اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


في ظل التحديات الصحية المتزايدة وانتشار الأمراض المعدية والمزمنة، تبرز أهمية تعزيز الجهاز المناعي كخط دفاع أول في مواجهة الأخطار الصحية. ويلعب النظام الغذائي دورا محوريا في دعم هذا الجهاز الحيوي، حيث أثبتت الدراسات العلمية أن ما نتناوله يوميا يؤثر بشكل مباشر على كفاءة عمل جهاز المناعة.

يعد النظام الغذائي المتوازن والغني بالعناصر الغذائية الأساسية، حجر الأساس في دعم الجهاز المناعي. فالمناعة القوية لا تُبنى فقط باللقاحات أو العلاجات، بل تبدأ من المائدة. فوجود الفيتامينات والمعادن بكميات كافية في الجسم، مثل فيتامينC، وفيتامينD، والزنك، والحديد، والسيلينيوم، يعزز من قدرة الجسم على مقاومة العدوى والفيروسات وتقليل فرص الإصابة بالأمراض.

تلعب مضادات الأكسدة دورا مهما في حماية الخلايا المناعية من التلف الناتج عن الجذور الحرة، وهي مركبات ضارة تتكون في الجسم نتيجة عمليات الأيض أو التعرض لعوامل بيئية كالتدخين والتلوث. وتوجد مضادات الأكسدة بكثرة في الخضروات الورقية والفواكه الطازجة مثل البرتقال، التوت، الجزر، السبانخ، والبروكلي، ما يجعل إدراجها ضمن النظام الغذائي أمرًا ضروريًا للحفاظ على جهاز مناعي فعّال.

من ناحية أخرى، فإن الأنظمة الغذائية الغنية بالدهون المشبعة والسكريات المكررة تؤثر سلبا على كفاءة الجهاز المناعي، إذ تؤدي إلى التهابات مزمنة داخل الجسم، وتضعف من استجابة الخلايا المناعية. كما ترتبط هذه الأنظمة بزيادة الوزن والسمنة، وهي حالات تضعف الجهاز المناعي وتزيد من خطر الإصابة بالعدوى والأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم.

وتجدر الإشارة إلى أن صحة الجهاز الهضمي ترتبط ارتباطًا وثيقا بكفاءة الجهاز المناعي، إذ تشير الأبحاث الحديثة إلى أن حوالى 70% من الخلايا المناعية في جسم الإنسان تتواجد داخل القناة الهضمية، وتحديدا في الأمعاء. هذه العلاقة الحيوية تُظهر أن الأمعاء ليست مجرد عضو هضمي، بل هي مركز استراتيجي للمناعة. فالتوازن بين البكتيريا النافعة والضارة داخل الأمعاء يُعدّ عاملا حاسما في دعم المناعة، حيث تلعب البكتيريا المفيدة دورا رئيسيا في تحفيز الخلايا المناعية، وتعزيز استجابتها للفيروسات والجراثيم، فضلا عن دورها في تنظيم الالتهابات ومنع تسرب السموم إلى مجرى الدم.

من هذا المنطلق، يصبح من الضروري الاهتمام بتغذية الأمعاء بشكل سليم، وذلك من خلال تناول الأطعمة الغنية بالبروبيوتيك مثل الزبادي، والكفير، والمخللات المخمرة طبيعيا، والتي تساهم في تعزيز نمو البكتيريا المفيدة. كما أن استهلاك الألياف القابلة للذوبان، والمتوفرة في الشوفان، والبقوليات، والتفاح، والخرشوف، يُعدّ ضروريا لتغذية هذه البكتيريا ومنحها بيئة مناسبة للنمو والاستقرار.  ومن جهة أخرى، يجب تقليل تناول المضادات الحيوية إلا للضرورة القصوى، لأنها تقتل البكتيريا النافعة وتُخلّ بتوازن الفلورا المعوية.

ولا يمكن الحديث عن دعم الجهاز المناعي دون الإشارة إلى أهمية نمط الحياة الصحي ككل. فالغذاء السليم وحده لا يكفي ما لم يُرافقه نوم منتظم وعميق، إذ تشير الدراسات إلى أن النوم لمدة تقل عن 6 ساعات في الليلة يضعف الاستجابة المناعية، ويزيد من قابلية الإصابة بالعدوى. كذلك، تُعدّ ممارسة النشاط البدني المعتدل بانتظام وسيلة فعّالة لتحفيز الدورة الدموية وتنشيط الخلايا المناعية، في حين أن التوتر والإجهاد النفسي المستمر يؤثران سلبًا على الهرمونات المنظمة للمناعة، مثل الكورتيزول، ويضعفان قدرة الجسم على المقاومة.

إلى ذلك، يتّضح أن الجهاز المناعي لا يعمل في عزلة عن باقي أنظمة الجسم، بل يتأثر بشدة بما نتناوله وكيف نعيش. فالتغذية المتوازنة، والحفاظ على صحة الأمعاء، والنوم الكافي، والحركة اليومية، وإدارة الضغوط النفسية، كلها تشكّل مكونات أساسية لبناء مناعة قوية. وإذا ما التزم الإنسان بهذه الركائز، فإنه لا يعزز فقط قدرته على مقاومة الأمراض، بل يخطو نحو نمط حياة صحي وطويل الأمد، قائم على الوقاية قبل العلاج.

الأكثر قراءة

خطة الجيش لحصر السلاح... جانب سياسي وآخر تقني ــ عسكري؟ القرار القضائي يهز الوسط المالي: بداية رحلة استعادة الودائع؟