هناك كلام في فمي منذ مدّة، يتقدّم فأؤخّره، يتأخر فأقدّمه، وربما حان الوقت لقَوله.
هذه المجموعة (ولا أقول الجماعة لقلّة ناصريها) الشيعية (حسب تصنيفها بين مُحَالفيها) قرّرتْ، بناء على وجهات نظَر و...مكافآت لا تُنكرها هي نفسُها ولو تجنّبَت الإشارة إليها، أنْ تحترف معارضة "الثنائي الشيعي" في سياساته العامة، ثم في مبادئه، ثم في أي حركة يأتي بها. وهذا جيّد، لأنه يفتح الباب على بعض ما يجب أن يسمعه ويَعيه ذلك الثنائي مما لا يعرفه (إذا وُجد!)، بل مما قد يتغاضى عنه الحليفان الشيعيّان من شؤون البلد، والشعب اللبناني. براڤو. وهذا من دواعي سرور الفريق الواسع من مُناهضي الثنائي.
كل ما قيل عن "تَرْخَنة" مادية موظّفة في سبيل "راحة" تلك المجموعة، سأضرب عنه صفْحاً، باعتباره أكْلة و"صحتين ع قلوبهم"، وكل تلك الاستقبالات التلفزيونية لهم، سأعتبر مَن وراءها والمنخرطين فيها أتقياء وممكن أولياء، فالأهداف التي تقول المجموعة إنها ساميَة في مواقفها، هي الأصل الذي ينبغي أن نعلّق عليه.
خروجُكم "على القطيع" حسب تعابيركم، مباركٌ ومحمودٌ، ولو أنكم لم تشكّلوا حالة خاصة بعيداً عن القِطعان، في منطقها ورؤيتها وتوجّهاتها، بل التحقتُم بقطيع معاكس لا يرى الدنيا والإقليم ولبنان، إلا في مواجهة إيران وحزب الله والرئيس برّي. كأن هؤلاء يخرّبون في كل مكان، وكل كلمة، وقطيعُكم يصحّح الخراب. كأنّ هؤلاء على أخطاء وخطايا ونوايا عدوانية تجاه المحيط، وأنتم في القطيع الآخر، مسالمون مستسلمون وصواب على صواب، وتفهمون "الحضن العربي" مُنقذاً.
والواقع الداكن يعترف بعضمة لسانه وعِصمتها، بأن كل ما نراه ونسمعه من جدل بيزنطي في بلدنا ومحيطنا، منذ أكثر من عشرين عاماً، هو حربُ نفوذٍ وسيطرةٍ على القرار السياسي والميداني، بين دوَل العالم وإيران و"إسرائيل" والعرَب، لا أكثر ولا أقلّ. نفوذ مشفوع بعطايا مادية ومعنوية كبيرة، وميدان مشتعل لدى الأطراف المتصارعة. قد تربح هذه القوة مثلاً فترفعون رؤوسكم عرفاناً لها، وقد تربح القوة المعاكسة، فتنحني رقابكم وترتفع أصواتكم تشكيكاً. هو النفوذ والسيطرة، دوَلاً ومؤسسات ضغط، يبحث عنهما العالم كله، في لبنان، نتحدّث عن بلدنا، فمرّة الكلمة العليا لفريق، ومرة أخرى الكلمة للفريق الآخر، لكنّ الثابت هو أنكم لا تختلفون عن القطعان في الثبات الأعمى على منطقٍ ما، مهما كان أو سيكون... كمن دخل النفق ظناً منه ان الفرج والنور قريبان، وكل ما يحصل على الأرض أمامه من غرائب وعجائب سياسية وميدانية، لا يربكُه ولا يعنيه بقدر ما يعني لهُ الإيغال في ظنّه الذي يُفتَرَض أنه خيار مدروس، قابل للنقاش والتداول وليس تنجيماً وتكهناً.
