اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


قد يكون حزب الله ومعه رئيس مجلس النواب نبيه بري، الطرف الاكثر واقعية في التعامل مع المبعوث الاميركي توم براك. لم يكن "الثنائي" ينتظر اي شيء جديد من المبعوث الاميركي، الغارق في "الوحول" السورية، في ظل ارتفاع الاصوات في واشنطن من قبل مقربين من الرئيس دونالد ترامب لاقالته، بعد اخفاقه في ملف تلميع رئيس السلطة الانتقالية احمد الشرع. يبدو حزب الله بعد الجولة الثالثة اكثر ارتياحا، بعدما ثبت ان الوقت يعمل لصالح مقاربته للملف. ومن يراقب المناخات الاقليمية والدولية، يدرك ان التطورات وآخرها في سوريا، تعزز سرديته حول الاولويات اللبنانية التي تتقدم على كل ما عداها، والاهم من ذلك ان مقاربة الدولة الرسمية صارت اكثر قربا من موقفه، ان لم تكن متطابقة معها، وهو ما يفسر الهجمة الشعواء من قبل "خصوم" الحزب في الداخل على رئيس الجمهورية جوزاف عون، حيث انطلقت حملة اعلامية وسياسية منظمة ضده تشكك بمصداقيته وقدرته على الوفاء بالتزاماته.

هذا الارتياح لدى حزب الله، بحسب مصادر مقربة من الحزب، لا يرتبط بماهية الموقفين الاميركي و"الاسرائيلي"، فالحذر موجود دائما، ورفع مستوى الجهوزرية لم يتوقف يوما منذ اليوم الاول لاعلان وقف النار، لان رفع نسق العدوان "الاسرائيلي" مرجح كل يوم، وواشنطن تمنح بنيامين نتانياهو "ضوءا اخضر" يتيح له التصرف "ببلطجة" دون حدود في لبنان، وما يجري كذلك في سوريا وغزة، وقبلهما ايران، نماذج لا تحتاج الى دلائل. وعدم قيام براك بعملية تفاوض جدية تقوم على مبدأ حلحلة العقد، ونقل الافكار بين الجانب اللبناني والعدو "الاسرائيلي"، وترك الامور على حالها، تشير بوضوح الى ان لا جدية اميركية في مقاربة الملف اللبناني حاليا، ولهذا لا "نوم على حرير" الديبلوماسية، والتعامل مع مسألة ارتفاع نسق الحرب يحصل وفق استراتيجية " الاستعداد وكأنها ستقع غدا"...

اما مناخات الارتياح فسببها الرئيسي داخلي، حيث اثبتت الاحداث صحة موقف حزب الله ومقاربته لملف السلاح، ولم يكن التماهي الرسمي مع سردية حزب الله تنازلا من قبل الدولة، بل جاءت الاحداث في سوريا لتعزز المخاوف لدى الجميع، فضلا عن الادارة الاميركية  للملف. فاذا كانت المناخات الاقليمية والدولية قد جاءت بعون وسلام الى سدة الحكم، لتنفيذ اجندة واضحة عمادها حصر السلاح بيد الدولة والاصلاحات، الا ان واشنطن لم تمنح الرجلين اي مقومات تساعدهما على المضي قدما في تنفيذ هذه الاجندة. فواشنطن تموضعت في موقع "الوسيط" الخادع عبر ادعاء عدم قدرتها على المونة على "اسرائيل"، رافضة تقديم اي ضمانات، وحتى انها لم تضغط على بنيامين نتانياهو لاجباره على تقديم خطوات "حسن نية"، سواء بالانسحاب او وقف الاعتداءات. في هذا الوقت امتنعت الرياض عن تقديم اي حوافز اقتصادية تساعد الدولة على تقديم انجازات يمكن البناء عليها في "حشر" حزب الله.

