لا شيء يشير الى أن القوى السياسية في الداخل، بالتبعية العمياء للقناصل، تعي ما تداعيات الفوضى في سورية على لبنان، بعدما حلت ثقافة الحجاج بن يوسف الثقفي، محل ثقافة محيي الدين بن عربي، وما تداعيات الهيستيريا الايديولوجية في "اسرائيل"، بالتأويل الجنوني للنصوص المقدسة.
كما لا شيء يشير الى أن الحكومات العربية تستذكر ما كتبه الفيلسوف الفرنسي – "اليهودي" برنار ـ هنري ليفي "سقوط سورية يعني سقوط الشرق الأوسط"، وتدرك أن المشروع الذي يطبق جثة فوق جثة على الأرض، ليس مشروع دونالد ترامب ـ بنيامين نتنياهو، وانما هو "المشروع التوراتي"، حيث يفترض أن تقوم "أمبراطورية يهوه"، ليس من الفرات الى النيل فقط، بل من حدود الصين الى ضفاف المتوسط، بعدما نجحت الأنظمة في تحويل المجتمعات العربية الى مجتمعات محطمة أو آسنة أو ميتة. تماما كما لو أنها تنفذ حرفيا، نظرية الباحث الأميركي ورجل الاستخبارات الشهير ماكس مايوانغ، تحت عنوان "دع عدوك يستيقظ ميتا". وها اننا نستيقظ موتى فعلا...
هكذا ليست ايران وحدها العدو، ولطالما علت فيها الصيحات بازالة "اسرائيل" من الوجود، أو حزب الله بشعار الطريق الى القدس، ولا حركة "حماس" وهي القنبلة في الخاصرة. ذاك المشروع لا يريد فقط تعرية لبنان وسورية والعراق، وحتى تركيا من أظافرها، وانما تحويلها الى قهرمانات للهيكل.
ما الشيء الذي لم يفعله احمد الشرع من أجل تأكيد "الأخوة" بين سورية و "اسرائيل" (في اذربيجان كاد الوفدان السوري و "الاسرائيلي" يتبادلان القبل)، وهو الذي اختاره الأميركيون والأتراك لتقديم رأسه هدية الى نتنياهو. الرئيس السوري قال علنًا "للاسرائيليين": "لسنا أعداءكم"، بل "ان عدونا مشترك"، أي ايران و حزب الله، ما يقتضي أن نكون في خندق واحد، وفي مسار واحد. وبعدما ابتدع فقهاء "ميثاق ابراهيم" تلك الفتوى الهجينة، التي تضع اسحق واسماعيل تحت خيمة واحدة، كما لو أنك تضع قايين وهابيل تحت خيمة واحدة.
ما كانت النتيجية؟ نتنياهو وبالتنسيق مع ترامب، لم يضرب الشرع على ظهره بل على رأسه، ان في القصر الجمهوري أو في مبنى هيئة الأركان كرمز للسيادة السورية. متى كان مفهوم السيادة يليق باي دولة عربية؟ بعدما بلغ الصلف الغربي حدوده القصوى، بقول المستشرق برنارد لويس "هؤلاء لا يدارون بأصابع اليدين وانما بأصابع القدمين".
حكومات رثة، ومجتمعات فارغة وغارقة في معادلات الحلال والحرام. وقد رأينا كيف تبنى الدولة السورية بسحق ملايين العلويين، بتهمة كونهم "فلول النظام"، وكيف تغزى السويداء باعتبار الدروز "أشد كفرًا من اليهود والنصارى". في نهاية المطاف لخدمة الغرب الذي متى سار على خطى السيد المسيح، ولخدمة "اسرائيل" كأداة لاهوتية وعسكرية للغرب، الذي لم ولن يعترف بالعرب ككائنات بشرية سوية.
قضيتنا الآن كلبنانيين، أن في سورية أو في المنطقة العربية، هي في الدور الذي أنيط برجب طيب اردوغان، الذي كل ما فعله، كفاتح لسورية، حول الغارات "الاسرائيلية" على دمشق، وهي مدينة التكية السليمانية، هو القول انها "غير مقبولة" (هل من عبارة أكثر رقة من ذلك؟) سورية التي ظن وظننا، أنها في يده أثبتت الطائرات "الاسرائيلية" التي يبتهل اليها "الحاخامات" كونها "الملائكة المدمرة"، أنها في يد نتنياهو الذي قرر احتلال الجنوب السوري باعلانه منطقة منزوعة السلاح.
