اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


مرّ على لبنان زمن جميل، كانت الاخلاق مسيطرة، والمناقبية ميزة المؤسسات.

تغيرت الامور، وبتنا في أجواء يسيطر عليها الخارج والاحزاب وبعض المرجعيات واصحاب النفوذ، مع انعدام الخبرة وتقنية معالجة الامور بذكاء وحنكة. ويكفي ان نستعرض اسماء المسؤولين ايام زمان واسماء المسؤولين الحاليين حتى نرى الفرق. منذ عدة سنوات قبل وفاة احد كبار الادباء، وفي مقابلة على إذاعة صوت لبنان سألته الاعلامية: استاذ جورج شو رأيك بمستوى اللغة العربية؟. فأجابها: مستوى اللغة اللغة؟ قديمًا كان البستاني والمنذر وعبد الساتر يعلمون اللغة العربية واليوم زوجتي يولا تعلمها. فشو رأيك بمستوى اللغة العربية؟

ونعود الى الزمن الجميل. بحكم تدرجي في مكتب النائب المحامي المرحوم اوغست باخوس، وتعاوني اللاحق معه لمدة اربعين سنة، وحضوري اليومي منذ الصباح الباكر الى المكتب الكائن في الطابقين الاول والثاني من البناء الذي يقيم فيه في الوقت عينه، كنت ارى زوجته "تانت ناديا" تصعد في السيارة بونجور تانت ناديا – فتجيب: بونجور حبيبي.

وبعد عدة سنوات، وفي جلسة مسائية مع الاستاذ أوغست قال لي بصوته الجَهْوَري: الله يساعدني على ناديا. على الرغم من كبر عمرها ومرضها وتعبها، تصر على الذهاب كل يوم اثنين وكل يوم خميس الى دار العجزة في المنصورية مع مجموعة من النساء ومنهن الشيخة جنفياف الجميل (ارملة الشيخ بيار)، ويقمن بالتنظيف والتعزيل. ويطعمن النساء المسنات ويحممهن.

فوجئت بما قاله لي الاستاذ باخوس وانا الذي كنت اعتقد انها تذهب للتسوق: لا تصوير، ولا كاميرات "ولا تربيح جميلة"، ولا حركات بلا طعمة. هذا هو الزمن الجميل.

ويأتيك ايضًا من يتكلم على التكنولوجيا والتقدم ووجوب التغيير. وكأن من هم اكبر منهم سنًا واكثر حكمة وخبرة باتوا من الزمن الغابر والبائد. وكأن التكنولوجيا هي في السفر المتكرر وتنظيم الرحلات وتنظيم العقود. وإذا وقعوا في مشكلة بسبب تنفيذ العقد يركضون نحو المحامين الذين يجيدون كتابة الشكاوى والاستحضارات وخصوصا كتابة التمييز وإيجاد الأسباب التمييزية. وبالتالي اذا لم تذهب الى دبي او قطر، فأنت متخلف (تماما كما كان يحصل ايام باريس) واذا لم تكن تجيد تنظيم عقد Fidus، فأنت لست مهما.

ليتنا نعود الى الزمن الجميل، زمن الاخلاق والحكمة واحترام الآخرين، والمبادئ الثابتة في التعامل، بعيدًا عن التصنع والمحاصصة والنفاق.

                                             *نقيب المحامين السابق في بيروت

 

الأكثر قراءة

برّاك «يُناور» ويُدير «لعبة» تمرير الوقت؟ لا ضمانات تكبح «اسرائيل»... و«العين» على لقاء بري مخاوف امنية من «خاصرة رخوة» في الشمال!