اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


بالتزامن مع مشاركة وزير الصحة العامة السيد ركان ناصر الدين، في القمة العالمية لتحالف اللقاحات "غافي"، التي انعقدت في العاصمة البلجيكية بروكسل، تحت شعار "الصحة والازدهار من خلال التطعيم"، والتي جمعت أكثر من 55 من القادة وصناع القرار حول العالم، عُقد اجتماع ثنائي بين الوزير والرئيسة التنفيذية للتحالف السيدة سانيا نيشتار. وقد خلص اللقاء إلى تأكيد التزام لبنان بسدّ الفجوة في التحصين الأساسي، وهي فجوة فُرضت بفعل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي مرّ بها البلد في السنوات الأخيرة.

وفي إطار تعزيز هذا التوجه، اتفق الجانبان على ضرورة قيام وفد من مسؤولي تحالف "غافي" بزيارة إلى لبنان قريبًا، بهدف تعميق التعاون المشترك، وتفعيل الشراكة الاستراتيجية في مجال التحصين وضمان وصول اللقاحات إلى جميع الفئات، لا سيما الأطفال، بما يعزز الأمن الصحي الوطني.

وكان لـ "الديار" حوار خاص مع الرئيس التنفيذي لتحالف اللقاحات "جافي" السيدة "سانيا نيشتار".

صمود صحي رغم الأزمات

شهد لبنان منذ عام 2019 سلسلة من الأزمات المتلاحقة، بدءاً بالانهيار الاقتصادي، مروراً بجائحة كوفيد-19، وصولاً إلى انفجار مرفأ بيروت، إضافة إلى استضافة أعداد هائلة من اللاجئين. ورغم هذه الظروف القاسية التي أنهكت النظام الصحي، أظهرت الدولة اللبنانية التزاماً لافتاً في الحفاظ على برامج التحصين. وقد أشادت السيدة نيشتار بالجهود التي يقودها وزير الصحة وفريقه، والذين أصروا على اعتبار التحصين أولوية وطنية لا يمكن التهاون بها.

وأكدت "أن التجربة اللبنانية نموذج ملهم، حيث أظهرت كيف يمكن لدولة صغيرة تمر بأزمة أن تُبقي على برامجها الصحية الحيوية، معتمدة على رؤية واضحة بأن كل دولار يُستثمر في الوقاية، يعود بفوائد صحية واقتصادية مضاعفة".

تحالف "غافي" يدعم لبنان في مواجهة التحديات

ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية وتراجع التمويل الحكومي، تفاقمت التحديات التي تواجه برامج التحصين في لبنان. ورغم محدودية الموارد، أظهرت وزارة الصحة اللبنانية مرونة كبيرة، من خلال اعتماد أنظمة جرد ذكية لإدارة اللقاحات وتفادي نفادها، بالإضافة إلى التعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية لتقاسم البنى التحتية وتوفير الخدمات الصحية في مواقع يسهل الوصول إليها.

وأكدت نيشتار أن "غافي" يواصل تقديم الدعم المالي والفني للبنان، لتمكينه من مواجهة هذه التحديات، والحفاظ على استمرارية خدمات التحصين في جميع المناطق، بما فيها المخيمات ومناطق النزوح.

وفي ما يخص استعادة معدلات التغطية باللقاحات، أوضحت نيشتار أن لبنان بالتعاون مع "غافي" وشركائه مثل اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر اللبناني، تمكن من إعادة تفعيل حملات التحصين تدريجياً. كما تم تدريب الكوادر الصحية ودعم سلاسل التبريد والتوزيع لضمان وصول اللقاحات بأمان وفعالية.

وقد ساهم الصليب الأحمر اللبناني بشكل خاص في إيصال اللقاحات إلى المناطق النائية، مما ساعد في تقليص عدد الأطفال الذين لم يتلقوا أي جرعة من اللقاحات الأساسية، وهو ما تعتبره السيدة نيشتار خطوة محورية في تعزيز الأمن الصحي.

