اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

حتى يوم امس، كانت المعلومات المتقاطعة تشير الى ان السعوديين لم يفاتحوا الجانب الايراني برغبتهم الحديث عن الملف اللبناني، والعكس صحيح. اليوم، قد يحصل تعديل على هذه الثابتة في لقاء وزيري خارجية البلدين في بكين، وسيكون مفاجأة من العيار الثقيل، لانه ببساطة لم تنضج التسوية بعد، ولبنان ليس على رأس قائمة الاولويات. لكن الحراك الديبلوماسي المكثف يشير الى ان مرحلة «جس النبض»، ومحاولة تحسين الشروط انطلقت ولم تنته بعد. لكن ما هو ثابت باعتراف الجميع «ضمنيا»، ان «قطار» الوصول الى تفاهمات قد انطلق، وبدأت مرحلة تفكيك العقد، هذا الامر قد يستغرق وقتا، ويحتاج الى محطات كثيرة قبل وصوله الى وجهته النهائية، لكن المفارقة هذه المرة ان محطته النهائية لن تكون بعبدا فقط، وانما هناك محطتين فرعيتين: الاولى في السرايا الحكومي، والثانية في الحمرا حيث المصرف المركزي، فيما تبدو محطة اليرزة والتفاهم على منصب قائد الجيش مؤجل الى وقت لاحق، لان الاولوية الآن هو للتفاهم على المناصب الثلاثة، التي تسمح بوضع البلاد على سكة التعافي السياسي والاقتصادي.

هذه المعطيات التي تؤكدها مصادر ديبلوماسية، تسببت بحالة ارباك واسعة لدى القوى السياسية المعارضة لوصول رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية الى قصر بعبدا، خصوصا «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» المتفقين على معارضة انتخابه كل لأسبابه، ولكن في المقابل يختلفان على كل شيء. فمجرد دعوة فرنجية الى باريس والحديث عن الضمانات التي يمكن ان يقدمها للرياض والمجتمع الدولي، بان لا يكون رئيسا لمحور «المقاومة» في لبنان، وغيرها من التفاصيل الخاصة بالعلاقة مع الدول العربية، وملف الاصلاحات، وتعاونه مع رئيس الحكومة المقبل، رفعت منسوب القلق عند خصومه، وقد تكون رفعت من حظوظه، خصوصا بعد التقارب الحاصل بين سوريا والسعودية. لكن هذه المخاوف لم تؤد الى التقارب المنشود بين الطرفين، وانما الى تصاعد الشكوك المتبادلة حيال «خيانة مفترضة» ومتوقعة عندما تبدأ عروض التسوية، ويحاول كلا الطرفين تلمّس الاخبار حيال ما يقدمه البعض من «تحت الطاولة» لجذب احدهما الى «الطاولة» في لحظة الحسم.

فوفقا لمصادر مقربة من «التيار»، تبقى الخشية قائمة ازاء نيات «معراب» التي ترفض كل محاولات «مد اليد» للوصول الى اتفاق حول مرشح رئاسي يقطع «الطريق» على الآخرين، ويجعل امكان تجاوزه داخليا وخارجيا امرا صعبا جدا. وتبقى بواعث القلق في «ميرنا الشالوحي» من مسألتين اساسيتين:

- الاولى عدم قدرة «القوات» على ممانعة اي قرار سعودي محتمل بالمضي بتسوية مع الايرانيين ودول مجموعة «الخمسة»، وهذا قد يدفع بهم الى تأمين نصاب جلسة الانتخاب في دورتها الاولى، دون الزامهم بالتصويت لمرشح «التسوية» الرئاسي، وهذا جزء من «حفظ ماء» جعجع امام محازبيه ومناصريه.