لا ندري متى يدرك الرئيس التركي، وقد تمنينا لو قدم للعالم صورة حديثة عن الاسلام، لا ذلك الاسلام بالايديولوجيا المكفهرة التي تترعرع بين الأقبية، أو بين الكهوف. إن رهانه على احياء السلطنة العثمانية رهان سيزيفي، بل ودونكيشوتي، تماما كمن يحارب طواحين الهواء، وهو الذي يلاحظ أن لا أمبراطورية الآن سوى الأمبراطورية الأميركية التي تضع يدها بشكل أو بآخر حتى على تركيا.
اللعب على الخيوط، بما في ذلك خيوط العنكبوت، لم يعد مجديا اذا تذكر قول فاليري جيسكار ـ ديستان ان "الاتحاد الأوروبي ناد للمسيحيين"، وأن اردوغان يبدو وكأنه يريد أن يدخل الى النادي بطريقة وبأسلوب الغزاة. ذاك التاريخ انتهى، وانتهى معه صهيل الخيول العثمانية على اسوار فيينا.
كلنا نعلم ما حال البلدان العربية الآن. هل سمعتم برجل يدعى أحمد أبو الغيط، ويشغل منصب الأمانة العامة للجامعة العربية، التي تغفو منذ مئة عام، أو أقل بقليل على وقع الطرابيش، كما على وقع الأراكيل. من زمان تحدث محمد الماغوط على "أننا بدأنا بتجهيز سلحفاة للصعود الى القمر". هكذا يعدّ العرب أنفسهم للدخول في القرن الحادي والعشرين، كما لو أن السكين لن تنال كل الخرائط وكل العروش، ليبقى العرب والى الابد في الثلاجة الأميركية، وحتى في الثلاجة "الاسرائيلية".
قلنا انه السقوط الأخير للشرق الأوسط بعد سقوط سورية، وهذا منطق الأشياء. تصوروا أن يراهن بعض أئمة المساجد على دور لرجب طيب اردوغان، الذي لا يتقن اللعب سوى في الزوايا، لا في الخنادق، في اخراج العرب من براثن "اسرائيل"، كما لو ان من خططوا لتقطيع سورية اربًا اربًا، وها هي تتمزق، لن يفعلوا ذلك بتركيا التي فعلت بسورية ما فعلته.
الغرب لم يعد ينظر الى "اسرائيل" لؤلؤة الشرق الأوسط، بل "سيدة الشرق الأوسط". هل يتناهى اليكم هدير الطائرات. أنين المحطمين لا يصل الى السماء!!
يتم قراءة الآن
-
من هو الشريك المسيحي الذي يراهن عليه في لبنان؟ جنبلاط صاحب قرار "الحرب والسلم" في الجبل... يختار المصالحة وشريكه فيها
-
سورية تتعرّى من عظامها
-
استنفار أمني وسياسي «لنأي» لبنان عن الفتنة السورية تبريرات اسرائيلية مقلقة لعدوانها...هل تمهّد للتصعيد؟
-
هل وقعت السويداء في فخ الخريطة الجديدة؟ قراءة في أبعاد التدخل الإسرائيلي
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:31
الرئاسة السورية: الجهات المختصة تعمل لإرسال قوة لفض الاشتباك وحل النزاع بالسويداء بالتوازي مع إجراءات سياسية.
-
23:31
الرئاسة السورية: الهجوم على العائلات الآمنة والتعدي على كرامة الناس أمر مدان ومرفوض ولن يقبل بأي ذريعة.
-
23:30
الرئاسة السورية: لا نقابل الفوضى بالفوضى بل نحمي القانون بالقانون ونرد على التعدي بالعدالة، وسوريا دولة لكل أبنائها بمختلف انتماءاتهم ومكوناتهم من الطائفة الدرزية والبدو على حد سواء.
-
23:30
الرئاسة السورية: ندعو كل الأطراف لضبط النفس وتغليب صوت العقل ونؤكد بذل جهود لإيقاف الاقتتال وضبط الانتهاكات.
-
23:29
الرئاسة السورية: الأحداث المؤسفة بالجنوب سببها اتخاذ مجموعات خارجة عن القانون السلاح وسيلة لفرض أمر واقع، وننطلق في موقفنا من أحداث الجنوب السوري من الحرص على السلم الأهلي لا منطق الانتقام.
-
23:22
شعبة "المعلومات" أوقفت السجين الثالث بين السجناء الـ 9 الفارين من سجن درك النبطية في جنوب لبنان.
