اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

ما ان عاد الوفد الوزاري اللبناني من سوريا، بعد لقائه الرئيس بشار الاسد، حتى حطت السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا في وزارة الخارجية والتقت الوزير عبدالله بوحبيب الذي ترأس الوفد، وكان المشجع على الزيارة مع الوزير علي حمية، ولم يستطع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي التهرب من حصول الزيارة، التي اعطاها الطابع الانساني (لمساعدة المنكوبين من الكارثة)، وهو الذي دخل الى السياسة في لبنان من بوابة دمشق، ومن المصالح التجارية التي جمعته مع نافذين في سوريا، حيث عُين وزيراً للاشغال والنقل في اول حكومة ترأسها سليم الحص، في بداية عهد الرئيس اميل لحود، في خريف العام 1998.

واتت زيارة السفيرة شيا، للوزير ابو حبيب، لاحتواء النقمة الشعبية والسياسية، على الادارة الاميركية (لا سيما بعد الزلزال الذي اصابها)، والتي تعاقب كل دولة او مؤسسة او افراد يقيمون علاقات مع النظام السوي، تحت اسم "قانون قيصر" الذي اصدره في العام 2019، الكونغرس الاميركي وبوشر تطبيقه، مما حدا دول ومنظمات على الابتعاد عن العلاقة مع سوريا على كل المستويات، وهذا ما حاول مسؤولون في لبنان ان يفعلوه مع سوريا، منذ خروج قواتها العسكرية والامنية من لبنان في 26 نيسان 2005، اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل 18 سنة، والذي تسبب به القرار 1559 الصادر عن مجلس الامن الدولي في مطلع ايلول 2004، والذي نص على انسحاب الجيش السوري ونزع سلاح الميليشيات (حزب الله)، وقد جاء هذا القرار نتيجة اتفاق اميركي ـ فرنسي بين الرئيس جورج بوش الابن وجاك شيراك.

من هنا، فان لبنان ارادته اميركا ساحة لها لتنفيذ مشاريعها ضد سوريا التي سهّلت تزويد "حزب الله" بالسلاح لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي، وتموضعت في "محور المقاومة" ولما لم تنجح في تنفيذ مشروعها بتحريك الشارع عبر موالين لها بما سُمي "ثورة الارز"، وهي احدى "الثورات الملونة" التي ابتدعها بوش في العالم والتي بدأت من اوكرانيا في العام 2004، وتزامنت معها "ثورة الارز" في لبنان، وفق ما يكشف مصدر سياسي مناهض للسياسة الاميركية في لبنان والمنطقة والعالم، وان لبنان يتلقى كل هذه الازمات السياسية والدستورية والمالية والاقتصادية، بسبب الحصار الاميركي عليه، والذي تلاقيه قوى في السلطة، مارست الفساد ونهبت اموال اللبنانيين، مما افسح المجال لواشنطن ان تحرك مجموعات موالية لها، مستغلة الاوضاع الصعبة للبنانيين، وهذا ما انتج فوضى واسقاط الدولة ومؤسساتها، وتحدثت عنه مساعدة وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى بربارا ليف، عن تفكك لبنان، وكررته في "لقاء باريس الخماسي".

فلبنان وسوريا، وهذه الواو الكافرة بينهما، يتكاملان في الجغرافيا والدورة الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية والاخوية والانسانية، وتقوم بينهما "معاهدة اخوة وتعاون، اقرها مجلسا النواب في لبنان والشعب في سوريا، بعد توقيعها في العام 1991، من الرئيسين حافظ الاسد والياس الهراوي، وحكومتي البلدين، اللذين افتتحا سفارتين سورية في بيروت في كانون الاول 2008 ولبنانية في دمشق في آذار 2009، وحاول "فريق 14 آذار"، الغاء المعاهدة بعد الانسحاب السوري من لبنان 2005، واقفال السفارة وسحب السفير مع بدء الاحداث في سوريا مطلع عام 2011.

