اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، برز بالامس تصريح لافت للمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم براك، أثار جدلاً واسعا حول مستقبل لبنان وعلاقته بجارته سوريا، لجهتة توقيته ومضمونه، وهو الذي تحدث اكثر من مرة عن "غلطة سايكس - بيكو" ومفاعيلها الفاشلة.

تصريح، حذر فيه من أن لبنان قد "يعود ليصبح بلاد الشام مرة أخرى" إذا لم يعالج مشاكله الداخلية، أعاد إلى الواجهة تساؤلات تاريخية وسياسية عميقة، حول سيادة لبنان وموقعه في الخارطة الإقليمية المتغيرة. فما هي الخلفيات الحقيقية وراء هذه الكلام؟ وكيف يمكن قراءته في سياق التفاعلات الجارية بين واشنطن - دمشق - بيروت؟ وهل يُشكل هذا التحذير جرس إنذار حقيقي للبنان؟ أم أنه مجرد مناورة ديبلوماسية في لعبة الأمم المعقدة؟

ورغم التوضيح الذي اصدره لاحقا شارحا حقيقة موقفه، الا انه من الاكيد ان ما ادلى به من تصريحات لم يكن مجرد زلة لسان ديبلوماسية، بل عكس في احد جوانبه قلق أميركي حقيقي له دوافعه المتعددة، التي لا يمكن فهمها الا في سياق التحولات الإقليمية الجارية، والموقع الجيوسياسي المعقد للبنان.

مصدر "لبناني" مقرب من البيت الابيض أوضح خلفيات تصريح براك، داعيا الى قراءته بتأن وفهم رسائله، في ظل محاولات لبنان الرسمي "التعمية" على حقيقة الاجواء والمداولات التي رافقت جولته الاخيرة الى لبنان من جهة، وعدم رضى "خلية الازمة اللبنانية" في الادارة عن نقاشاته في بيروت من جهة ثانية، انطلاقا من الخلفيات التالية:

- سعي الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدر معين من الاستقرار في لبنان، ومنع تحوله إلى بؤرة فوضى أو فراغ أمني، يمكن أن تستغله قوى معادية لمصالحها. فالتصريح، الذي جاء بعد توضيحاته اللاحقة بالتأكيد على دعم الولايات المتحدة، لعلاقات طبيعية بين سوريا ولبنان كـ"جارين متساويين وذوي سيادة"، يعكس رغبة في توجيه لبنان نحو مسار يحافظ على استقلاله.

- توجيه "رسالة صادمة" للبنانيين بمختلف انتماءاتهم، لاختبار ردود فعلهم، ولتحفيز الداخل اللبناني على الخروج من الجمود السياسي، عبر التلويح بخيارات جذرية في حال استمر الانهيار، هو الذي يعرف جيدا كواليس القرار الاميركية والخليجية، وما يجري تداوله من مشاريع.

- التعبير عن فقدان الثقة الغربي والخليجي بالطبقة السياسية اللبنانية، وقدرة النظام اللبناني على الاصلاح، حيث يصبح في ظل ذلك الربط مع سوريا خيارا مطروحا – نظريا – لضبط الأمن والحدود والسيادة.

وهنا يشير المصدر، الى ان تصريح براك هو محاولة لدفع الطبقة السياسية اللبنانية، نحو إجراء إصلاحات حقيقية ووضع حد للجمود السياسي، في ظل غرق البلاد في أزمة اقتصادية وسياسية خانقة، تتفاقم بفعل الفساد المستشري والشلل الحكومي وغياب الإصلاحات، من هنا قوله ان "السوريين يقولون إن لبنان هو منتجعنا الساحلي"، لا يعيد تداول رواية سورية تاريخية فحسب، بل يشير أيضا إلى أن لبنان في حال ضعفه واستمراره في الفشل، قد يصبح هدفا سهلا ، ليس بالضرورة من خلال ضم عسكري مباشر، بل عبر التبعية السياسية والاقتصادية.

- التحوّل الجيوسياسي المحتمل في المنطقة بعد انتهاء الحرب "الاسرائيلية" - الايرانية الى التعادل السلبي، في ظل تقارب إقليمي جديد عناوينه: انفتاح عربي على دمشق، وحوارات سعودية - إيرانية. في هذا الاطار يُمكن أن يكون فهم كلامه كتلميح إلى "نموذج إداري أو اقتصادي مشترك"، وليس ضمّا سياسيا تقليديا، في إطار إعادة تشكيل خرائط النفوذ في الشرق الاوسط.

- الضغط غير المباشر على حلفاء واشنطن في بيروت، من "قوى سيادية" لتحمّل مسؤولياتها، وتجنّب وقوع لبنان في مدار النفوذ السوري – الإيراني الكامل.

عليه يمكن النظر إلى تصريح توم براك عن لبنان و"بلاد الشام" على أنه تحذير استراتيجي أميركي، يرمي إلى دفع الأطراف اللبنانية والإقليمية إلى إعادة تقييم مواقفها. فهو ليس بالضرورة تهديدا مباشرا بضم لبنان عسكريا، بل هو إنذار بأن استمرار الوضع الراهن قد يؤدي إلى فقدان لبنان لسيادته تدريجيا، سواء عبر التبعية السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية.

ففي لعبة التوازنات الإقليمية، يبدو أن واشنطن تسعى لضمان أن يظل لبنان ساحة تنافس. من هنا يبقى السؤال الاساسي الذي يطرح نفسه الآن: هل ستستوعب الطبقة السياسية اللبنانية هذا "التحذير"؟

الأكثر قراءة

لبنان الرسمي مُطالب بموقف حازم من تصريحات باراك جعجع: كلامه مسؤوليّة الحكومة والسلطات الرسميّة مُفاوضات غزة تترنح...حماس: وصلنا الى مرحلة صعبة