بعد ستة عقود من حكم البعث، وهو حزب قومي، ثوري، راديكالي، أنشئ من أجل احداث تغيير فلسفي في البنية السوسولوجية لما يدعى "الأمة العربية"، نجد أن سوريا ما زالت مستودع الطوائف والقبائل والاثنيات. هذا ما يظهر سقوط كل تجاربنا الثورية، لنبدو أننا ما زلنا نقيم على تخوم القرون الوسطى.
وكان الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي، الذي دفن حياً لتشكيكه في الهولوكوست (المحرقة)، قد استغرب أثناء حديث أجريته معه لدى زيارته بيروت، كيف أن "اسرائيل" التي تجثم فوق صدورنا، بل وفوق جثننا، بل وفوق قبورنا، لم تحدث أي هزة في الضمير السياسي وفي الضمير الاجتماعي لدولنا، حتى ولو كانت هذه الدول تستشعر الخوف على وجودها.
أدمغتنا الرثة تبحث عن البديل في ذلك الاسلام، الذي يعود بنا الى زمن البداوة (ومتى بارحنا زمن البداوة؟ ربما ما قبل البداوة). وكان الأزهر، كمرجعية فذة قبل أن يماشي تلك الموجة السوداء والمدمرة ـ حتى أن أحد الاساتذة فيه قال لي "لسوف تلتقي هنا الكثير من رؤوس الديناصورات على الأكتاف" ـ أطلق تلك الفتوى ذات الدلالات المؤثرة "احذروا فقه البادية"!
ولكن هل كان فقه بعض منظري المدن، أفضل حالاً من منظري الصحارى ؟ لنقرأ ما كتبه حسن البنا وسيد قطب وحتى علي الطنطاوي، الذي رأى "انني أشعر بالأخوة مع المسلم الباكستاني أكثر من جاري النصراني"، وغيرهم وغيرهم، ممن حاولوا الترويج للنظام الاسلامي وللدولة الاسلامية، مع أن الاسلام، وكما قال المفكر النمساوي ليوبولد فايس، الذي اعتنق الاسلام بالرغم من انتمائه الى أسرة من "الحاخامات" دين كوني، كما أن القرآن لم يقل بنظام اسلامي أو بدولة اسلامية، على شاكلة "التوراة" ككتاب ايديولوجي، دعا الى اقامة "مملكة يهوه". وهذا ما أبلغه الى صديقه محمد علي جناح، مؤسس باكستان، والى محمد اقبال الفيلسوف والشاعر الباكستاني أيضاً.
ما رأيناه من مذابح في الساحل، وما رأيناه من انتهاكات في السويداء، وحتى في مناطق أخرى، هو المثال على نوع السلطة الآن في سوريا. سوريا المركبة التي كادت أن تتحول الى "نمر غرب آسيا"، والتي انتجت تلك المجموعة من المبدعين في الأدب والشعر والفلسفة، ناهيك عن الاخراج والأداء الرائع في القطاع الدرامي.
نعرف أن الدولة في سوريا وبالحدود الراهنة، شأنها شأن لبنان وشأن العراق، وبالرغم من كل الكتابات والأقوال الشوفينية، ليست صناعة التاريخ، ولا نتاج جدلية الأزمنة، وانما ولدت على يد البريطاني مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو، وتبعاً لمصالح كل من الأمبراطوريتين آنذاك. دول مركبة تحتاج الى أنظمة برؤية بعيدة المدى لبناء دولة تفاعلية، وقابلة للحياة لا للانفجار. لكننا ما لبثنا أن شاهدنا تقلبات فوضوية، وغالباً عشوائية ودموية في سوريا والعراق، ليكون لبنان، وفي ظل ميثاق وطني، بصياغة اشبه ما تكون الى العتابا والميجانا، ضحية الأزمات والتسويات، لينتهي الى المأزق الراهن وهو مأزق وجودي، اذا لاحظنا مدى الحساسية التي تفرق بين الطوائف، والتي يتولى تأجيجها ذلك الصنف الرديء من قادة الطوائف، الذين احترفوا تسويق الاثارة الغرائزية للبقاء على عروشهم، ودون الاكتراث بالظاهرة اللبنانية، كمثال خلاق للتفاعل بين الأديان وبين الثقافات.