- الاحتمال الثاني المقلق: دخول «القوات» في اتفاق من «تحت الطاولة» مع الفريق الآخر بضغط اقليمي ودولي، لكن مع تحقيق مكاسب وارباح بدأت بعض الاوساط تغري «معراب» بها، ولا يتعلق الامر بتفاهم على حكومة العهد الاولى فقط، وانما على نيل «القوات» منصب حاكم مصرف لبنان بشخص كميل ابو سليمان، الذي يجري الترويج له بقوة في بعض اروقة القرار الخارجي وعند الاميركيين على نحو خاص. وهذا العرض اذا وجد طريقه الى التنفيذ، من غير المستبعد ان تدخل «القوات» ضمن الصفقة «نكاية» «بالتيار»، وحفظا لموقعها في التركيبة الجديدة ضمن مظلة اقليمية ودولية تشبه ما حصل ابان اتفاق الطائف. ومن هنا كانت «رسالة» «التيار» واضحة عبر بيان مكتبه السياسي بالامس، باتجاه كل القوى المسيحية كي تلتفت الى ان التحديات الحالية ليس هامشية بالنسبة الى المسيحيين خصوصا، ولهذا تمنّى البيان ان «يفضي لقاء التأمّل في بيت عنيا إلى تنبيه النواب المسيحيين إلى المخاطر الوجودية على لبنان، وما يجب القيام به لحماية الوطن!

واذا كان «التيار الوطني الحر» لا يرى مخرجاً للأزمة الرئاسية إلا بتفاهم مسيحي- مسيحي يقطع الطريق على رئيس «تيار المردة» ، الا ان «القوات» لا ترى الامور من هذه الزاوية، وانما من خلال رص الصفوف بين قوى سياسية تملك الرؤى السيادية الواضحة، وغير المتأرجحة والمغطاة بالمصالح الشخصية، كما يقول زوار «معراب»، الذي يؤكدون ان رئيس «تكتل لبنان القوي» يحاول تقديم نفسه بانه «الابن الضال» الذي عاد الى «حظيرته» السياسية والطائفية، بينما هو لا يزال يبحث عن فرصة لتعويم نفسه مرة جديدة، بعدما احرق كل «اوراقه» داخليا وخارجيا، وهو امر ليس من مهمة «القوات» التي لن تعمل على تلميع صورته، بعدما «مزق» اتفاق «معراب» قبل ان يجف حبر التواقيع عليه. لهذا لا تكرار لتجربة فاشلة حصلت العام 2016، ولا ثقة بقيادة «التيار»، بل الامر اكثر من ذلك، فالشك قائم اليوم حيال مناورة باسيل المستمرة في «رفع السقوف» مع حزب الله، وثمة خشية مدعمة بالمعلومات، حيال قيامه بمحاولة «تنظيف» سجله الخارجي مع القوى الدولية والاقليمية، وتقديم نفسه بصورة جديدة، لرفع اسمه عن لائحة العقوبات الاميركية، وهي مطالب لن تكون دون اثمان قد تدفع مجددا من «جيب» المسيحيين لحساب مصالح خاصة، ولن يكون مفاجئا ابدا ان «يركب» قطار التسوية، اذا حصل على العروض التي ترضيه.!

هذه الشكوك المتبادلة، لم تنجح بكركي في تبديدها، فيما الخشية تبقى من تمرير تسوية يدفع ثمنها مرة جديدة المسيحيون، في حال اخطأ الحزبان الاكثر تمثيلا في حساباتهما، وبقيا عند محطة الانتظار طويلا، الا اذا سبق احدهم الآخر وصعد الى القطار قبل اي يقلع. فالأميركيون كانوا الاكثر فظاظة عندما لم يضعوا على جدول اعمال زيارة مساعدة وزيرة الخارجية الى بيروت اي موعد لشخصية مسيحية، وثمة عملية تفاوض تجري ، ولا يمكن ان تحصل اي تسوية الا باتفاق على توزيع المناصب الثلاثة التي تشكل اولوية راهنا: رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة وحاكم مصرف لبنان، وهي ستكون حكما متوازنة تأخذ بعين الاعتبار موازين القوى داخليا وخارجيا، ولهذا لا يمكن التمسك برفض الحوار والانتظار.

«الثنائي» لن يتنازل عن منصب رئيس الجمهورية اذا كانت رئاسة الحكومة ستكون «مطمئنة» للسعودية والغرب، والعكس صحيح، ولهذا قد يكون حاكم المصرف المركزي المقبل قابلا «للأخذ والرد»، ومن يحضر السوق «يبيع ويشتري»؟

الأكثر قراءة

عون لم يتكلّم الزيارة تكلّمت