود كتلة في منطقة الكلى أو الحوض بسبب تراكم الدهون. كما أن بعض الأعراض، مثل الألم أو اضطرابات التبول، قد تُعزى إلى السمنة أو أمراضها المصاحبة، مما يؤدي إلى تأخر التشخيص وفقدان فرص التدخل المبكر.

أمام هذه المعطيات، يصبح من الضروري تعزيز الوعي العام حول العلاقة بين السمنة والسرطان، والتشجيع على تبني نمط حياة صحي يشمل النظام الغذائي المتوازن، وممارسة النشاط البدني المنتظم، والحفاظ على وزن مناسب. كما يجب على الأطباء والمختصين تضمين تقييم السمنة كعامل خطر محتمل ضمن برامج الفحص المبكر للأورام، وخاصة في المرضى المعرضين لعوامل إضافية مثل التاريخ العائلي أو التعرض المهني للمواد الكيميائية.

أخيراً، تُثبت الأدلة العلمية بشكل متزايد أن السمنة ليست مجرد مشكلة جمالية أو زيادة في الوزن، بل هي عامل بيولوجي محفز قد يؤدي دورًا مباشرًا في نشوء وتطور سرطانات المسالك البولية. من هنا، تبرز أهمية الوقاية، والتشخيص المبكر، والتدخل المتكامل في تقليل العبء الصحي والاقتصادي لهذه الأمراض على الأفراد والمجتمعات.

الأكثر قراءة

إنذار سعودي أخير وخطير للبنان