بحثت المحكمة الابتدائية في جبل لبنان – الغرفة السابعة المؤلفة من القضاة الرئيسة نسرين علوية والعضوين محمود الحافي وفيروز البحري عدة نقاط قانونية مهمة تتعلق بالاهلية، وبوصف الوكالة اذا كانت قابلة للعزل او غير قابلة للعزل. فاعتبرت ان الوصف الحقيقي للوكالة يُعطى انطلاقا من مضمونها وليس من الصفة التي يعطيها الموكل.
وبعد استعراض عدد من الحجج، اعتبرت المحكمة ان الوكالة هي عادية مع النتائج القانونية المترتبة على ذلك.
ومما جاء في الحكم الصادر بتاريخ 24/6/2025:
(مع الشكر للزميل الاستاذ الياس بركات الذي ارسله إليّ)
ثالثا: في الاساس
حيث ان ما يطرحه اساس النزاع في الدعوى الراهنة يتمحور حول التوصيف الفعلي والحقيقي للوكالة المنظمة من قبل المرحوم م. لمصلحة المدعى عليه م. بالرقم 656/1988 بتاريخ 19/4/1988 تمهيدا لمعرفة ما اذا كانت وكالة عادية او وكالة غير قابلة للعزل او تشكل عملا آخر، واثر ذلك في الوكالة المنظمة من قبل المدعى عليها المذكورة لمصلحة المدعى عليه ج. رقم 12605/2011 تاريخ 9/6/2011.
وحيث انه يتبين من العودة الى مضمون الوكالة المذكورة وسائر اوراق الدعوى الراهنة الآتي:
ان المرحوم م. نظم بتاريخ 19/4/1988 وكالة لمصلحة زوجته المدعى عليها تضمنت توكيل هذه الاخيرة ببيع وفراغ وتسجيل كامل /1200/ سهم من العقار رقم 2362/عمشيت لاي كان من الناس بما فيه اقرب الاشخاص اليها وبالثمن المناسب وقبض الثمن والاقرار بالقبض والتوقيع نيابة عنه على جميع الاوراق والمعاملات والمستندات اللازمة توصلا الى التسجيل النهائي على اسم المشتري، مبرئا ذمة الوكيل (اي ذمة المدعى عليها) ابراء عاما شاملا نهائيا لا رجوع عنه، بحيث تصبح بذلك الوكالة غير قابلة للعزل لتعلق حق الغير بها، مع حق التوكيل...ومع حق طلب وضع اشارة التوكيل على الصحيفة العقارية للعقار موضوع التوكيل عندما يشاء ويرغب الوكيل حفاظا على حقوقه، محتفظا الموكل لنفسه بحق استثمار كامل حصته طالما بقي على قيد الحياة، وبحيث يسقط هذا الحق بوفاته ويعود للمالكين.
ان المرحوم م. كان قد توفاه الله بتاريخ 5/9/1988، بحيث انحصر إرثه بوالدته وزوجته المدعى عليها واولاده وهم ج. وج. مورث الجهة المدعية والمدعى عليها ج. وج. والمتدخل ج.، وج.
ان المدعى عليها اقدمت بتاريخ 9/6/2011 على تنظيم سند توكيل بيع عقاري غير قابل للعزل رقم 12605/2011 لدى دائرة الكاتبة العدل في جبيل فيرا داود لمصلحة المدعى عليه الاخر، بوكالتها عن زوجها المرحوم م. المشار اليه سابقا، بشأن كامل /1200/ سهم في العقار رقم 2362/عمشيت، محتفظة لنفسها بحق السكن في البناء القائم على العقار المذكور طول مدة حياتها بحيث يسقط هذا الحق بوفاتها.
ان مورث الجهة المدعية المرحوم ج. نظم بتاريخ 16/6/2011 اقرارًا بإشغال على سبيل التسامح بشأن الطابق الاول من البناء القائم في الجهة الشرقية على العقار رقم 2362/عمشيت، متعهدا بصورة غير قابلة للرجوع عنها بإخلاء الطابق المذكور وتسليمه الى مالكه شقيقه المدعى عليه ج. شاغرا وخاليا من اي شاغل.