وفي هذا السياق، بات حزب الله اكثر ارتياحا في مقاربته للملف، بعد خروج الامور عن السيطرة في سوريا، وسقوط النموذج الذي كانت تروج له واشنطن. اما براك فيبدو اكثر ارتباكا بعد تعرض استراتيجيته في دمشق لنكسة كبيرة، انعكست ارباكا في تصريحاته غير المتماسكة،وتعرض استراتيجيته في دمشق لنكسة كبيرة،  في مقاربته للملف، بعد خروج الامور عن السيطرة في سوريا، فيما يبدو براك اكثر ارتباكا  بعدما وصف الشرع بانه "جورج واشنطن سوريا"، لم يعد متيقنا في بقائه في السلطة، بعدما اشاد "بخبث" بوزير الخارجية اسعد الشيباني!. وبعدما كان يشجع لبنان على الالتحاق بالنموذج السوري، يقول الآن ان "الوضع في سوريا قد يصبح مثل ليبيا او افغانستان".. فما "الرسالة" التي يرسلها الى لبنان؟ اما قوله بان "حزب الله في السبعينات عبّر عن فرحته بدخول "اسرائيل" ورمى جنودها بالورود"، علما ان الحزب لم يكن موجودا حينها، فينم ذلك عن جهل واضح في مقاربة الملف اللبناني، وعدم فهم حقيقي لواقع الحزب وبيئته الحاضنة.

لكن هذا الارتياح للمناخ الداخلي، خصوصا بعد تراجع شرائح لبنانية واسعة عن حماستها لمقاربة ملف السلاح بعد مجازر السويداء، لا يلغي الحذر من الحملة "الخبيثة" التي تقودها "القوات اللبنانية" عبر الهجوم على الرئيس جوزاف عون، تزامنا مع اعتبار توم براك ان مشكلة السلاح داخلية. فثمة ضخ اعلامي وسياسي يروج لسردية تقول انه "لا خوف من حرب اهلية ، لان حزب الله ضعيف ويستطيع الجيش تنفيذ مهمة نزع السلاح ، لكن ما يحتاجه هو فقط القرار السياسي، والدليل ما حصل في مخيم "نهر البارد". ويترافق ذلك مع تسريبات "مشبوهة" من قنوات اعلامية عربية تزعم ان الحزب ابلغ الرئيس نبيه بري استعداده للتصادم مع الدولة بعد رفضه تسليم السلاح، وهي معلومات كاذبة لا تمت الى الحقيقة بصلة، تقول تلك الاوساط، والصحيح ان العلاقة بين الحزب والسلطات الرسمية جيدا جدا، والتنسيق على اعلى مستوى، وثمة اجماع مشترك على عدم تعريض السلم الداخلي لاي اهتزاز، ولا مكان لاي مصطلح تصادم بين الجيش والمقاومة.

 اما سبب الهجمة السياسية والاعلامية المعادية لحزب الله، فهي عدم وجود حسم للموقف الاميركي، وثمة خوف من تبدل الاولويات الاميركية، لتصبح عملية الاصلاحات متقدمة على معالجة ملف السلاح، التي بات معقدا للغاية باعتراف براك نفسه.

في الخلاصة، تبدلت الاولويات اللبنانية، وبات الهم الاول منع امتداد النيران السورية الى لبنان. الاحداث الاخيرة كشفت عن وجود ثغرات امنية تحتاج الى مقاربة حاسمة وذكية، لمحاصرة بعض البؤر الخطيرة، لم تعد واشنطن تملك اي "جزرة" قابلة للتسويق، والتهديد "بالعصا الاسرائيلية" غير مجد.  حزب الله قدم بالتنسيق مع الرئيس بري مقاربة متماسكة، بعد التشاور مع الرئيس عون، وهي "خارطة طريق" تقدم المصلحة الوطنية على ما عداها، وتأخذ بعين الاعتبار ان لبنان في قلب "عاصفة" اقليمية لا تزال في بدايتها، ولا يمكن مواجهتها دون "انياب".

الأكثر قراءة

رسالة أمنية حازمة شمالا... وغياب للمرجعية السنية! الورقة الأميركية مذكرة استسلام ولا مهل زمنية جورج عبدالله يعود اليوم يعد 41 عاماً...