اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


ما السبب الذي يجعل "اسرائيل" تشن الحرب على حزب الله، وهي التي تدرك مدى الاختلال في موازين القوى، بعدما أظهرت الحرب الأخيرة تأثير العامل التكنولوجي في تكريس ذلك الاختلال، ما لا يمكن للحزب، ولا لأي دولة عربية، أو أي دولة أخرى في المنطقة، تداركه ربما لعقود أو لقرون، اذا أخذنا بالاعتبار التعاون المتواصل بين الولايات المتحدة، التي تدخل أكثر فأكثر في حقبة ما بعد الزمن، و "اسرائيل" التي لا مجال للتشكيك في قدراتها التكنولوجية.

من كتبوا عن الغزاة، وبينهم نابليون بونابرت وأدولف هتلر، لاحظوا كيف تطفو بعض الظواهر الفرويدية على سطح التاريخ. هؤلاء غالباً ما تقودهم "ايديولوجيا القوة"، وهي الايديولوجيا المجنونة التي لا توجد بفعل العامل الديني أو العامل التاريخي، ولا حتى الضرورة الجغرافية، اذ ما واقعية، وما جدوى، أن تستولي فرنسا على روسيا، وكذلك ألمانيا .

في النظرة الفرويدية، بنيامين نتنياهو يعيش حالة الانتشاء التي عاشها هولاكو، بتحطيم عظام الآخرين، وعلى خطى ذلك "الماشيح" الذي ينتظره "اليهود"، وهو يختال بين الجماجم. نحن أمام رئيس الحكومة "الاسرائيلية" الذي يجمع في شخصه بين ايديولوجيا القوة (المجنونة)، والايديولوجيا الدينية (المجنونة أيضاً). لا مشكلة هنا في أن يتحول الشرق الأوسط الى أوقيانوس الدم، دون التفريق بين الصديق والعدو. ألم يضرب أحمد الشرع في رأسه، وهو الذي كاد يجثو بين يديه؟ المفارقة هنا أن كل الغزاة كانوا يعتمدون على قوة بلادهم الذاتية، أما نتنياهو فيعتمد على القوة الأميركية، وهذا ما يحمل المؤرخ "الاسرائيلي" آفي شلايم على القول "لكأنك تمتطي ظهر الشيطان"!

لننتظر من نتنياهو ما قد يكون أكثر بكثير، دون أن تكون هناك القوة التي تستطيع الوقوف في وجهه، حتى ان بريطانيا التي كان لها الدور الأكبر في ولادة الدولة اليهودية، لم تستطع اقناعها بوقف عمليات الابادة في غزة، وايصال المساعدات الغذائية الى الجوعى. صحيفة "الاندبندنت" قالت ما معناه "انهم حملة الطناجر لا حملة القنابل أيها السيد نتنياهو"...

أين أميركا هنا، ما دام توماس باراك قد حل في ديارنا؟ آراء مثيرة تتقارب وتتباعد، وأحياناً تتناقض. منها ما يقول ان للضغط الأميركي على الائتلاف اليميني حدوداً. دونالد ترامب الذي يواجه كل العالم، ويريد أن يقلب الدنيا رأساً على عقب من أجل "أميركا العظمى"، لا يستطيع الا أن يأخذ بالاعتبار التغلغل الأخطبوطي "للوبي اليهودي" في كل مراكز القرار دون استثناء. وثمة من يصف نتنياهو بـ"الصبي الأميركي" الذي ينفذ بدقة كل ما يبتغيه الرئيس الأميركي في الشرق الأوسط .