وسؤالي: هل لكم اعتبار واضح ووازن ومحتَرَم وفعّال، في قطيعكم بحضوره السياسي والمالي والإعلامي، بعيداً من اعتباركم.. معارضين شيعة... شيعة بالتحديد، لتمييزكم عمّن حولكم من القطيع نفسه؟ ولماذا هذا الإسم بالضبط، أليس لاستغلاله في "المعركة" الإعلامية فقط، وفقط لا غير، كَون حضوركم الملموس لا يتجاوزه، مع إضافة الدعوات إلى "لقاءات" أو مآدب تُستَقبَلون فيها ضمن هذه الخانة، لا غير، بوصفكم أتباعاً... "لهم" ولكن من الشيعة، ويعاملونكم بناء على هذا المعيار المذهبي الذي يحتاجونه إعلامياً، لنقض انتشار منطق "الثنائي"، ويكثفون الدلال لكم تحت عناوين منها إنهم، متنوّعون في خلفياتهم، وليسوا طائفيين ولا مذهبيين، ببرهان أن "هؤلاء شيعة لكنْ معَنا"... وهذا توجّهٌ مُبرَم شاع وذاع وملأ الأسماع إلا أسماعَكم، "وحقّكم" بعدها أن تتواطأوا مع هذا التوجّه بادّعاء "التميّز" داخل القطيع الذي تنتمون إليه.
لا أناقشكم في السياسة، فالنتيجة عندي وعندكم، عبثٌ وتضييع وقت. ذلك أن محور الممانعة يختزن سلبيات و"عصبيات" تضيئون عليها (كشيعة، أكرّر!) أنّى توجهتم، وتبالغون في توصيفها من دون هوادة. أما محور الاعتدال (الاعتزال) العربي الذي يختزن سلبيات ومذهبيات وفتَاوى في الصلاة والصيام... لإنقاذ غزة (مثالاً ) وترّهات فكرية... أكثرَ من المحور الآخَر، وأوخم، وأرذل بما لا يقاس، متغطّياً بقشرة "الشرعية" العربية والدولية، الثابت أنها فارغة كلياً من الأبعاد حتى الإنسانية، فضلاً عن الحقوقية للشعوب، لكنكم تتجاهلون ذلك ولا تعِيْرونه اهتماماً، لكون اهتمامكم لا يحيد عن نقد الشيعة ( وأكرر كونكم شيعة!)، فتغضّون الطرف والعقل، عن ظواهر أقل ما يقال أنها إبادية، ظلامية، تجزيرية بالبشر، إكراماً لمن يدعمها من العرب، وتماشياً مع "القدَر" الذي رُسم لكم من القطيع (بتاعكُم)، الذي لا أظنّ أنه قابل لتناقشوه في أوامر، عليكم تنفيذها.
وتكفي نظرة عابرة وسريعة "لنكتشف" أن هذا المحور اعتزل بالفعل مساحةَ رفضِ ما يأتي مُعلّباً وموَضّباً لبثّهِ وإقناع الشعوب به. وفي قول إبن خلدون، أول عالم اجتماع في العالَم، عِبرة خالدة ومحفورة على الجباه هي: "يُصِرّ العرب على الخطأ... لإقناع قومِهم أنه صحيح". محور عربي لا يختلف، حتى في التفاصيل الصغيرة، عن محور أميركا و"إسرائيل" في كل ما يلهجُ به، ويسعى إليه، ويدبّره للمنطقة.
ولعلّ الطامة الكبرى هي ترديدكم المَقُولات نفسها التي يرددها قطيعُكم، بلا... (ولا شي) إضافةٍ خاصة، ولا تكلّفون أنفسَكم "الجِد والمثابرة" لإنتاج حلّ لموضوع أو قضية. فإذا كان المندوب السامي الأميركي قال لكم ولنا وللعالَم "نفّذوا ما نطلبه منكم، ولا أضمن لكم شيئاً بالمقابل من إسرائيل"، فماذا ستقولون أنتم؟ وإذا كان غيركم من القطيع، لم تستفزّه العبثية الأميركية- "الاسرائيلية" في لبنان، وهو بلدكم على ما أعلم، فماذا تقدّمون أنتم "يا شيعة" (حسب تصنيف رفاقكم!) إلى الشيعة اللبنانيين، وقد وُضعوا أمام الحائط الوجودي، بسبب مقاومة "إسرائيل"، ولو أنّ الشمّاعة هي تحالفهم مع إيران كما تدّعون مع غيركم. وانتم تعرفون، إنما تحرِفون أن السيد حسن نصرالله كان محور المحور، لا تابعاً ولا جندياً في جيش ولاية الفقيه، كما قال هو مرّة، فبالممارسة الساطعة تحوّل نصرالله إلى "وليّ نفسه" بشهادات الأعداء.
