كانت أحداث السويداء نهاية شهر نيسان الفائت، صدى لأحداث الساحل الذي شهد ما بين 6 و 9 آذار مجازر مروعة، كانت في غالبيتها ذات «جذور طائفية» وشكلا من أشكال «الانتقام»، وفقا لتوثيق «رويترز» في تقريرها المنشور 30 حزيران. والشاهد هو أن فعاليات المدينة ممثلة بـ«مشيخة العقل» و«المجلس العسكري»، كانت قد وضعت إطارا قالت إنه مؤقت، كفيل بعدم استنساخ سيناريو الساحل في السويداء، ثم قامت بعرضه على حكومة دمشق، التي وافقت عليه، ليعلن الطرفان عن توصلهما إلى «اتفاق يقضي بإنهاء أعمال العنف والتوتر».
كان الاتفاق، الذي قضى بتعهد الحكومة بـ«تأمين طريق دمشق السويداء»، والسماح لأبناء السويداء بـ«الإنتشار بأسلحتهم في محيط المدينة للقيام بمهام الشرطة»، من النوع الذي يمكن البناء عليه، وهو أقرب لمحاولة تعزيز الثقة التي اهتزت ما بين سلطة المركز وبين بعض «الأطراف».
فوجود «عناصر محلية» لضبط الأمن في مناطقها فعل من شأنه إشاعة مناخات الهدوء والطمأنينة أكثر، فكيف إذا كان خطاب السلطة يقدم اعترافا بوجود «فصائل متفلتة لا يمكن السيطرة عليها»، أما طريق دمشق السويداء، البالغ طوله 85 كم، فهو شريان حيوي لأبناء المدينة، ويمثل «رئة» لا بديل عنها في نشاطهم الاقتصادي.
منذ الأيام الأولى لسقوط نظام بشار الأسد برز «العامل الإسرائيلي»، كرقم لا يمكن تجاهله في المعادلة المرتسمة، بعد هذا الحدث الأخير، ما بين سلطة «المركز» وبين «الأطراف». وفي 12 كانون الاول المنصرم ظهر المحلل السياسي باراك رافيد على قناة « CNN» معلنا عن «رسالة تم توجيهها من قبل «اسرائيل» إلى «هيئة تحرير الشام». والرسالة تضمنت، وفقا لرافيد نفسه، تحذيرا لهذه الأخيرة بخصوص الأكراد «الذين نقيم معهم علاقات جيدة»، وآخر يتعلق بـ«المجموعات الدرزية القريبة في مرتفعات الجولان، والبعيدة في السويداء، الذين نقيم معهم علاقات وثيقة بحكم وجود جالية درزية كبيرة في اسرائيل».
والشاهد هو أن الأخيرة كانت قد ذهبت، في أعقاب أحداث نيسان بجرمانا وأشرفية صحنايا والتي امتدت لاحقا إلى السويداء، باتجاه تقديم دليل «عملي» على تلك التهديدات. وفي صباح 2 أيار خرج يسرائيل كاتس، وزير الحرب «الإسرائيلي»، ليعلن عن تبني قواته للقصف الذي جرى في محيط «قصر الشعب» مساء اليوم الفائت، وليؤكد إن «الهجوم الذي شنته مقاتلات «اسرائيلية» على دمشق هو أمر يؤكد على تصميمنا حماية الدروز في سورية».
وذكر موقع «السويداء 24» المحلي أن التصعيد الحاصل بدءا من يوم الأحد، كان قد اندلع «إثر حادثة سلب تعرض لها تاجر خضر من أبناء السويداء على طريق دمشق، كما تم سرقة سيارته وما بحوزته، وضربه». فيما ذكرت صفحات قريبة من السلطة، أن سبب التصعيد هو «قيام البعض باختطاف أشخاص من العشائر العربية المقيمة في محيط السويداء»، ردا على حادثة الاختطاف سابقة الذكر.
والجدير ذكره في هذا السياق، هو أن البعض يطلق على هؤلاء اسم «البدو»، في محاولة لتظهير «البعد الحضاري» الذي أثار ولا يزال، الكثير من التوتر ما بينهم وبين أبناء الطائفة الدرزية، المقيمين في الريف والمدينة على حد سواء. وفي قياس التناسب بين الطرفين تقول احصائيات محلية ان نسبة الدروز في المدينة وريفها، تبلغ 85 % من عديد سكانها البالغ نحو 600 ألف نسمة، فيما يمثل المسيحيون نحو 10 %، والمسلمون( العشائر العربية) نحو 5 % فقط.
وأمس الاثنين، بدأت المواقف بالتراصف على ضفتي الصراع، وقد جاء في البيان الذي أصدرته وزارة الدفاع السورية، إن «الفراغ المؤسساتي الذي رافق اندلاع هذه الاشتباكات، ساهم في تفاقم مناخ الفوضى، وانعدام القدرة على التدخل من قبل المؤسسات الرسمية الأمنية والعسكرية بسرعة وحسم». وأضاف البيان إن «استعادة الأمن والاستقرار هو مسؤولية مشتركة بين الدولة ومواطنيها».
لكن البيان يغفل لحقيقة هامة هي أن مناخات الفوضى ليست بجديدة، وهي ظلت قائمة بالرغم من توقيع «اتفاق نيسان»، الذي راح الطرفان يتبادلان التهم بـ«انتهاكه»، لكن الثابت هو أن السلطة لم تف بتعهدها، القاضي بضبط الأمن على طريق دمشق السويداء، الذي شهد العشرات من الأحداث الأمنية، والتي كان آخرها حادثة يوم الأحد التي أضرمت النار في كرم، كان «يباسه» أكثر من «خضاره» كما يبدو.
