اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

جورج عون


في احدى غرف مستشفى بعبدا الحكومي، حيث يخفت ضجيج العالم ليحل محله صوت تنفس الآلات، هناك سرير يحمل جسداً نحيلاً كالظل.

المواطن المسن عادل أبو حمرا (مواليد العبادية - قضاء بعبدا) الذي تجاوزت تجاعيد وجهه الـ 94 عاماً، يرقد هناك وكأن الزمن قرر أن يتوقف عنده. عيناه اللتان شهدتا حروباً وأفراحاً تنظران بوجع إلى السقف، بينما يلف صمت الغرفة صوتَ تنهُّداته المتقطعة.

والى جانبه على الارض، وضع أبو حمرا ذكرياته كلها في حقيبته التي تذكره بأنه كان ذات يوم بطلاً مثقفاً وكاتباً ورساماً..

تقدمه في السن لم يسرق منه القدرة على حمل حقيبته، وحفظ ما فيها من وثائق.

في هذه الغرفة، حيث تتساقط أوراق التقويم ساعة بعد ساعة، ويوماً بعد يوم، تكمن قصة لا يرويها إلا صمت الغرفة، وهمسات الماضي التي تتدفق من راديو قديم الى جانب المواطن أبو حمرا على الطاولة يعزف أغاني فيروز الخافتة.

"الديار" زارت عادل أبو حمرا في غرفته في مستشفى بعبدا، وروى لها قصته وكيفية وصوله الى المستشفى ومكوثه فيها، والأسباب التي تمنعه من مغادرتها.

بدأ ابو حمرا قصته بالاشارة الى أنه أحد خريجي 3 جامعات هي: الجامعة الأميركية في بيروت، جامعة فيينا في النمسا، والجامعة اللبنانية.

وقال "خلال الحرب الأهلية دمر منزلي وتعرض للنهب، وأهم ما كان فيه مكتبتي التي كانت تضم كتباً ومؤلفاتي، فهاجرت أمي وأختى الى البرازيل وتوفيتا هناك. ثم سافرت الى السعودية حيث مكثت فيها 22 سنة، وعدت الى لبنان بعمر 72 عاماً. وفي السعودية واجهت مشاكل في وظيفتي، وقد حكمت المحكمة لمصلحتي، لكن الحكم لم ينفذه أصحاب العمل.

وتابع أبو حمرا "عدت الى لبنان حيث كانت لدي هوايات مثل الرسم والكتابة، وفي العام 2007 أنهيت دبلوم دراسات عليا في الرسم والتصوير بعمر الـ 76 عاماً، وقد طلبوا مني رسالة أطروحة، فاشتريت كتباً ونفذت الاطروحة من 400 صفحة، وقد اشتريت 417 كتاباً في الفنون التشكيلية، منهم 376 باللغات الأجنبية، و50 كتاباً باللغة العربية، وقد منحتهم للجامعة اللبنانية بعد انتهاء الاطروحة".

وأضاف "رسمت حوالى 70 أو 80 لوحة وكتبت كتاباً عن في الفلسفة بعنوان "نزهة العقل"، إضافة الى موسوعة شطرنجية. وقد حاولت بيع لوحاتي لتأمين قيمة نشر الكتب لانني انسان "ما عندي حدا" ومقطوع من الشجرة، وأهلي نبذوني لأنني تزوجت من مسيحية".

وواصل أبو حمرا "في العام 2019 اتصلت بأحد الاتحادات الرياضية على أساس التعاون معه حول الموسوعة الشطرنجية التي كتبتها، لكنه لم يقتنع بالأمر. ثم عدت وعقدت اتفاقاً مع نائب رئيس أحد الاتحادات الرياضية على اساس أن يأخذ لوحاتي لبيعها ونيل نسبة من المبيع، فأخذها ثم اختفى ولم يعد يرد على الهاتف. فتقدمت بشكوى لدى النيابة العام لحفظ حقي ووثقت العقد عند كاتب العدل في حمانا".

وأضاف "هنا وصلت الى مرحلة لم أعد أملك فيها المال، فبدأت أبيع مقتنياتي وطردت من منزلي لعدم قدرتي على دفع اجاره، لكنني عدت اليه بقرار من مخفر الدرك مع مهلة 30 يوماً لاخلائه. ثم حاولت حرق المنزل لدخول السجن، لكن في المخفر قالوا لي انهم لن يدخلوني السجن. وحاولت الانتحار لكن المحاولة فشلت، ووجدت نفسي في مستشفى الجبل في قرنايل، وبقيت فيها لمدة شهرين. بعدها طلبوا مني الخروج من المستشفى بعدما كانوا وضعوني في غرفة غير مؤهلة للسكن، ليتم نقلي الى مستشفى قبر شمون حيث مكثت 10 أيام، قبل أن يطلب مني أحد الاطباء الخروج من المستشفى، وهددوني باللجوء الى قوى الأمن لاخراجي منها".

وتابع أبو حمرا "خرجت من المستشفى في قبر شمون ولجأت الى مستشفى بعبدا الحكومي، حيث استقبلني المدير بالترحيب وأجروا لي الفحوصات اللازمة، وقالوا ان صحتي جيدة. وانا في المستشفى منذ 20 يوماً، لكنهم طلبوا مني أخيراُ الخروج منها نظراً لأن صحتي جيدة. وأنا بالطبع أريد الخروج، لكن لا منزل لدي ولا أملك المال، وأنا في نيسان سأبلغ الـ 95 عاماً (مواليد 1931)، واذا لم أجد أحد يساعدني فأنا أريد البقاء في المستشفى كي أموت فيه".

وختم أبو حمرا حديثه "أنا حالياً مضرب عن الطعام حتى أنال حقوقي، وأنا لدي شكوك حول حالتي الصحية وقد طلبت من المستشفى الفحوصات المخبرية التي اجروها لي، وجوابهم كان ان صحتي جيدة".

"الديار" سألت المستشفى عن الوضع الصحي لأبو حمرا، فأكدت احدى المسؤولات أن صحته جيدة، وقد تم الاهتمام به طوال 20 يوماً، لكنه بات يأخذ مكان مريض يحتاج الى سرير في المستشفى، وبما أن صحته جيدة فلا داعي لبقائه في المستشفى، لأنها ليست فندقاً".

قصة أبو حمرا هي قصة كثيرين في لبنان، وصلوا الى مرحلة متقدمة في السن وهم في وحدة تامة، لا أولاد أو أقارب أو أي شخص يهتم بهم.

و"الديار" تنشر هذه القصة، على أمل تأمين المساعدة للمواطن أبو حمرا الذي يحتاج الى مكان يأويه في هذا العمر المتقدم، كما يأمل من أصحاب الخير تأمين محام له ليتابع قضيته حول لوحاته التي يدعي أبو حمرا أنه تعرض فيها لعملية نصب، إذ أخذت منه ولم يقبض ثمنها.