شمّاعة إيران اخرجوا منها. وبالأدلّة: هل كان الإمام موسى الصدر متحالفاً مع إيران، حين دعا للثورة الاجتماعية والوطنية لتحرير الجنوب؟ وكذلك الحركات والأحزاب الوطنية.. هل كانت في الحضن الإيراني؟ هناك خطر تاريخي كبير جداً هو "إسرائيل" (لا أيران!)، فإذا لم تواجِهوا مخاطرها ومخطّطاتها التي باتت مُعلَنة كخريطة، على أكتاف العسكريين في الجيش "الاسرائيلي"، ستسقطون ونسقط أباً عن جَد.
فيا شيعةً، تعارض الشيعة، قولوا لنا ماذا نفعل "بإسرائيل"؟ نرحّب بها؟ نمَكّنها من أرضنا وشعبنا ومستقبلنا؟ نعلن استقالتنا من أرضنا وشعبنا ودوَلِنا السايكس بِيكوية؟ ولا تردّوا علَيّ بأنكم تطلبون السلام، وتُنشدونه، وتحلُمون به، فهذا أصبح مع نتنياهو وترامب لا سَلَام، بل "سَلَاد"، أي "سَلَطَة" بالمشبرح.
وسأكون بعلبكيّاً صخرياً (كما يوصف مسقط رأسي/ بريتال/) في سؤالي التالي: إذا ارتضت دولة عربية كبرى، ولها علاقات فوق عادية مع أميركا، بانتظار علاقات فوق عادية مع "إسرائيل"، وهي مؤثّرة بشكل استثنائي، وحفاظاً على عرش حاكمها من "أعداء" الداخل... إذا ارتضَت أن تُلقي وراءها كل منطق مناهض "لإسرائيل"، التي يُؤمَّل أن تكون حاميتَها المستقبلية (وحامية الحاكم بالذات!) فهل "الأمة" العربية مُجبَرة على الانصياع، دوَلاً وشعوباً، لأمر الحاكم؟
لكنْ أعود إلى كارثة جنوب لبنان المتمادية منذ سبعين عاماً، تآمراً من الداخل مع الوكالة اليهودية لضم منطقة الجنوب الشيعية إلى دولة اليهود، وتجاهلاً من دولة لبنان وحكوماته منذ الاستقلال: ماذا لديكم من حلّ "مُناسب" لها؟ لا تجيبوا، بعد كل ما جرى يجري، أن اتفاق الهدنة هو الحل، فأنتم مدركون حتماً أنه بات ممسحة لحذاء نتنياهو. ولا تُجيبوا أن الحل هو نشرُ الجيش اللبناني... وجنوده الشهداء بحاجة إلى "طواريء" المقاوَمة لنقل جثامينهم، قبل السلاح المُناسِب لمواجهة تهديدات "إسرائيل"! فإذا كان مبدأ المقاوَمة مُكلفاً تدميراً وضحايا، فمبدأ "ما فينا نقاتلو" أشدّ تدميراً وكِلفةً وضحايا ذلٍّ وهَوان، والشروط التي يضربوننا بها "ساطعة" للناظرين.
فـ "إسرائيل" بتجربة ثلاثة بلدان عربية سالَمَتْه، لا تزال هذه البلدان "تأكل" نصيبها من الإهانات والتجاوزات، فضلاً عن الفقر والتعاسة والتراجع.. مع أنها وُعِدت بالازدهار. "إسرائيل"، من الآخِر، وبالتجربة العملانية لا بالتنظير، وحش على شكل دولة، ولا تكتفي، ولا تهدأ قبل تنفيذ النصّ التوراتي. وهذا معروف ومُدرَك عندكم كما يُتوَقّع... فاخترِعوا مُعادلة ما دمتم "قادة رأي" تثبت للجنوبي أنه لن يكون مكسَر عصا "الجيش الإسرائيلي"، ولا مهبط مؤامرات أجنبية من حكوماته، وقولوا هذا رأينا العملي.
