اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

منذ عملية طوفان الأقصى التي شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في السابع من تشرين الأول 2023، شهد جيش الإحتلال ارتفاعا غير مسبوق في حالات الانتحار والأزمات النفسية، حتى صارت السبب الثاني للموت أثناء المعركة بعد القتال المباشر.

وتقول دراسات إسرائيلية حديثة إن الانتحار في صفوف جيش الإحتلال تحول إلى ظاهرة، لا سيما بعد معركة طوفان الأقصى، نتيجة ما تعرض له الجيش من كمائن وعبوات وقنص أثناء معاركه مع المقاومة الفلسطينية في غزة.

وفي محاولة للحد من الانتحار والأزمات النفسية، وفّر جيش الإحتلال لجنوده عددا من مراكز الصحة النفسية، ويعمل على زيادة أعداد الأطباء النفسيين في وحداته المختلفة.

وشهد جيش الإحتلال تصاعدا ملحوظا في حالات الانتحار بين جنوده، بسبب عوامل نفسية معقدة مرتبطة بالخدمة القتالية المرهقة والاضطرابات العقلية المتزايدة، وأبرزها اضطراب ما بعد الصدمة.

ففي عام 2024، كشفت دراسة، أجريت على 695 جنديا سابقا في جيش الإحتلال تلقوا علاجا نفسيا، أن أعراضا نفسية مركبة من الإدراك السلبي والحالة المزاجية المتدهورة أسهمت في توليد أفكار انتحارية لديهم.

كما أظهرت دراسة أخرى تابعت 374 جنديا على مدى 5 سنوات أن بعضهم أظهر شعورا متناميا بالذنب تجاه ما مرّ به أثناء العمليات القتالية، مما أدى إلى ارتفاع خطر الإقدام على الانتحار.

ومنذ عام 2005، ارتفعت وتيرة هذه الحالات، وسُجّلت أعداد متفاوتة سنويا، فقد انتحر 202 جندي في الفترة الممتدة حتى نهاية 2013، تلتها موجات سنوية راوحت بين 9 و21 حالة سنويا حتى عام 2024، في حين وصل عدد المنتحرين منذ بداية عام 2025 وحتى تموز من العام نفسه إلى 18 جنديا.

تأثير عملية طوفان الأقصى

كشفت دراسة صادرة عن برنامج الوقاية من الانتحار التابع لوزارة الصحة الإسرائيلية أن الهجوم المفاجئ، الذي شنته فصائل المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في السابع من تشرين الأول 2023، أسهم في تآكل الثقة بين صفوف الجنود الإسرائيليين.

وأوضحت الدراسة، التي نُشرت في أيار 2024، أن الهجوم ولّد لدى الجنود شعورا بالفشل في مواجهة المقاومة الفلسطينية، وإحساسا بالذنب لعدم قدرتهم على منعها، مما زاد من احتمالات الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة والانتحار. كما أشارت إلى أن طول أمد الحرب على غزة راكم الضغوط النفسية، مضاعفا خطر الانتحار.

وفي الثاني من كانون الثاني 2025، أعلن جيش الإحتلال أن آلاف الجنود توقفوا عن أداء المهام القتالية نتيجة الضغوط النفسية، مؤكدا ارتفاع حالات الانتحار بين صفوفهم بسبب اضطراب ما بعد الصدمة ومشاكل الصحة العقلية المرتبطة بالحرب. ووفق بيانات الجيش، أصبح الانتحار ثاني أسباب الوفاة الأكثر شيوعا بعد القتال المباشر منذ السابع من تشرين الأول 2023.

كما أفاد الجيش بأن جناح إعادة التأهيل استقبل منذ بدء الحرب عشرات الآلاف من الجنود الذين يعانون من ردود فعل نفسية حادة، من بينها مستويات مرتفعة من الضيق، وأعراض شديدة الاضطراب ما بعد الصدمة، وذكريات مؤلمة متكررة وكوابيس واكتئاب وقلق واضطرابات نوم خطيرة.

وفي السياق ذاته، ذكر موقع "والا" أن خط المساعدة النفسية التابع لشبكة "إران" تلقى في حزيران 2025 أكثر من 6 آلاف مكالمة من جنود، 28% منها كانت لحالات تعاني ضائقة نفسية حادة، و20% من القلق والصدمات والفقد، في حين أبلغت نسبة مماثلة تقريبا عن شعور شديد بالوحدة، و10% عن مشكلات جدية في العلاقات الاجتماعية.

ويمكن إجمال أبرز أسباب الانتحار في صفوف جيش الإحتلال بعد معركة طوفان الأقصى في التالي:

الفشل في التصدي لعناصر المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول 2023.

الخوف من كمائن المقاومة الفلسطينية أثناء المعارك في قطاع غزة.

عدم استجابة قادة الجيش لرفض قطاعات واسعة من الجنود العودة للقتال في غزة.

شعور بعض الجنود بتأنيب الضمير تجاه ما يرتكبونه من قتل ودمار في غزة.

البيروقراطية العسكرية التي زادت صرامتها في العدوان على غزة.