شئنا أم أبينا، سوريا هي مسارنا ومصيرنا، ما دامت دولتنا قامت على شعار "قوة لبنان في ضعفه". أركان السلطة الجديدة وكذلك الوسائط الاعلامية، تصف ما حدث، وبالطريقة التقليدية اياها، بـ "الثورة"، مع أن ذلك وفقاً للسيناريو الخاص باطلاق وادارة عملية التغيير. الأميركيون والأتراك والروس، وبطبيعة الحال بشراكة "اسرائيلية"، دون أن ندري اذا كان هناك دور لأي دولة عربية، سوى التمويل.
ثورة؟ بعد انقضاء أكثر من 7 أشهر على الزلزال الذي غيّر مسار الشرق الأوسط (وانها سوريا)، لم تظهر، ولا نتوقع تظهر، لا الهوية السياسية ولا الهوية الاستراتيجية للدولة السورية سوى الهوية الطائفية، وهي الهوية القاتلة للدولة، وسوى اللحى المسننة على خطى السلف "السلف الصالح". نستذكر حين قيل للرئيس الراحل انك تحكم سوريا بمنطق الطائفة لا بمنطق الدولة، أجاب "حتى سوريا لا تتسع لي حتى تتسع الطائفة"؟
ما من مرة كان الاسلام هو الاسلام منذ وفاة الرسول العربي. أي خلافة بعد الخلفاء الراشدين، لم تقم على قطع الرؤوس، وعلى اقتناء الجواري، حتى من الغلمان، باعتبار أنهن البديل الآني عن الحوريات اللواتي هن قيد الانتظار في الجنة. قتل المسلمين للمسلمين كان ولا يزال، أكثر بكثير من قتل غير المسلمين. هذا الذي يحدث الآن في سوريا، وتحت وصاية ذلك الكوكتيل العجيب الذي لا بد أن يصل الى لحظة الصراع، صراع المصالح أو الصراع الجيوسياسي. اذ ماذا يجمع بين المصالح الأميركية والمصالح القطرية؟ أو بين المصالح التركية والمصالح السعودية؟ أو بين المصالح "الاسرائيلية" ومصالح كل هؤلاء الأفرقاء؟
ما يسري على سوريا، يسري تلقائياً على لبنان. هكذا قال توم باراك. المهم ما يقوله بنيامين نتنياهو الواثق من أنه على بعد خطوات من اقامة "أمبراطورية يهوه". ما النتيجة؟ "يهوه"... الهاً للعرب!!
يتم قراءة الآن
-
إسرائيل تسعى الى منطقة عازلة من حاصبيا الى السويداء ودرعا جبل الشيخ والجولان سيتحوّلان الى نقاط استثمارات دوليّة واشنطن والرياض تسعيان لانقلاب أبيض يُغيّر موازين القوى في لبنان
-
انه السقوط الأخير للشرق الأوسط
-
باراك يلعب «الغولف» مع ترامب و«يُصغي» الى الشيخ طحنون بن زايد
-
هل تنعكس أحداث السويداء على الوضع الدرزي اللبناني؟ الصراع ليس بين الموحّدين والسُنة... ومٌصالحة الجبل ثابتة
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:09
هيئة البث "الإسرائيلية": ألفا درزي يخدمون بالجيش والأمن "الإسرائيلي" يعربون عن استعدادهم للقتال مع دروز السويداء.
-
23:08
السفارة الأميركية في دمشق: المبعوث الأميركي توم براك التقى مظلوم عبدي وبحث معه الحاجة لخطوات عاجلة لاستعادة الاستقرار في سوريا.
-
23:07
وزير الطوارئ وإدارة الكوارث السوري: تجهيز معبرين في بصرى الحرير وبصرى الشام لإجلاء العائلات من مناطق التوتر، وتجهيز قافلة لإجلاء العائلات من مدينة شهبا بالسويداء.
-
23:06
الرئاسة الروحية للدروز في سوريا: نطالب الدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار بتحمل مسؤوليتها في حماية المدنيين.
-
22:30
مدفعية جيش الاحتلال "الإسرائيلي" استهدفت بقذيفتين أطراف بلدة علما الشعب في جنوب لبنان.
-
21:53
مدفعية الاحتلال "الاسرائيلي" استهدفت منطقة "المحافر" في اطراف بلدة عيترون في جنوب لبنان بالقذائف الحارقة وأشعلت حريقاً.