وما فرض ذهاب الوفد اللبناني الى سوريا، هو حاجة لبنان اليها، وسبق ان زارها وفد وزاري في العام 2021، طالباً مساعدة لبنان على استجرار الكهرباء من الاردن، وعبور الغاز المصري من اراضيها، فتم التوقيع على اتفاقات بين لبنان وسوريا والاردن في 26 كانون الثاني 2022 في بيروت، وقد اثار هذا التوقيع السفيرة الاميركية، فقررت استيعابه من خلال الادعاء بان بلادها تؤيد هذا الاتفاق، الذي لم يبصر النور، يقول المصدر، الذي يشير الى انه وفي كل مرة يتوجه لبنان الى سوريا، لاعادة العلاقات الاخوية بين الدولتين تتحرك الادارة الاميركية لابداء "حسن نية"، ولكنها في الوقت نفسه تعمل لمنع اعادة التطبيع بينهما، وكل ذلك بحجة وجود "قانون قيصر" الذي سعت اميركا ان تفرضه على لبنان كما عندما اعلن الامين العام "لحزب الله" السيد حسن نصرالله، ان ايران مستعدة لتزويد لبنان بالنفط مجاناً، فلم يتمكن لبنان من استقبال السفن في مرافئه، فافرغت البواخر الثلاث حمولتها في طرطوس واللاذقية، ونقل النفط بالصهاريج الى لبنان، بسبب تهديد اميركا بفرض عقوبات عليه وهي قامت بذلك.

والرفض الاميركي تجلى ايضاً بمنع تزود لبنان بالسلاح للجيش من ايران وروسيا اضافة الى عدم القبول بهبة ايرانية لبناء معامل انتاج كهرباء او سدود للمياه، وهذا ما ينطبق في بعض الاحيان على الصين ودول اخرى، لان اميركا تحاول ان تبقى ممسكة بالقرار في لبنان وحاجته اليها، وعندما ترى ان لا مناص ان العلاقة لن تنقطع مع سوريا، فانها تسعى الى اظهار حسن النية، وهذا ما فعلته السفيرة الاميركية عندما اثنت على زياة الوفد الوزاري اللبناني الى سوريا، في الوقت الذي علقت ادارة جو بايدن العمل بقانون قيصر لمدة 80 يوماً، وسمحت للمساعدات الانسانية فقط، وهي التي تستولي على النفط في سوريا التي تحتل الجزء الشمالي والشرقي منها.

وما قامت به حكومة تصريف الاعمال، خطوة ايجابية لم يتمكن رئيسها ميقاتي من الهروب من زيارة سوريا ومساعدتها وهو يعرف ان موازين القوى تميل لمصلحة الحكم في سوريا، وبعد عودة الكثير من العرب اليها، بعد ان وضعوها على "اللائحة السوداء"، فلحق الرئيس ميقاتي بالركب، بعد ان شاهد المساعدات العربية لا سيما من السعودية والامارات وقطر ومصر وغيرها من الدول تتدفق على سوريا، فاسقط شعاره "النأي بالنفس"، واعاد فتح كوة في العلاقة مع سوريا، التي لم تعد تعتبره من اصدقائها، ولدى المسؤولين عتب عليه كما على غيره من رموز السلطة في لبنان، والذين يوصفون "بناكري الجميل"، وجاحدين مع سوريا، التي لولاها لما كانوا في السياسة، وبعضهم "اثرى منها".

فالتحرر من القرار الاميركي هو ما يجب ان يعمل به في لبنان، بعد ان رأوا ما اصابهم من السياسة الاميركية وحلفاء لها، حيث تعطل واشنطن ودول اوروبية عودة النازحين السوريين الى بلادهم والاماكن الآمنة فيها، وهذا القرار وحده يكشف الخداع الاميركي للبنان.

الأكثر قراءة

ولادة أخرى للشرق الأوسط؟