وبشرفكم السياسي لا تقولوا لي إن حزب الله "جاب الإسرائيليين" بحرب الإسناد، فهُم موجودون بيننا سياسياً منذ الاستقلال لا من اليوم، وموجودون عسكرياً منذ اجتياح ١٩٨٢ (جيش لحد أين كان؟ وكيف انتهى؟) والمدافعون عنه حتى الآن، أين أصبحوا؟ "إسرائيل" خطّطت وجهزت و... "شرّفَت" في وقتها هي المناسب، والذريعة تخلِقُها من العدم عادةً، فكيف إذا كانت لها ذريعة "تُقنِع" العامة؟ أوَ لم تسمعوا بقول الإمام علي:" كُن مع العامة ولا تكُن منها".
وأنا إذ أخاطبكم أنتم الشيعة، ولا أخاطب بقية اللبنانيين المعارضين للثنائي، فلأن جمرة الجنوب حرقت أهلها والشيعة عموماً، أمّا بقية الزعماء والمواطنين في البلد فتصَرّفوا وما زالوا على أساس أنهم مُستوطنون في مناطق... أُخرى من العالم! ويرون الموضوع من خارج المعاناة المباشرة. أنه نظامنا الطائفي "العكروت"!
لستم عباقرة لتحلّوا المسائل المستعصية في بلدكم، لكن، أقَلّه لا تتواطأوا على المنطق والعقل والواقع.
وأخيراً، لي ملاحظة: لقد رفضتم أحكام "الوليّ الفقيه"، براڤو. لكن كيف حالكم في الجلوس تحت خيمة "وليّ الأمر"؟ وما تنتقدونه في سياسات الوليّ الفقيه، هل تجرؤون على انتقاده في سياسات وليّ الأمر؟...
وإذا"كَعِيْتُم" اسألوا الرئيس سعد الحريري... بَس! زعيم في لبنان له كتلة نيابية وازنة، وجمهور واسع، دَسّ عليه "رَبْعُ" إسرائيل في البلد عند "وليّ الأمر"، وربما هو خالف الأوامر كما يقال، فطُلب إليه أن يُنهي حياته السياسية بيده، وهكذا فعَل. تماماً كمن يقول لصاحبه: حتى لا تمُوتَ بيَدي، تَفَضَّل مَوِّتْ نفسَك !
يتم قراءة الآن
-
هل هدف زيارة الموفدين لبيروت منع الانفجار؟ المخاوف تتصاعد من مشاريع تغيّر وجه لبنان السياسي
-
خطة الجيش لحصر السلاح... جانب سياسي وآخر تقني ــ عسكري؟ القرار القضائي يهز الوسط المالي: بداية رحلة استعادة الودائع؟
-
بنيامين نتنياهو على أكتافنا
-
برّاك وأورتاغوس في باريس... ردّ "إسرائيلي" سلبي؟ تعزيزات عسكريّة على الحدود و"اليونيفيل" تهتز
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
09:13
استطلاع لـ"معاريف": 63% من الإسرائيليين يخشون من تهديدات أمنية قد تطالهم داخل إسرائيل أو خارجها مع بقاء الحرب.
-
09:12
استطلاع لـ"معاريف": 66% من الإسرائيليين يخشون أن استمرار الحرب في غزة سيتسبب في تضرر وضعهم الاقتصادي.
-
09:11
استطلاع لـ"معاريف": 69% من الإسرائيليين يخشون أن استمرار الحرب بغزة قد يؤدي إلى تآكل التماسك الاجتماعي بإسرائيل.
-
08:35
الجيش الأوكراني: قصفنا ميناء أوليا الروسي في منطقة أستراخان أمس الخميس وأصبنا سفينة تحمل ذخيرة وقطع مسيرات
-
08:31
التحكم المروري: "قتيل و٧ جرحى في ٦ حوادث خلال ال ٢٤ ساعة الماضية".
-
08:15
أطباء بلا حدود: 40 وفاة بالكوليرا في السودان خلال أسبوع واحد