الأولوية: عودة التغطية إلى مستوياتها السابقة

تراجع مستويات التغطية بالتطعيمات الروتينية منذ عام 2019 يُعدّ من أكبر التحديات الحالية، بحسب نيشتار. ولكن وجود شبكة واسعة من مراكز الرعاية الصحية الأولية، يشكل ركيزة قوية يمكن البناء عليها. وأشادت بجهود الفرق الميدانية، لا سيما في المناطق المحرومة، حيث تم إحراز تقدم لافت في إيصال اللقاحات للأطفال الذين لم يتلقوا أي جرعة سابقاً.

هذا، ورأت أن بناء الثقة باللقاحات يبدأ من توعية المجتمع. ففي المناطق التي تشهد ضعفاً في الثقافة الصحية، يزداد التردد في تلقي اللقاح. ولذلك، فإن حملات التوعية تلعب دوراً أساسياً في إزالة الشكوك وبناء قناعة مجتمعية بأهمية التحصين.

لقاح HPV: خطوة وقائية استراتيجية

وصفت نيشتار إدخال لقاح فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) ضمن الروزنامة الوطنية، بأنه خطوة استراتيجية لحماية صحة المرأة. ويهدف هذا اللقاح إلى الوقاية من سرطان عنق الرحم، أحد الأسباب الرئيسية لوفيات النساء المرتبطة بالسرطان.

وأكدت أن تحقيق هذا الهدف بحلول 2026 هو أمر واقعي، في ظل الالتزام السياسي القائم، والدعم الفني والمالي من جافي وشركائه، إلى جانب دور المجتمع في رفع الوعي وضمان قبول اللقاح لدى الفئة المستهدفة من الفتيات في سنّ المراهقة.

كما أشارت نيشتار إلى أن نجاح إدخال لقاح HPV يعتمد على التخطيط الدقيق، وتفعيل الشراكات بين وزارات الصحة والتعليم، والمؤسسات الصحية والمجتمع المحلي. وشددت على أهمية إشراك الأهل والمعلمين والأطباء لضمان تقبل اللقاح، وزيادة نسب التغطية، وتحقيق أهداف المبادرة على نحو مستدام.

زيارة مرتقبة إلى لبنان

وأكدت نيشتار أن زيارة وفد "غافي" المرتقبة إلى لبنان تهدف إلى مراجعة الإنجازات والتحديات، وتحديد الخطوات المستقبلية، لا سيما في ما يخص إطلاق لقاح HPV. كما ستعمل الزيارة على تعزيز التنسيق مع وزارة الصحة، وتأكيد التزام التحالف بدعم لبنان في ظل أزماته المتواصلة.

وأوضحت أن التحالف يعمل على تعزيز التعاون مع الحكومات التي تواجه أوضاعاً مشابهة للبنان، مثل سوريا والسودان وغزة. وكشفت عن تخصيص 20 مليون دولار لدعم اللقاحات في غزة والضفة الغربية، وكذلك للاجئين الفلسطينيين في لبنان، كجزء من التزام التحالف بضمان المساواة في الوصول إلى اللقاحات.

فجوة تمويلية ومصادر مبتكرة

رغم جمع "غافي" أكثر من 9 مليارات دولار خلال قمته الأخيرة، فإن الفجوة التمويلية ما بين عامي 2026 و2030 ما تزال تقارب 11.9 مليار دولار. ويسعى التحالف إلى إيجاد مصادر تمويل مبتكرة وجذب مانحين جدد للحفاظ على استمرارية برامجه، لا سيما في الدول الهشة.

في ختام حديثها، وجهت السيدة نيشتار رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي: "التحصين ليس رفاهية، بل ضرورة. هو أداة إنقاذ، واستثمار فعّال في الصحة والاستقرار. واليوم، أكثر من أي وقت مضى، يحتاج العالم إلى وقفة تضامنية لدعم برامج التحصين، من أجل حماية الأجيال المقبلة وتحقيق تنمية صحية واقتصادية مستدامة". 

الأكثر قراءة

صرخة الشيعة في لبنان