انه صدر عن لجنة التحقيق الصحي التابعة للجيش اللبناني – وزارة الدفاع الوطني محضر لجنة التحقيق الصحي الاولى بالرقم 1879 بتاريخ 22/2/1988 يفيد ان مورث الجهة المدعية ج. اصيب بتاريخ 30/8/1983 بشظايا عديدة في جميع انحاء جسمه، وقد تقرر اعتباره غير صالح للخدمة العسكرية تبعا لدرجة التعطيل لديه البالغة 75% بصورة نهائية، فيما يتبين من إفادة صادرة عن الدكتور حنا تاريخ 18/2/2024 ان المرحوم ج. يعاني من مشاكل في التصرف والذاكرة والتركيز.
وحيث تقتضي الاشارة، من جهة اولى، الى انه ولجهة ما اثارته الجهة المدعية لناحية ان مورثها ج. لا يعرف مضمون اقرار بإشغال على سبيل التسامح المنظم منه بتاريخ 16/6/2011 لانه كان قبل وفاته فاقد الارادة والادراك ويعاني من مشاكل في التصرف والذاكرة والتركيز وفق ما ثبتته التقارير التي ابرزتها في هذا الشأن، فإن تقرير لجنة التحقيق الصحي التابعة للجيش اللبناني لم يتطرق الى مسألة الاهلية او القدرات العقلية، فيما ان التقرير المتعلق بمعاناة المرحوم ج. من مشاكل في التصرف والذاكرة والتركيز يعود الى تاريخ 18/2/2014 ولم تثبت معاناة هذا الاخير من مشاكل في الفترة السابقة لتنظيمه بتاريخ 16/6/2011، علما ان المرحوم ج. كان يقاضي ويتقاضى بصورة شخصية امام المحاكم باعتباره متمتعا بالاهلية، وقد اقام الدعوى الراهنة في الاصل بصورة شخصية بوجه الجهة المدعى عليها، الامر الذي يقتضي معه رد ما يدلى به خلافا لهذه الجهة.
وحيث انه، ومن جهة ثانية، يقتضي على ضوء واقعات الدعوى الراهنة إعطاء الوصف القانوني الصحيح للوكالة رقم 656/1988 موضوع النزاع الراهن ذلك ان المادة 370 أ.م.م. اوجبت على القاضي ان يعطي الوصف القانوني الصحيح للوقائع والاعمال المتنازع فيها دون التقيد بالوصف المعطى لها من الخصوم.
وحيث ان الوصف الحقيقي للوكالة فيما اذا كانت قابلة للعزل او غير قابلة للعزل يعطى انطلاقا من مضمونها وليس من الصفة التي يعطيها الموكل.
وحيث ان الوكالة في الاصل هي عمل منفرد الطرف بطبيعته وقابل للرجوع عنه بمشيئة الموكل وحدها، ولا تتحول الى عمل ثنائي غير قابل للعزل او للرجوع عنه إلا متى توافر شرطان متلازمان:
الاولى: هو تعيين الموكل للمستفيد من الوكالة بشكل كاف وواضح سواء اكان الوكيل نفسه او شخصا ثالثا، او الاشارة الى عمل قانوني غير الوكالة يكون بعينه غير قابل للعدول او للرجوع عنه، والثاني ان يقوم الموكل بتدوين إقراره بالقبض او الابراء في متن الوكالة مع ذكر موضوع العمل الذي ترمي اليه.
وحيث انه في حال إنعقاد الوكالة لمصلحة شخص آخر غير الوكيل، فعندئذ يقتضي تحديد الشخص المذكور في سند التوكيل وذلك في سبيل اخذ موافقته على الرجوع عن التوكيل، الامر الذي يستتبع القول ان تحديد الغير يبقى الزاميا في حال تنظيم سند توكيل لمصلحته، هذا مع العلم ان الوكيل لا يمكن اعتباره من الغير طالما انه طرف في عقد الوكالة وان اعطته الحق في بيع العقار لمن يشاء.
