اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

في كانون الأول من العام 2013، كتبنا مقالًا ذكرنا فيه احتمال نشوب صراع بين سوريا ولبنان على الحدود البحرية الشمالية خصوصًا أن النظام السابق، وبحكم نفوذه القائم في لبنان آنذاك، عمد إلى ترسيم الحدود البحرية أحاديًا دون أي تشاور أو تعاون مع السلطات اللبنانية التي لم تعترض يومًا على هذا الترسيم (!؟). وبحسب المعطيات، تمّ ضمّ ما بين 750 و1000 كم مربّع من المياه التابعة للبنان سواء كانت إقليمية أو في المنطقة الإقليمية الخاصة التابعة للبنان. ويُعدّ الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسّط مركز احتياطات كبيرة من النفط والغاز بحسب البحث السسمي الذي قامت به هيئة المسح الجيولوجي الأميركية USGS في العام 2010، وبحكم تلزيم النظام السابق في سوريا الشركة النفطية الروسية في العام 2021 مهام التنقيب عن الغاز والنفط هناك، بالتالي فالحدود المشتركة هي مصدر صراع محتمل مع السلطات السورية خصوصًا مع وجود تعقيدات سياسية ومصالح خارجية.


الثروة الخاضعة للصراع

من الصعب معرفة حجم الثروة النفطية والغازية موضوع النزاع بحكم غياب البيانات السسمية والتقديرات الجيولوجية، إلا أن المُرجّح أن يكون هناك قسم لا يستهان به من ثروة الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط بحكم أن الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط يحتوي على احتياطات كبيرة من الهيدروكربون تُقدّر بـ 1.7 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج و122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي القابل للاستخراج، وبحكم الطبقة الجيولوجية الممتدّة من الجنوب إلى الشمال.


السيناريوهات المحتملة

يُعدّ عدم ترسيم الحدود مصدر صراع محتمل بين الدول حتى ولو كانت صديقة فيما بينها. وفي حال لبنان وسوريا، هناك تداخل حدودي برّي ينسحب تلقائيًا على البحر بحكم منهجية الترسيم (إستخدام مصبّ النهر الكبير كنقطة ترسيم). وبالتالي هناك عِدّة سيناريوهات محتملة:

السيناريو الأول – مفاوضات وحلّ ديبلوماسي: هذا السيناريو هو الأمثل إلا أنه يواجه تحدّيات كبيرة وعلى رأسها الإرادة السياسية من الجانبين اللبناني والسوري، ومفاوضات مباشرة بين الحكومتين وهو أمر مُعقّد وطويل وصعب حتى الساعة نظرًا إلى التعقيدات السياسية بين البلدين ونظرًا إلى أن الترسيم يتطلّب الاستناد إلى القانون الدولي وبالتحديد قانون البحار الذي لا تعترف به سوريا!

السيناريو الثاني – حلّ بوساطة أميركية سعودية: كما حصل مع الحدود البحرية الجنوبية، إذ من المحتمل أن تتدخّل المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية للتوصّل إلى اتفاق بين سوريا ولبنان على ترسيم الحدود البحرية بينهما. وهو ما يفرض إدارة ذكية لحلّ التعقيدات السياسية بين البلدين بما في ذلك تقليص نفوذ بعض الدول الإقليمية وحتى الدولية.

السيناريو الثالث – وهو سيناريو ستاتسكو وينصّ على استمرار الجمود في المفاوضات وبقاء الأمور على ما هي عليه (السيناريو الأكثر ترجيحًا على المدى القصير)، مع استمرار الإجراءات الأحادية مثل تلزيم شركات أحاديًا للتنقيب عن النفط في المنطقة المتنازع عليها، وهو ما قد يؤدّي إلى احتجاجات لبنانية محتملة. إلا أنه وفي هذه الحالة، لن تكون الشركات العالمية مُتحمّسة للتنقيب نظرًا إلى وجود صراع قد يتأجّج ويتحول إلى صراع عسكري تخشاه الشركات نظرًا إلى حجم استثماراتها.

السيناريو الرابع – تصعيد عسكري وهو أقلّ احتمالًا من السيناريو السابق خصوصًا مع الضغوطات الدولية. إلا أنه وفي حال حصول مثل هذا التصعيد العسكري، سيكون بالدرجة الأولى على الحدود البرّية بين الدولتين وسيتمثّل بزيادة الوجود العسكري من كل الطرفين مع ما يرافق ذلك من تصعيد إعلامي وحروب بالوكالات قد تنتقل إلى الداخل اللبناني نظرًا إلى تركيبة نسيجه.


مشاريع هائلة لكلا البلدين

إن اكتشاف الغاز والنفط بكمية تجارية سيكون له وقعه على هيكلية الاقتصادين اللبناني والسوري، وقد يؤدّي إلى تغيير في عميق في البعد الجيوسياسي للبلدين، إذ لن يكون مدى التداعيات محصورا فيهما بل قد يصل إلى القارة العجوز، ويشكّل امتدادا لتكتل نفطي غازي في منطقة الشرق الأوسط.

ففي لبنان، سيشكّل اكتشاف الثروة بكمية تجارية مصدرا لسدّ حاجة السوق الداخلي (مشكلة الكهرباء مثلًا) والتصدير إلى السوق الأوروبي، وسيكون هناك حاجة إلى بنية تحتية غازية لتخزين وتسييل وتغويز الإنتاج وهو ما يفرض أن المرافئ المجاورة كطرابلس ستكون في صلب معادلة تصدير الغاز إلى أوروبا ولكن أيضًا محليًا مع ضرورة إنشاء شبكة أنابيب محلّية. كل هذا يفرض تعزيز القطاعات الداعمة والخدماتية في المنطقة، وهو ما يعني استطرادًا خلق عشرات الألوف من الوظائف! بالطبع، إن إنشاء صندوق ثروة سيادية لإدارة عائدات الثروة النفطية والغازية يكون بمعايير عالمية، سيؤسس لمستقبل مزدهر للأجيال القادمة.

أمّا سوريًا، فستكون مشاريع قطاع الطاقة في سوريا مترابطة بشكل وثيق مع عملية إعادة الإعمار بعد الحرب، وتتمحور أولوياتها حول إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، لا سيما في مجال النفط والغاز والكهرباء. أضف إلى ذلك إعادة تأهيل الحقول البرية والمصافي مثل حمص وبانياس وخطوط الأنابيب المتضررة، ووضع سوريا كممر لعبور خطوط أنابيب الطاقة إلى الأسواق الأوروبية.

وفي حال كان هناك تعاون بين البلدين (ترسيم الحدود والتعاون الاقتصادي – السيناريو الأول أعلاه) فسيكون هناك مشاريع مشتركة سواء على صعيد البنية التحتية البحرية أو البرية وسيشكّلان من دون أدنى شكّ مركزًا إقليميًا للغاز مع الدول المجاورة.

فهل سيتمكّن البلدان من تخطّي التعقيدات السياسية بينهما ويتعاونان لما فيه خير الشعبين؟ التاريخ كفيل بالإجابة عن هذا السؤال.


الأكثر قراءة

لقاء سري يعيد الحرارة بين «بعبدا» و«حزب الله» شرط اميركي جديد «لتمديد محدود» للطوارئ الدولية صيد ثمين لـ«الجيش»: تنسيق بين «عين الحلوة» وفصائل سورية