اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يمثل الحمل فترة حساسة تتطلب عناية دقيقة بصحة الأم والجنين، لا سيما عندما يتعلق الأمر باستخدام الأدوية، وعلى رأسها المسكنات. فرغم أن بعض الآلام الخفيفة قد تكون شائعة خلال هذه المرحلة، إلا أن اللجوء إلى الأدوية يجب أن يكون مدروسًا ومحكومًا بإشراف طبي صارم، نظرًا للتأثيرات المحتملة في نمو الجنين وسلامة الحمل. وفي هذا السياق، تُطرح علامات استفهام حول أمان المسكنات المختلفة وتأثيرها في صحة الأم والبيئة على حد سواء.

يُعد الباراسيتامول (أو الأسيتامينوفين) من أكثر المسكنات استخدامًا خلال الحمل، ويُعتبر آمنًا نسبيًا إذا استُخدم بالجرعات الموصى بها ولمدة قصيرة. لكن، دراسات حديثة أظهرت وجود ارتباط محتمل بين الاستخدام طويل الأمد للباراسيتامول ومشاكل سلوكية لدى الأطفال، مما يستدعي استخدامه فقط عند الضرورة القصوى وتحت إشراف طبي.

المسكنات التي تندرج ضمن فئة مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs) مثل الإيبوبروفين والنابروكسين، تُعد غير آمنة خلال الحمل، خاصة في الثلث الثالث، إذ قد تؤثر في الدورة الدموية للجنين وتزيد من خطر الولادة المبكرة أو مشاكل في القلب والكلى للجنين. لهذا، يوصى بتجنب هذه الفئة قدر الإمكان خلال الحمل، ما لم يكن هناك ضرورة طبية قصوى وبإشراف طبيب مختص.

أما المسكنات الأفيونية مثل الكودين أو الترامادول، فهي تمثل تهديدًا حقيقيًا خلال الحمل. إذ ترتبط بزيادة خطر التشوهات الخلقية، والإدمان عند الطفل حديث الولادة، ومتلازمة الامتناع الوليدي. لذلك، يُحظر استخدامها بشكل ترفيهي أو دون وصفة طبية دقيقة، ويجب التفكير بألف مرة قبل اللجوء إليها حتى في الحالات المؤلمة.

لا تقتصر تبعات استخدام المسكنات خلال الحمل على صحة الأم والجنين فقط، بل تمتد إلى البيئة أيضًا. فالكثير من المسكنات التي يتم تناولها تُفرز في البول وتصل إلى مياه الصرف الصحي، ومن ثمّ إلى المسطحات المائية. ومع ضعف تقنيات المعالجة في محطات الصرف ببعض الدول، كلبنان، فإن هذه المواد قد تساهم في تلوّث الأنهار والبحر، وتؤثر في الكائنات البحرية، خاصة إذا تم التخلص من الأدوية بشكل غير آمن.

بما أن الخيار المثالي هو تجنب الأدوية ما أمكن، تؤدي الأساليب البديلة دورًا مهمًا، مثل الراحة، العلاج الفيزيائي، اليوغا المخصصة للحوامل، واستخدام الكمادات الباردة أو الساخنة حسب نوع الألم. وفي حال كان استخدام المسكنات ضروريًا، فيجب أن يكون بعد استشارة طبيب نسائي أو صيدلي خبير في أدوية الحمل. كما يُشجع على عدم رمي الأدوية غير المستخدمة في النفايات أو المجاري، بل تسليمها إلى الصيدليات التي تعتمد أنظمة إعادة التدوير أو التخلص الآمن.

إنّ سلامة الحمل لا تعني فقط الحفاظ على صحة الأم والجنين، بل تشمل أيضًا إدراك الآثار طويلة الأمد لاستخدام الأدوية على البيئة من حولنا. ولهذا، فإن التوعية الصحية المتكاملة، التي تأخذ في الاعتبار البعد البيئي، باتت اليوم ضرورة لا ترفًا. فقرار صغير مثل تناول حبة دواء، قد تكون له تداعيات أوسع مما نتخيّل.

الأكثر قراءة

خطة الجيش لحصر السلاح... جانب سياسي وآخر تقني ــ عسكري؟ القرار القضائي يهز الوسط المالي: بداية رحلة استعادة الودائع؟