(يراجع استئناسًا:
محكمة التمييز المدنية، الغرفة التاسعة، قرار رقم 29 تاريخ 17/4/2014 قرار غير منشورة.
محكمة استئناف جبل لبنان المدنية، قرار تاريخ 11/1/2007، المصنف السنوي في القضايا المدنية، اجتهادات 2007، ص 252)
وحيث يتبين من العودة الى مضمون الوكالة رقم 656/1988 موضوع الدعوى الراهنة انها تضمنت تخويل الوكيل (المدعى عليها) بيع /1200/ سهما من العقار رقم 2362/عمشيت ممن يشار وبالثمن المناسب وقبض الثمن والاقرار بالقبض والتوقيع نيابة عن الموكل توصلا الى التسجيل النهائي على اسم المشتري، وإبراء لذمة الوكيل (اي لذمة المدعى عليها المنظمة الوكالة لمصلحتها) إبراء عاما شاملا نهائيا لا رجوع عنه، بحيث وبهذا تصبح بذلك الوكالة غير قابلة للعزل لتعلق حق الغير بها، مع حق التوكيل وعزل من يوكل.
وحيث يستخلص من ناحية اولى ان الوكالة المشار اليها اعلاه اجارت للوكيل نقل الملكية على اسم مشتري العقار موضوعها دون تحديد لهذا الاخير، فيما وردت فيها عبارة انها تصبح غير قابلة للعزل لتعلق حق الغير بها دون تحديد كذلك لاسم هذا الغير او صفته، مع حق الوكيل بالتوكيل ووضع اشارة التوكيل على الصحيفة العينية للعقار موضوع التوكيل عندما يشاء ويرغب حفاظا على حقوقه اي على حقوق الغير مشتري العقار غير المحددة هويته في متن الوكالة.
وحيث انه ومن ناحية ثانية، ولجهة ما ورد من عبارة مكتوبة في الوكالة لجهة احتفاظ الموكل بحق استثمار كامل حصته طالما بقي على قيد الحياة، وعلى ان يسقط هذا الحق بوفاته ويعود للمالكين، فإن ذلك يؤشر على كون المستفيدين من الوكالة لم يكونوا محددين وقت تنظيم الوكالة.
وحيث ان ما يؤيد ما تقدم وان الوكالة لم تعقد في مصلحة الوكيل (المدعى عليها) هو ما اوردته المدعى عليها نفسها في سياق افادتها الناجمة عن الاستجواب الذي جرى امام هذه المحكمة حين افادت انه لعل الموكل قصد بالغير احد الاولاد، وحين اجابت عن سؤال ما اذا كان سبب عدم حصر حق الاستثمار بها بعد وفاة البائع وذكر عبارة يعود للمالكين وما اذا كان يعني الاولاد لاحقا بـ "لازم".
وحيث انه وان كانت الوكالة رقم 656/1988 قد تضمنت ابراء الموكل لذمة الوكيل ،إلا ان عبارة الابراء لا تكفي وحدها لاعتبار الوكالة غير قابلة للعزل.
وحيث وطالما انه لم يتبين من مضمون الوكالة المذكورة انها منعقدة لمصلحة الوكيل، كما لم يتبين منها انها منعقدة في مصلحة شخص ثالث محدد بصورة واضحة لا لبس فيها، فتكون الوكالة رقم 656/1988 المنظمة من قبل المرحوم م. لمصلحة المدعى عليها وكالة عادية لا غير قابلة للعزل، مع ما يترتب على ذلك من نتائج.
وحيث انه سندا لاحكام المادة 808 م.ع. تنتهي الوكالة في حالات عديدة منها وفاة الموكل او الوكيل (البند خامسا من المادة المذكورة) فيما نصت المادة 818 م.ع. على ان موت الوكيل يسقط وكالة الوكيل الاصلي ووكالة وكيله فيما خلا حالتي كون الوكالة معطاة في مصلحة الوكيل او مصلحة شخص ثالث، ومتى كان موضوع الوكالة عملا يزاد اتمامه بعد وفاة الموكل بحيث يصبح الوكيل عندئذ في مقام منفذ الوصية.
