اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


شهدت جراحات السمنة مثل تكميم المعدة وتحويل المسار، تزايدًا ملحوظًا في الإقبال خلال السنوات الأخيرة، باعتبارها حلولًا فعالة لإنقاص الوزن السريع وتحسين الصحة العامة، خاصة في حالات السمنة المفرطة التي يصعب علاجها بالوسائل التقليدية. إلا أن هذه العمليات، وعلى الرغم من فوائدها، لا تخلو من مضاعفات صحية خطرة، أبرزها النقص المزمن في الفيتامينات والمعادن، الذي قد يستمر لفترة طويلة ويؤثر في جودة حياة المرضى إذا لم يعالج بالشكل الصحيح.

تُحدث جراحات السمنة تغييرًا جذريًا في النظام الهضمي، سواء من خلال تقليص حجم المعدة أو تقليل امتصاص المغذيات عبر الأمعاء. هذا التغيير يؤدي إلى انخفاض قدرة الجسم على امتصاص بعض العناصر الحيوية الأساسية، ما يُعرّض المريض لنقص طويل الأمد في عدة فيتامينات. ومن أبرز هذه الفيتامينات، فيتامين B12 الذي يُعد أساسيًا لصحة الأعصاب وتكوين خلايا الدم الحمراء. ونقصه قد يؤدي إلى التعب، فقدان الذاكرة، والتنميل في الأطراف. ويُعتبر هذا النقص شائعًا بشكل خاص بعد عمليات تحويل المسار، حيث يتم تجاوز الجزء الذي يُمتص فيه هذا الفيتامين.

إلى جانب B12، يُسجل أيضًا انخفاض ملحوظ في مستويات فيتامين D، وهو عنصر ضروري لصحة العظام ووظائف المناعة. النقص في هذا الفيتامين قد يزيد من خطر الإصابة بهشاشة العظام والكسور، خاصة في المراحل المتقدمة من العمر. ويُصاحب هذا الانخفاض عادة نقص في الكالسيوم، الذي يتطلب فيتامين D لامتصاصه. كما أن فيتامين A، الضروري لصحة العيون والبشرة والمناعة، غالبًا ما يتأثر أيضًا، خاصة بعد جراحات مثل تحويل المسار.

إنّ النساء اللواتي يخضعن لهذه الجراحات يكنّ عرضةً بشكل خاص لنقص الحديد والفولات، ما قد يؤدي إلى فقر الدم المزمن ومضاعفاته، بما في ذلك الإرهاق وتساقط الشعر والدوخة. أما فيتامين K، المسؤول عن تخثر الدم، فإن نقصه قد يتسبب بمشاكل نزيف لدى البعض. وتتسع قائمة المغذيات المتأثرة لتشمل الزنك والمغنيسيوم والنحاس، ما يُبرز أهمية المتابعة الغذائية الدقيقة بعد العملية.

وللوقاية من هذه المشكلات، يوصى المرضى بتناول مكملات الفيتامينات والمعادن مدى الحياة، بإشراف طبي دقيق. لا تكفي المكملات العامة في كثير من الأحيان، بل يجب أن تكون مصممة خصيصًا لتلائم الاحتياجات الجديدة للجسم بعد الجراحة. كما يجب إجراء فحوصات دورية للدم كل 3 إلى 6 أشهر في السنة الأولى، ثم مرة واحدة سنويًا لتقييم مستويات العناصر الغذائية وضبط الجرعات حسب الحاجة.

من جهة أخرى، يُنصح بالاعتماد على نظام غذائي غني بالعناصر الطبيعية القابلة للامتصاص، مثل البروتينات عالية الجودة، والخضراوات الورقية، والأسماك الدهنية، إلى جانب تقنيات الطهي التي تحافظ على القيمة الغذائية. كما يجب تجنب الكحوليات والمأكولات الصناعية التي تُجهد الجهاز الهضمي وتُقلل من امتصاص المغذيات.

أخيراً، لا يمكن إنكار الدور الإيجابي لجراحات السمنة في إنقاذ الأرواح وتحسين نوعية الحياة. لكنها تبقى تدخلًا طبّيًا عميقًا يتطلب التزامًا طويل الأمد، ليس فقط في السلوك الغذائي، بل أيضًا في العناية الدقيقة بمستويات الفيتامينات والمعادن الأساسية. وإلا، فإن فقدان الوزن قد يتحقق على حساب الصحة العامة، ما يحوّل الحلم إلى تحدٍ صحي طويل الأمد.

الأكثر قراءة

خطة الجيش لحصر السلاح... جانب سياسي وآخر تقني ــ عسكري؟ القرار القضائي يهز الوسط المالي: بداية رحلة استعادة الودائع؟