اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

مستقبل الرئيس السوري أحمد الشرع مثل «المسافر الذي يمضي بسيارته إلى المطار، ويودعها في موقف السيارات ويغادر البلد، ولكن لا يعود إطلاقا»... هكذا كان توصيف صديق لبناني الأصل وأميركي الجنسية، وقريب من جهات نافذة في الإدارة الأميركية. وما يرمي إليه أن الإدارة الأميركية تنتظر من الرئيس الشرع تنفيذ ما وعد به، ومن ثم تستبدله بآخر يناسب الوضع.

لكن ماذا عن إشادة المبعوث الأميركي توم باراك بالرئيس السوري أحمد الشرع وإنجازاته؟ فكان جواب الصديق اللبناني الأميركي « قد يضمر المبعوث توم باراك شيئا غير الذي يوحي به». فهو يضمّن كلامه مضامين متناقضة، تارة يتكلم بلغة المبعوثة السابقة الصارمة أورتاغوس، وتارة أخرى بلهجة ملطفة، وبالتأكيد ينبغي سبر مواقفه.

فهو صديق للرئيس ترامب يلعب «الغولف» معه. وهو أيضا يتأثر كثيرا برئيس جهاز المخابرات الإماراتية الشيخ طحنون بن زايد، والأخير لا يرتاح لموقف دولة قطر، التي تدعم «الاخوان المسلمين» والرئيس أحمد الشرع في سورية، ويسعى إلى تغيير المعادلة لدولة تحتضن كل المكونات. وهذه ناحية تحبذها واشنطن.

لا شك في أن أحداث السويداء، فتحت الباب واسعا على تنافس تركي – «اسرائيلي» في سورية. فتركيا التي كانت تعتبر نفسها أنها صاحبة اليد الطولى في «سورية الجديدة»، وجدت لها منافسا يريد محاصصتها في الدولة وفي المكونات، ويريد إقصاء الجيش السوري وسلاحه الثقيل عن مناطق كثيرة، بما فيها محافظة درعا. كما لا يطمئن إلى التيار الديني المتطرف السلفي، بعد تجربته مع حماس في غزة. فكيف إذا توافرت لهذا التيار أسلحة صاروخية قريبة من الحدود وبدعم تركيا. فالتجربة الايرانية الصاروخية أربكت الحسابات «الاسرائيلية» مع ايران البعيدة مئات الكيلومترات، فكيف مع سورية القريبة؟

والملاحظ أن «اسرائيل» تحت حجة دعم «المكون» الدرزي في السويداء، استخدمت طيرانها الحربي لقصف مبنى هيئة الأركان، وبالقرب من القصر الجمهوري، وقطعت أي اتصال وتواصل مع الدولة السورية.علما بأنه سبق ذلك مفاوضات سورية – «اسرائيلية» برعاية أميركية لانضمام سورية إلى «الحلف الابراهيمي»، الذي أشار إليه المبعوث الأميركي في كلامه عن متغيرات جديدة آتية في منطقة الشرق الأوسط.

وفي التقديرات، أن تركيا لن تذهب إلى مواجهة عسكرية مع «اسرائيل» في سورية، فهي تحبذ مفاوضات تركية – «اسرائيلية» ترسم مناطق النفوذ. والأرجح أن واشنطن تجد في الخلاف التركي – «الاسرائيلي» على سورية معطيات تعزز دورها، وتضعف اللاعبين الاقليميين أنقرة و «تل أبيب». ذلك أنه إلى الآن لا تتكلم الإدارة الأميركية علنا على مشاريعها في النفط والغاز السوريين، ولا على حصص شركاتها في «إعادة البناء»، ولا على حضورها كفاعل رئيسي في سورية ما بعد الرئيس الشرع، ولا على وضع يدها على مصادر المياه.

فما تصرح به واشنطن هو عن إقصاء ايران عن سورية ولبنان، فيما طهران تراقب المتغيرات من خلال «قراءة جديدة» في ضوء الحرب «الاسرائيلية»- الايرانية. ذلك أن طهران تجد أن «اسرائيل «عجزت في حربها على غزة ولبنان واليمن وايران، عن تحقيق التوسع الجغرافي وتغيير خريطة الشرق الأوسط ، وأن ايران وضعت حدودا لسياسة التوسع «الاسرائيلية»، عبر سياسة الردع التي اتبعتها، والتي تعززها حاليا.

وفي الحسابات الايرانية، عجز رئيس الحكومة «الاسرائيلية» نتنياهو عن استدراج الرئيس الأميركي السابق بايدن إلى حرب أميركية على لبنان، كما عجز مع الرئيس الحالي ترامب. ما حققه نتنياهو هو المزيد من الأعداء «لاسرائيل». فلم يعد الفلسطينيون في الضفة وغزة والشتات ومن الداخل «الاسرائيلي» وحدهم أعداء «اسرائيل»، إذ إن سياسات نتنياهو العدوانية أضافت لبنان وسورية والعراق والأردن واليمن وايران وحتى تركيا. وهي سياسات معيقة للتطبيع مع الشعوب العربية، كما تعمق الانقسامات «الاسرائيلية» الداخلية الكثيرة، وتثير مخاوف أكبر دولة عربية وجيشها أي مصر، ولا تطمئن دول الخليج في مساعيها لإنجاز حل الدولتين، ووقف الحرب على غزة.

ختاما سياسة التأني وعدم التسرع التي يتبعها الرئيس اللبناني العماد جوزاف عون، تثبت صحتها. فهو كما تصفه مصادر أميركية «منكفئ وإنما متمكن». والقصد من ذلك أنه لا يستجيب للدعوات الغربية، من موضوع سلاح حزب الله واستخدام القوة العسكرية، لأنه يعطي الأولوية لوحدة اللبنانيين، ويدرك مخاطر السياسات التوسعية «الاسرائيلية» وحدود الضمانات الأميركية.

وبهذا المعنى فإن الرئيس عون متمكن، ويأخذ سيد البيت الأبيض ترامب ذلك في الاعتبار. فلبنان من دون سلاح وضمانات فعلية ، سيكرر تجربة سورية الجديدة مع «اسرائيل»، وهذا ما يتلافاه الرئيس اللبناني.

الأكثر قراءة

إسرائيل تسعى الى منطقة عازلة من حاصبيا الى السويداء ودرعا جبل الشيخ والجولان سيتحوّلان الى نقاط استثمارات دوليّة واشنطن والرياض تسعيان لانقلاب أبيض يُغيّر موازين القوى في لبنان