بتنا ندرك ما يعنيه تغيير الشرق الأوسط في المفهوم الأميركي، وفي المفهوم الاسرائيلي. دول ميتة، سياسياً، وعسكرياً، وحتى مالياً، اذا ما علمنا أين ترتهن احتياطيات الدول الثرية، وما حال الدول الفقيرة والحليفة التي تقتات من الفتات الأميركي. نعلم ما حال الأردن. لكن مصر (أم الدنيا) هي المثال التراجيدي. ثاني أكبر دولة مدينة بعد الأرجنتين. واذ تقترب أكثر فأكثر من الانفجار، فقدت أي دور جيوسياسي، وهو الدور التاريخي، حتى في ليبيا، أو في السودان، أو في غزة.
الدولة ـ القهرمانة. لاحظوا كيف يتعامل الأميركيون مع جمهورية أحمد الشرع، على أنها جمهورية أفلاطون لا جمهورية هولاكو. لا بأس أن يذبح العلويين وأن يذبح الدروز، ليكتفي بتفجير كنيسة للمسيحيين خشية ردة الفعل الأميركية أو الأوروبية، كدمية على عرش سوريا التي طالما قلنا أنها أعطت روما 7 أباطرة، وأن زنوبيا دقت، بقدميها، على باب القيصر.
لا قضية الآن أمام الأمبراطورية الأميركية سوى صواريخ "حزب الله"، لا صواريخ كيم ايل ـ جونغ التي تتجول في شوارع لوس انجلس أو سان فرسيسكو، ولا التنين الذي قد تصل أسنانه الى وادي السيلكون، ولا الدين العام الذي يحذر رئيس مجلس الاحتياط الفديرالي من تحوله الى زلزال يمكن، في أي لحظة، أن يزعزع أركان الأمبراطورية.
كنا نتمنى على المسؤولين اللبنانيين، وهم يستقبلون توماس براك، كمبعوث الهي، أن يضعوا أمامه صور المذابح في الساحل السوري، وفي الجنوب السوري، وكذلك صور القاذفات، والقنابل، التي صنعت في أميركا، وهي تقتل الأطفال، بالبطون الخاوية، والطناجر الخاوية في غزة، بحثاً عن أي شيء يضعهم بين حافة الحياة وحافة الموت. أيها السيد براك، هل المنطق يقول بنزع سلاح "حزب الله" أم بنزع سلاح اسرائيل؟
لا شك أن الأميركيين الذي طالما فاخروا بأن أجهزة استخباراتهم تعرف من هن عشيقات ليونيد بريجنيف وماو تسي تونغ، تعلم، وفي ضوء الحرب الأخيرة، أن القرار الأخير للحزب هو الدفاع عن أرض لبنان، وأهل لبنان، لا خوض اي حرب، في ضوء الاختلال المروع في موازين القوى، وأن ايران التي انكفأت جيوسياسياً، ولم يعد لديها من هاجس سوى الدفاع عن أرضها، وان مع بعض النفوذ السياسي في المنطقة التي يحظر عليها الدخول، ولو على رؤوس الاصابع، الى العالم التكنولوجي، لتبقى على تخوم الغيب، وهي تخوم العدم...
لا شيء يقف أمام المشروع التوراتي، بمن في ذلك دونالد ترامب الذي يخشى تفجير العلاقة مع بنيامين نتنياهو (رغم التطابق في الرؤية، وفي الرؤيا)، ما دامت العلاقة بين أميركا واسرائيل تشكل "حالة ايديولوجية" أكثر منها حالة استراتيجية.
ما كان ينقص الرئيس السوري سوى أن يعلن الولاء لنتنياهو ما دام السيناريو الأميركي ـ التركي ـ الاسرائيلي يقضي بذلك. ولكن هل حقاً أن براك هو من أوحى له بارتكاب تلك الخطيئة المميتة، بغزو السويداء، دون أن يتنبه الى كون الجنوب السوري بات، بشكل أو بآخر، منطقة اسرائيلية. وكان الرد بالغارة على محيط القصر الرئاسي وعلى مبنى هيئة الأركان.