أليست الجمهورية الاسلامية هي التي رفعت ومنذ ولادتها عام 1979، شعار انهاء الوجود الأميركي، وحتى حلفاء أميركا في الشرق الأوسط، تزامناً مع شعار ازالة "اسرائيل" من الوجود. هنا المصلحة الأميركية ـ "الاسرائيلية" المشتركة في تحطيم القوة العسكرية لايران، ولكل حلفائها في المنطقة العربية. وهذا هو السيناريو الذي ينفذ الآن خطوة وراء خطوة، لنسأل بعد التصريحات النارية لبراك من السراي الحكومي، اذا كان مبعوث ترامب أم مبعوث نتنياهو الى لبنان؟

لكننا أمام واقع ضاغط لا يمكن تجاهله. ما حدث في سوريا، وهو حلقة من سيناريو مركب ومبرمج، أدى الى حدوث انقلاب دراماتيكي في المعادلات الاستراتيجية في المنطقة، وان كان هناك من يرى في التركيز على الحلقة السورية تركيز ساذج، اذ متى كان الأميركيون و "الاسرائيليون" يخافون من ايران، التي طالما استخدمت سياساتها وتهديداتها كذريعة لاشغال المنطقة، وتعبئة المواقف ضدها اقليمياً ودولياً. هنا يوجد من يقول ان النظام بالايديولوجيا الحديدية، أعطى الأولوية لبقائه على بقاء الدولة، حيث الاهتمام باصول ارتداء الحجاب أكثر حساسية من حماية الأمن الاستراتيجي للبلاد، لتظهر ابان الحرب خطورة الاختراقات "الاسرائيلية" والأميركية للأرض الايرانية، والتي بكل المعايير تفوق التصور .

لا الأميركيون ولا "الاسرائيليون"، يقبلون ظهور أي قوة في المنطقة التي يفترض أن تبقى داخل الاسلاك الشائكة. الدور التركي باق ما بقي في خدمة واشنطن و "تل أبيب". ما من مرة لاحظنا أن دونالد ترامب يتعامل انسانياً أو أخلاقياً مع البلدان العربية. بنيامين نتنياهو، وتبعاً للنص التوراتي (ما بالكم بالنص التلمودي وأهواله !) يسعى لتحويل كل شعوب المنطقة الى قطعان من الماعز. الأنظمة تتكفل بذلك على أفضل وجه .

حزب الله لا يستطيع الا أن يقول "لا" لأوراق توماس براك، التي هي أقرب ما تكون الى صكوك الاستسلام، وان كان واضحاً أن تصريحات المبعوث الأميركي من السراي الحكومي، التي بدا كما لو أنها تقفل كل الأبواب. كانت تصريحات تكتيكية، بانتظار اللقاء المركزي مع الرئيس بري، الذي تؤكد المعلومات أنه انطلق في محادثات الأمس المطولة، من قلقه الشديد على الطائفة الشيعية التي تواجه خطراً وجودياً بكل معنى الكلمة، مع ضرورة معاناة الطائفة من تخلخل بنيوي ناجم عن سنوات من فائض الفوضى، وهو ما تستغله حتى أطراف عربية، وبالتواطؤ مع قوى محلية، ترى ضرورة ازالة الشيعة من المعادلة الداخلية، الى حد وصف مسؤول عربي كبير للطائفة، التي هي الضحية الأولى للجنون "الاسرائيلي" منذ عام 1948 وحتى الآن، بكونها القنبلة الجاهزة لتفجير لبنان في أي لحظة، وتبعاً للمصلحة الايرانية .

ما فهمناه من اجتماع عين التينة أن حل مشكلة السلاح ليست بالمسألة المستحيلة، في اطار ضمانات حاسمة. باراك قال "تحلّوا بالأمل"، مؤكداً أن بلاده لن تتخلى عن لبنان. هل بوسعنا القول إن قلق الرئيس بري تراجع؟ بالتأكيد... 

الأكثر قراءة

إذا لم تضمن أميركا... من يمنع الحرب المقبلة؟ واشنطن تنسحب مالياً من اليونيفيل وفرنسا تتحرك للإنقاذ منصب مدعي عام جبل لبنان يعرقل التشكيلات القضائية؟