الإهمال الشديد للجنود وشعورهم بالتخلي عنهم بعد إرسالهم إلى غزة.

إجراءات الدعم النفسي

اتخذ جيش الإحتلال سلسلة من الإجراءات لتعزيز منظومة الدعم النفسي لجنوده والحد من معدلات الانتحار في صفوفهم، شملت:

تخصيص خط مساعدة هاتفي يعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.

زيادة أعداد ضباط الصحة النفسية بشكل كبير.

نشر فرق الدعم النفسي في مناطق القتال بقطاع غزة.

إقامة عيادات للصحة النفسية في جميع المدن الإسرائيلية.

تشكيل فرق متنقلة من معالجين نفسيين مدنيين لتقديم العلاج للجنود في منازلهم.

وأقر الجيش بصعوبة احتواء موجة الانتحار والأزمات النفسية التي تضرب صفوفه، موضحا أنه منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 تشرين الأول 2023 وحتى تموز 2025، تم تجنيد نحو 800 اختصاصي نفسي مدني بموجب "الأمر 8" بهدف الوصول إلى جميع الجنود المتضررين نفسيا.

مراكز الدعم النفسي

يبذل جيش الإحتلال جهودا واسعة لعلاج الجنود الذين يعانون من صدمات واضطرابات نفسية ناجمة عن مشاركتهم في الحروب والعمليات العسكرية، ويخصص مسؤولا للصحة النفسية في كل وحدة عسكرية متاحا للتواصل مع الجنود في أي وقت، إضافة إلى توفير العلاج عبر أقسام ومراكز صحية متعددة.

في المقابل، يحظر الجيش على أفراده تلقي العلاج النفسي في المراكز المدنية دون إذن مسبق، إذ تنص التوجيهات العسكرية على أن الجندي الذي يلجأ إلى عيادة مدنية للعلاج النفسي من تلقاء نفسه يُعرض نفسه للمساءلة لانتهاكه أوامر الجيش.

وبموجب الأمر 44 من قانون هيئة الأركان العامة "لا يجوز للجندي طلب العلاج النفسي من جهة مدنية لا تعمل ضمن إطار الجيش أو بالنيابة عنه"، في حين يسمح الأمر 74 من القانون نفسه بتلقي هذا العلاج من جهة مدنية بشرط الحصول على موافقة إدارة الصحة النفسية في الهيئة الطبية العسكرية.

كما تنص القوانين العسكرية الإسرائيلية على أنه في حال تشخيص إصابة أي جندي باضطراب نفسي، يُمنح تصنيفا يطلق عليه (صعوبات التكيف)، وهو ما يعني تخفيض مستوى أدائه العسكري، حتى منحه الإعفاء من الخدمة.

وتتوزع خدمات الدعم النفسي المخصصة للجنود الإسرائيليين عبر عدد من المراكز والجهات المتخصصة، أبرزها:

وحدة الصحة النفسية

تأسست عام 1967، وتضم نحو 250 ضابطا، وهي المرجع المهني والعلاجي الرئيسي لتشخيص وتقييم الاضطرابات النفسية لدى جنود جيش الاحتلال، وتقدم الوحدة الرعاية النفسية للجنود في الخدمة النظامية والدائمة والاحتياطية.

ويتلقى أطباء الصحة النفسية في جيش الإحتلال دورات مختلفة للتعامل مع الجنود، ويمنحون رتبة ضابط.

ويعمل ضباط المركز في عيادات مخصصة منتشرة في جميع أنحاء "إسرائيل"، ويتمثل دورهم في:

تقديم المشورة النفسية والتدريب للقيادات العسكرية والجنود.

معالجة الجنود الذين يواجهون صعوبة في التكيف مع الخدمة في الجيش.

معالجة الجنود نفسيا في حالة الحروب.

تقديم العلاج النفسي للقادة والجنود.

مراقبة الجنود الذين يهددون بالانتحار وسحب أسلحتهم.

عيادة الصدمة القتالية: تديرها وزارة جيش الإحتلال، وهي مخصصة لعلاج الجنود المشاركين في المعارك.

مركز "ناتال": يقدم رعاية نفسية مجانية للجنود والجرحى منهم وعائلاتهم، بصفته مركزا مختصا بضحايا الصدمات ذات الأسباب الوطنية.

دار المحارب: توفر خدمات الدعم النفسي للجنود المسرحين من الخدمة العسكرية.

قسم إعادة التأهيل: يتبع وزارة الجيش، ويقدم خدمات الصحة الطبية والنفسية للجنود.

المعهد الإسرائيلي لإعادة التأهيل العصبي والنفسي: تعاون معه الجيش بعد معركة طوفان الأقصى لإعادة تأهيل الجنود الذين يعانون من إصابات دماغية أو من ردود فعل نفسية حادة نتيجة ما تعرضوا له في المواجهات مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.



الأكثر قراءة

خطة الجيش لحصر السلاح... جانب سياسي وآخر تقني ــ عسكري؟ القرار القضائي يهز الوسط المالي: بداية رحلة استعادة الودائع؟