اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

ونحن جالسون على الأرض، في منزل رسام الكاريكاتور بهجت عثمان، قرأ علينا أمل دنقل وهو يبكي ونشاركه البكاء، قصيدته "لا تصالح"، مستوحياً وصية كليب الى شقيقه الزير المهلهل، وقد كتبها بأصابعه الملطخة بالدم على شاهدة قبره ... لا تصالح!

حدث ذلك ليلة اعلان أنور السادات اعتزامه زيارة أورشليم (لا القدس)، بديبلوماسية هز البطن بين يدي مناحيم بيغن، وهو من أوعز الى نجوى فؤاد (لمن يتذكر) بأن ترقص بين يدي، وحتى بين قدمي هنري كيسنجر...

في تلك الليلة، وقد تغيّر شكل القاهرة، بدت المنطقة وهي تسقط من التاريخ، بل ومن الزمن . اذ غاب دور مصر، لم نعد ندري الى أين تذهب بنا تلك العواصف الأمبراطورية والقبلية الهوجاء.

متأخراً جداً، أتى سامح شكري الى دمشق بالدافع الانساني بـ "الدرجة الأولى"، لا بالدافع التاريخي ولا بالدافع القومي، ليتوجه الى أنقرة التي خاطب فيها رئيسها (وعلناً) الرئيس عبد الفتاح السيسي، بالقول "يا قاتل الديموقراطية"، كما لو أن رجب طيب أردوغان لم يحكم بالسجن على ملكة جمال بلاده، بسبب كلمات اعتبرها مهينة له، وقد زج بآلاف الضباط والقضاة وراء القضبان.

أي معنى للزيارة اذا لم تكن ذات بعد سياسي؟ وكان يفترض أن تكون مصر التي في عيوننا (يا عيون بهية !) الى جانب سوريا حين كان الزلزال الآخر لا يضرب فقط المدن والقرى، بل ويضرب الروح السورية، والعلاقات الخلاقة بين الطوائف وبين الاثنيات . اسألوا نزار قباني اذا كان أحد في سوريا يعلم ما طائفة وما اثنية جاره في المسكن أو زميله في العمل...

الرئيس السيسي كان يعرف ماذا يعني استيلاء "الاخوان المسلمين"على السلطة في سوريا، وهو الذي خبر كيف انقضّوا على الثورة، وباشروا بتدمير روح مصر. لهذا طردهم بالدبابات من الهيكل.

فارق كبير بين مصر، بالبيئة الجيوسياسية الآمنة، وسوريا التي تتاخم تركيا، وقد شرّعت أبوابها أمام كل ذئاب الصفيح لتقطيع الأوصال السورية، بغية تحويلها الى ولاية عثمانية، كما تتاخم "اسرائيل" التي، وبالخلفيات التوراتية اياها، تراهن على ازالة سوريا من الوجود...

لن نشارك آخرين تفاؤلهم الشديد على الشاشات بعودة سوريا الى "الحضن العربي". ما نعرفه أن "الحضن العربي"، بشكل عام، في "الحضن الأميركي" . ما يعني أن على العرب العودة الى سوريا لا العكس.

هنا رهاننا على الأشقاء السعوديين (بالتأكيد أشقاؤنا السعوديون)، الذين لا بد أنهم يدركون أن العلاقة بين دمشق وطهران لا يمكن أن تكون علاقات تبعية . لن تذوب سوريا ولن يذوب لبنان في "الحالة الايرانية" .

سوريا كانت بحاجة الى أي مساعدة حين بات البرابرة في عقر دارها، بادارة المايسترو التركي أو المايسترو "الاسرائيلي" . فوق الجميع السوبرمايسترو الأميركي ...؟

طالما قلنا ألاّ وجود لنظام عربي مثالي . حتى كأفراد تحكمنا النزعة التوتاليتارية. المستشرق الفرنسي جاك بيرك أعاد ذلك الى الفقهاء الذين قدموا الله بـ "تلك الشخصية التوتاليتارية" !

ثمة داخل النظام في سوريا من ثابروا على "الأداء الخشبي"، وحتى على "الرؤية الخشبية" لكل ما يحدث حولهم، كما لو أن الدنيا لا تتغير، بذلك الايقاع الجنوني، وكما لو أن الكارثة لا تهز كل شيء فينا، بما في ذلك أرواحنا (الياباني ياسونارا كاوباتا).

النظام، مثل أي نظام آخر، بحاجة الى تحديث (كلبنانيين كم نبدو مضحكين حين نتحدث عن مثالب الأنظمة الأخرى، ونحن في كنف نظام ـ ومنظومة ـ الأسوأ في التاريخ) . التحديث ليس تبعاً لقرار مجلس الأمن الذي نعرف ما هو، وما هو هواه، من خلال مواقفه الفضائحية من التراجيديا الفلسطينية.

حتما ً، ليس بأي ارادة خارجية، بل عبر هيئة حكماء تفهّم ما هي سوريا، وما تحتاج اليه سوريا، ليبقى رهاننا على اختراق العرب العقوبات الأميركية، وهم قادرون، لأن سوريا بحاجة الى الحياة . حقاً بحاجة الى ... الحياة.

لو كان أمل دنقل بيننا لدعانا الى اقفال "بوابة العار" . العقوبات الأميركية على سوريا هي عارنا...!

الأكثر قراءة

إضراب عالمي لوقف الإبادة في غزة! الخلافات بين واشنطن و«تل ابيب» تتفاقم... بلينكن: بعد الحرب دولة فلسطينيّة! حزب الله يُواصل دكّ تجمّعات ومواقع «إسرائيليّة» عند الحدود مع فلسطين المحتلة