وحيث طالما لم يثبت، وفق ما سبقت الاشارة اليه، كون الوكالة رقم 656/1988 قد اعطيت في مصلحة الوكيل او في مصلحة شخصٍ ثالث، كما لم يتبين من مضمونها ما يفيد كون موضوعها عملا يراد إتمامه بعد وفاة الموكل، فتكون الوكالة المشار اليها والحال هذه وكالة عادية انتهت بمفاعيلها كافة بوفاة الموكل بتاريخ 5/9/1988.
وحيث انه وبإنقضاء الوكالة رقم 656/1988 تاريخ 19/4/1988 المنظمة من مورث الجهة المدعية المرحوم م. لصالح المدعى عليها، سندا لاحكام المادة 808 م.ع. تكون بالتالي الوكالة رقم 12605/2011 المنظمة بالاستناد الى الوكالة المذكورة اعلاه من المدعى عليها لمصالحة المدعى عليه ساقطة لكونها قد بنيت على وكالة سقطت بوفاة الموكل منذ تاريخ 5/9/1988، اذ ان ما بني على باطل فهو باطل.
وحيث انه يقتضي وفق مجمل ما تقدم قبول الدعوى الراهنة في الاساس، واعتبار الوكالتين موضوع الدعوى الراهنة ساقطتين.
وحيث بالوصول الى هذه النتيجة يقتضي رد سائر الطلبات إما لعدم جدوى التطرق اليها في ظل النتيجة التي تم التوصل اليها وإما لانها لقيت في ما سلق جوابا ضمنيا.
لذلك
فإنها تحكم بالاجماع:
اولا: بقبول طلب التدخل المقدم من قبل المدعو ج. شكلا.
ثانيا: برد الدفع بمرور الزمن لعدم صحته.
ثالثا: بقبول الدعوى في الاساس وبإعلان سقوط الوكالة رقم 656/1988 تاريخ 19/4/1988 المنظمة لدى دائرة الكاتب العدل في جبيل بيار، وبالتالي سقوط الوكالة المنظمة لدى دائرة الكاتبة العدل في جبيل فيرا بالرقم 12605/2011 تاريخ 9/6/2011، بعد قبول طلب التدخل اساسا.
رابعا: بشطب اشارة الدعوى الراهنة عن حصته م. في العقار رقم 2362/عمشيت فورصيرورة الحكم قطعياً.
خامسا: برد سائر المطالب الزائدة او المخالفة.
سادسا: بتضمين المدعى عليهما بالتكافل والتضامن في ما بينهما النفقات القانونية كافة.
حكما صدر وافهم علناً في جديدة المتن بتاريخ 24/6/2025.
نقيب المحامين السابق في بيروت
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:21
مسؤولة الخارجية في الاتحاد الأوروبي: قرار "إسرائيل" مواصلة بناء المستوطنات بالضفة يشكل انتهاكا للقانون الدولي.
-
23:21
يديعوت أحرونوت: العثور على ضابط "إسرائيلي" منتحر شارك في القتال بقطاع غزة في الأسابيع الماضية.
-
23:20
وزير الخارجية الايراني: حزب الله مستقل يتخذ قراراته بنفسه ولا نية لدينا بالتدخل في شؤون لبنان، والسلام في المنطقة سيكون أقل استقرارا من دون سلاح المقاومة في لبنان.
-
22:51
مستشفيات غزة: 32 شهيدا بنيران جيش الاحتلال "الإسرائيلي" في مناطق عدة بالقطاع منذ فجر اليوم.
-
22:50
وزير الخارجية البريطاني: الوضع في غزة مروع وتصرفات الحكومة "الإسرائيلية" تزيد من تقويض حل الدولتين.
-
22:50
الخارجية الإماراتية: دولة الإمارات تدين بشدة التصريحات "الإسرائيلية" عن "إسرائيل الكبرى".
