اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يُعدّ النوم ركيزةً أساسيةً لصحة الإنسان الجسدية والعقلية، لكن مع التقدّم في العمر، يبدأ كثير من المسنّين يعانون من اضطرابات في النوم تتراوح بين صعوبة في الاستغراق بالنوم، الاستيقاظ المتكرّر، أو النوم القليل غير الكافي. ما قد يبدو في البداية مجرد إزعاج يومي، يمكن أن يتحوّل إلى عاملٍ خطرٍ يهدد صحة الدماغ ويزيد من احتمال الإصابة بالخرف وتلف الخلايا العصبية.

خلال النوم، يقوم الدماغ بعمليات حيوية دقيقة، من بينها تنظيف نفسه من البروتينات السامة مثل "بيتا أميلويد"، وهي المواد المرتبطة مباشرة بمرض ألزهايمر. كما يعمل على إعادة تنظيم الذاكرة، وترسيخ المعلومات التي تم تعلمها خلال اليوم، وتجديد الطاقة الذهنية. أي خلل في هذه العمليات، نتيجة اضطراب النوم، قد يؤدي إلى تراكم السموم العصبية وتدهور في الأداء المعرفي تدريجياً.

أظهرت دراسات طبية حديثة وجود علاقة وثيقة بين اضطرابات النوم المزمنة وزيادة خطر الإصابة بالخرف، خاصة لدى كبار السن. فعلى سبيل المثال، الأشخاص الذين يعانون من الأرق أو توقف التنفس أثناء النوم يكونون أكثر عرضة للإصابة بتلف خلايا الدماغ، ما يؤدي لاحقاً إلى أمراض تنكسية كألزهايمر وباركنسون.

وقد لاحظ العلماء أن قلة النوم تؤدي إلى انكماش بعض المناطق الحيوية في الدماغ، لا سيما الحُصين، وهي المنطقة المسؤولة عن تخزين الذكريات. ومع الوقت، يبدأ الفرد يعاني من صعوبة في التركيز، فقدان تدريجي للذاكرة، تغيرات في السلوك، واضطرابات في الحكم على الأمور.

وتجدر الإشارة إلى أن كبار السن هم الفئة الأكثر عرضة لتأثير اضطرابات النوم في الدماغ. ومع وجود عوامل أخرى مثل الأمراض المزمنة (كالسكري وارتفاع ضغط الدم)، العزلة الاجتماعية، أو تناول بعض الأدوية، تزداد قابلية الدماغ للتأثر بتداعيات النوم المتقطع أو القليل.

ولا يُعد الأرق وحده سببًا، بل إن النوم الزائد أو غير المنتظم، كما في حالات النوم المتقطع لعدة مرات في الليلة، قد يكون له تأثير سلبي مشابه في صحة الدماغ لدى كبار السن.

إنّ تحسين جودة النوم يمكن أن يكون وسيلة وقائية فعالة في حماية الدماغ من التلف. ويشمل ذلك اتباع نمط حياة صحي، مثل: الالتزام بروتين نوم ثابت: الاستيقاظ والنوم في نفس الوقت يوميًا، تقليل الكافيين والمنبهات خاصة في المساء، الابتعاد عن الشاشات قبل النوم لأن الضوء الأزرق يؤثر على هرمون الميلاتونين، ممارسة الرياضة بانتظام لأنها تحفز النوم العميق وتقلل من التوتر، وأخيراً زيارة الطبيب عند ظهور علامات اضطراب النوم خاصة الشخير الشديد أو توقف التنفس.

إلى ذلك، إنّ اضطرابات النوم ليست مجرد حالة مزعجة أو عرضًا جانبيًا طبيعيًا للتقدّم في العمر، بل هي مؤشّر مقلق قد يُخفي وراءه تهديدات حقيقية لصحة الدماغ. فكل ليلة يُحرم فيها العقل من راحته، تتراكم آثار الإجهاد العصبي، وتزداد فرص تراكم البروتينات السامة المرتبطة بأمراض مثل الزهايمر. إنها ليست مجرد مسألة راحة أو نوم مضطرب، بل مسألة وقاية مستقبلية ورفاه معرفي. من هنا، تبدأ الوقاية بالوعي، ولا تتوقّف عند المتابعة الطبية، بل تشمل أيضًا الالتزام بنمط حياة يضمن للدماغ قسطًا كافيًا من الراحة الليلية ليستعيد نشاطه ويؤدي وظائفه الحيوية بكفاءة واستقرار.

الأكثر قراءة

هل تستطيع "إسرائيل" شن الحرب على لبنان؟