اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



تؤدي اللحوم الحمراء دورًا أساسيًا في الأنظمة الغذائية حول العالم، إذ تُستهلك بشكل واسع كمصدر غني بالبروتينات والحديد والفيتامينات الأساسية. إلا أن تزايد الإصابات بمتلازمة القولون العصبي دفع العديد من الباحثين إلى تسليط الضوء على العلاقة بين النمط الغذائي، وخصوصًا استهلاك اللحوم الحمراء، وتفاقم أعراض هذا الاضطراب الهضمي المزمن.

القولون العصبي هو اضطراب وظيفي شائع يصيب الجهاز الهضمي، ويؤثر في عمل الأمعاء دون أن يكون مصحوبًا بتغيرات عضوية واضحة. تظهر أعراضه على شكل انتفاخ، وتقلصات، وإسهال أو إمساك مزمن، وغالبًا ما تزداد حدتها نتيجة عوامل نفسية أو غذائية. ويواجه المصابون به تحديًا في تحديد الأطعمة التي تثير نوبات الألم، نظرًا لاختلاف المحفّزات بين شخص وآخر.

رغم القيمة الغذائية العالية للحوم الحمراء، إلا أن الإفراط في تناولها قد ينعكس سلبًا على صحة الجهاز الهضمي، خاصة لدى مرضى القولون العصبي. تحتوي هذه اللحوم على كميات كبيرة من الدهون المشبعة، والتي قد تُبطئ من عملية الهضم وتؤدي إلى شعور بالثقل والانتفاخ. كما أن بعض أنواع اللحوم المعالجة أو المطهية بطرق دهنية تُسهِم في تهيّج القولون وتحفيز التقلصات.

بالمقارنة مع الأطعمة النباتية أو البروتينات الخفيفة كالدجاج أو السمك، تُعد اللحوم الحمراء من الأطعمة التي تتطلب وقتًا وجهدًا أكبر للهضم. هذا الهضم البطيء قد يؤدي إلى تراكم الغازات وزيادة الضغط على جدران الأمعاء، ما يثير الأعراض لدى من يعانون من القولون العصبي، لا سيّما إذا كانت الكمية كبيرة أو مصحوبة بمواد دسمة وصلصات ثقيلة.

هذا وتشير أبحاث علمية متزايدة إلى أن اللحوم الحمراء قد لا تؤثر فقط في عملية الهضم المباشرة، بل تمتد آثارها لتشمل التوازن الحيوي داخل القناة الهضمية. فاللحوم الغنية بالدهون المشبعة والبروتينات الثقيلة قد تُسهم في تقليل تنوع البكتيريا النافعة التي تؤدي دورًا محوريًا في تعزيز صحة القولون وتنظيم تفاعلاته المناعية. هذا الاضطراب في التنوع البكتيري يُعرف بـ" اختلال الميكروبيوم"، ويُعتقد أنه عامل رئيسي في تحفيز الالتهاب المزمن، وزيادة تخمر الطعام بشكل غير طبيعي داخل الأمعاء، مما يؤدي إلى الغازات، والانتفاخ، والشعور بعدم الراحة، وهي من أبرز أعراض القولون العصبي.

من جهة أخرى، لا يمكن التعميم والقول إن اللحوم الحمراء ضارة لجميع مرضى القولون العصبي. فاستجابة الجسم تختلف من شخص لآخر تبعًا لعوامل عديدة، منها نوع اللحم المستهلك، وطريقة تحضيره، وكمية تناوله، وكذلك بنية الميكروبيوم الفردية. لذلك، يوصى بالاعتدال بدل الامتناع التام، والحرص على اختيار لحوم خالية من الدهون الزائدة، مثل لحم العجل أو قطع اللحم الخالية من الجلد، وطهيها بطرق صحية كالسلق أو الطهي بالبخار أو الشواء الخفيف.

كما يُعدّ إدماج مصادر الألياف القابلة للذوبا مثل الشوفان، وبذور الشيا، وبعض الفواكه - خطوة مهمة لدعم حركة الأمعاء ومنع التهيج، إلى جانب تناول البروبيوتيك الطبيعي (كالألبان المخمّرة واللبن الزبادي) لدعم تنوّع الفلورا المعوية وتعزيز دفاعات الجهاز الهضمي.

خلاصة القول، إن العلاقة بين اللحوم الحمراء ومتلازمة القولون العصبي ليست خطية أو حتمية، لكنها جديرة بالاهتمام والتجربة الفردية الواعية. فالتغذية في هذه الحالة ليست وصفة موحّدة، بل خطة شخصية تبدأ بالإنصات للجسم وتدوين ردات فعله، وتُستكمل بالتعاون مع اختصاصي تغذية يمكنه توجيه المريض نحو خيارات غذائية آمنة وفعّالة للحد من الأعراض وتحسين جودة الحياة.

الأكثر قراءة

الذكرى الخامسة لانفجار المرفأ: القرار الظني قاب قوسين او أدنى مشاورات «ساخنة» تسبق جلسة «حصرية السلاح».. وتحركات سياسية مرتقبة