أما شيخ العقل حمود الحناوي، الذي يبدي قربا في مواقفه من حكومة دمشق، فقد نقل عنه «المرصد السوري لحقوق الإنسان «قوله» ليعلم الجميع أن الموحدين الدروز لا يسعون إلا إلى الخير، ولا يرضون الظلم لأنفسهم ولا لغيرهم، وإن الكرامة لا تصان بالسلاح بل بالعقل، ولا تسترد بالخطف بل بالحكمة». ومن الواضح أن كلام الحناوي يرمي بجزء من المسؤولية على أبناء السويداء، وإن بشكل مخفف، لكن اللافت هو تأخر موقف شيخ العقل حكمت الهجري، الذي يمثل الثقل الأوزن من بين «مشيخات العقل» الثلاث، الى حين مرور 48 ساعة على تفلت النار التي تتكامل شروطها، لتتخذ مديات أوسع وفقا للمعطيات الراهنة. فقد قال الهجري في بيان «نؤكد على كل ما ورد في بياناتنا السابقة، ونخص المتعلقة بطلب الحماية الدولية، وبشكل فوري وسريع نظرا الى خطورة الوضع».
وذكر موقع «السويداء 24» صباح الاثنين، أن «هجوما واسعا تتعرض له عدة قرى في ريف السويداء الغربي في هذه الأثناء، ومنها قرى تعارة والدور والدويرة، من اتجاه ريف درعا الشرقي، وأن هناك قصفًا بقذائف الهاون والطيران المسير». وقد أكد يحيى العريضي، وهو أكاديمي وسياسي سبق له أن شغل عضوية» هيئة التفاوض العليا «بنسختها الثانية، وهو ابن السويداء، في منشور له الاثنين» تعرض مدينة السويداء الآن لهجوم عنيف بالمدفعية والراجمات والطائرات المسيرة، تشنه ميليشيات متعددة قادمة من عدة مدن سورية مختلفة»، وأضاف إن «الحكومة السورية المؤقتة تغض الطرف عن هذه الهجمات».
والجدير ذكره أن المشهد السوري بعد 8 كانون الاول الفائت، كان قد أفرز ظاهرة تعرف بـ«الفزعة»، التي تعني تداعي قبائل أو عشائر لـ “نصرة» من يرون، أنهم الأقرب لهم في أي نزاع يخوضونه وأيا تكن الأسباب والدواعي، وتلك الظاهرة ذات تأثيرات بالغة الخطورة في النسيج المجتمعي السوري، من حيث أنها تدخله في انقسامات أخرى لا علاقة لها بانقساماته الأفقية والعمودية المستفحلة راهنا.
ما حدث في السويداء، وأوقع وفق آخر احصائيات «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، نحو 42 ضحية بينهم أطفال وسيدات، وأكثر من 120 جريحا، يمثل من دون أدنى شك فشلا ذريعا لسياسات الحكومة في دمشق التي تنتهجها حيال «الأطراف»، خصوصا منها تلك التي تتمتع بحيثية معينة، ولربما كانت المشاهد التي تعرض للتنكيل بالجثث أمام الكاميرات فعلا «يستسقي» الدم، ويثير «الشهية» لتكراره في غير مكان أو منطقة.
وسط هذه النار، التي يبدو أنها تستكمل شروطها اللازمة لتوسعة رقعتها، كان لافتا الموقف «الإسرائيلي» الذي لم يصدر عنه، خلافا لما سبق ذكره، أي تصريح، الأمر الذي يفسح المجال أمام سؤال مثير هو: هل تكون السويداء أولى «فواتير» مستحقة الدفع، التي أقرت في باكو؟
يتم قراءة الآن
الأكثر قراءة
-
رفع مُستوى الجهوزيّة الأمنيّة خوفاً من الفوضى السوريّة «عوكر» تبلّغ بعبدا جدولاً زمنياً لا يتعدّى نهاية العام مناقشات صريحة للنواب في جلسة مساءلة الحكومة اليوم
-
تصعيد في الجنوب: هل تكون السويداء أولى «فواتير» باكو؟
-
القلق يعمّ الجبل بعد مداهمات بتبيات... والأوضاع في السويداء حملات تحريضيّة ضدّ السوريين... وبيان الجيش "نفّس" الاحتقان
عاجل 24/7
-
23:04
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: ممتن للرئيس ترامب على استعداده لدعم حماية حياة شعبنا، والحرب مستمرة فقط بسبب رغبة بوتين في مواصلتها وإطالة أمدها.
-
23:03
وسائل إعلام "إسرائيلية": انتحار جندي في معسكر للجيش شمال "إسرائيل" وهو الجندي الثالث الذي ينتحر خلال 10 أيام.
-
23:02
إذاعة الجيش "الإسرائيلي" عن مصدر عسكري: الجنود الثلاثة من اللواء 401 قتلوا داخل دبابتهم في جباليا شمال قطاع غزة.
-
23:01
نتنياهو: هذا مساء صعب والشعب "الإسرائيلي" بأكمله ينعى المقاتلين من لواء المدرعات.
-
22:31
وزير الإعلام السوري: الوضع الحالي في السويداء سببه رفض بعض القوى التوصل إلى حل وسط يرضي الجميع، ومن أسباب الوضع الحالي في السويداء غياب سلطة الدولة.
-
22:29
وزير الإعلام السوري: عدم القدرة على ضبط الأوضاع الأمنية في السويداء أدى إلى ما نحن فيه الآن، وللأسف تابعنا في السويداء أصواتا تستنجد بأطراف خارجية وتطلب حماية دولية.