واذ لا يمكن لاسرائيل أن تقبل بسوريا الموحدة، والمستقرة، أو المزدهرة، كيف يمكن أن يتحقق ذلك في ظل نظام ثيوقراطي يسحق كل الأقليات الطائفية، والاثنية، وحتى النخب السنية التي ذهبت بعيدأ في تعاملها، وفي تفاعلها، مع مقتضيات الحداثة؟
يالتأكيد راينا قبائل وياجوج وهي تنقضّ على السويداء، وكيف دعت السلطة التي فرّ أفرادها أمام الغارات الاسرائيلية العشائر البدوية الى الهجوم على البلدات الدرزية، وكذلك على السويداء تحت راية الثأر، تماماً كما لو أننا في زمن الزير المهلهل. ولكن أليست السلطات السابقة، ومنذ الاستقلال، هي المسؤولة عن بقاء الثقافة القبلية، بكل مثالبها، هي السائدة في بعض المناطق السورية الحيوية؟
نتنياهو يريد أن يكون في قلب دمشق وحتى في قصر الشعب، بالسيطرة على الجنوب السوري (يسرائيل كاتس يذكّرنا بذلك يومياً، دون أن يكون باستطاعة أحد القول لرجب طيب اردوغان حين تكون اسرائيل في دمشق تكون في أنقرة)، ويريد أن يكون في قلب بيروت، بالاستيلاء على الجنوب اللبناني حال نزع سلاح "حزب الله". وهكذا فهمنا من براك أمس "لا ضمانات، ولا نستطيع أن نرغم اسرائيل على عدم فعل أي شيء". اذاً، الضوء الأخضر لتل أبيب للذهاب في جنونها الدموي الى أقصى الحدود. ولكن من تراه يدري الى أين يمكن أن يصل هذه الجنون ما دام يهوه ـ رب الجنود ـ هو الذي يقود المعركة.
هكذا يجد الحزب نفسه، بل يجد الشيعة انفسهم، بين سواطير أحمد الشرع وقاذفات بنيامين نتنياهو، بعدما لاحظنا أن المبعوث الأميركي الذي تحدث، بهدؤ، عن "حزب الله" كحزب سياسي، يرفع اللهجة اليوم ليؤكد على كونه منظمة ارهابية.
بالطبع هناك من يسأل الشيعة اذا كان المسلمون من أندونيسيا الى نيجيريا، واذا كان العرب من جبال مران في اليمن الى جبال الأطلس في المغرب، يمدون اليد الى الدولة العبرية، لماذا تصرون انتم على أن تكونوا وحدكم وقود القضية؟
هذه أيام كبرى، وتنذر بنكبات كبرى. لا مجال لأي رهان لا على تبدل الأحوال، ولا على تبدل المعادلات. لنفكر...
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:28
المتحدثة باسم البيت الأبيض: الرئيس ترامب يتمتع بعلاقة جيدة مع نتنياهو لكنه فوجئ بقصف سوريا والكنيسة في غزة، وهو يريد دخول المساعدات إلى غزة بطريقة آمنة، ووزير الخارجية ماركو روبيو تدخل بشأن سوريا لخفض التصعيد.
-
23:27
المتحدثة باسم البيت الأبيض: الرئيس ترامب يرى أن الحرب في غزة طالت وأن القتال أصبح أكثر دموية في الأيام الأخيرة، ويريد أن يتوقف القتال لبدء التفاوض لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن.
-
22:27
مواقع "إسرائيلية": إصابة عدد من الجنود في الحدث الأمني الثاني بقطاع غزة.
-
22:26
الجيش "الإسرائيلي": مقتل جندي وإصابة ضابط من لواء غولاني بجروح خطيرة خلال معارك في جنوب قطاع غزة.
-
22:24
حماس: نبذل جهدنا على مدار الساعة لإنهاء المعاناة المتفاقمة في غزة من خلال تحركنا المتواصل مع الوسطاء والمعنيين.
-
22:23
حماس: ماضون بمسؤولية في مشاوراتنا مع القوى الفلسطينية للوصول إلى اتفاق مشرف يفضي إلى وقف العدوان على غزة.
