اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

في ظل العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الاميركية على روسيا بسبب حربها ضد اوكرانيا عمدت الصين الى تسريع عملية الانفصال الاقتصادي والنقدي عن الولايات المتحدة الاميركية وهي تمضي قدما في هذا الاطار

جاء ذلك من خلال الدراسة التي اعدها المدير العام لوزارة الصناعة داني جدعون والباحث الاقتصادي العام في الوزارة بسام جوني عن «الحضور الصيني في منطقة شرق المتوسط (الاسباب والتداعيات ) فتحدثت الدراسة عن تطور مشروع طريق الحرير وركائز التقارب الصيني العربي والصراع الصيني الاميركي والاتفاقيات التجارية المتعددة الاطراف وخصوصا العلاقات الاقتصادية الصينية السعودية والعلاقات الاقتصادية الصينية اللبنانية مع العلم اهمية الدور الذي تؤديه الصين اليوم واخرها رعايتها الاتفاق بين السعودية وايران ومحاولتها ايقاف الحرب بين روسيا واوكرانيا .

وضعت الولايات المتحدة الأميركية عقوبات اقتصادية على روسيا وحرمتها من الوصول إلى أصولها المالية وجمّدت لها مليارات الدولارات المودعة في العديد من مصارف دول العالم حيث يقدر وجود احتياطيات بقيمة 630 مليار دولار أميركي تم حظر وصول روسيا إليها من خلال العقوبات الأميركية . بدأت الصين تعد العدة للاستفادة من العقوبات التي وضعتها الولايات المتحدة على روسيا لتسريع عملية الانفصال الاقتصادي والنقدي عن الولايات المتحدة الأميركية حيث بدأت الصين العمل من خلال شركاتها العملاقة الترويج للاستثمارات في الصين كملاذ آمن بديلاً عن روسيا.

إستراتيجية الانفصال الصيني عن النظام النقدي العالمي تقوم على ركيزتين أساسيتين:

• العمل على تأمين الاكتفاء الذاتي للصين ولمن يدور في فلك نظامها الاقتصادي والمالي.

• عدم الاعتماد على الدولار الأميركي كعملة معتمدة في التبادلات التجارية وعملة احتياط عالمية.

بدأت الصين العمل على إطلاق البنك الشعبي الصيني الذي يعتمد على نظام سيبس (نظام صيني خاص للدفع الإلكتروني) للتحويلات المالية. وبدأت باستخدام نظام عملة رقمية عابرة للحدود مرتكزة على اليوان الصيني . والجدير بالذكر إن انهيار الاقتصاد الروسي سيجبر الاقتصادات المرتبطة به ( مجموعة دول البريكس - إيران - فنزويلا- بعض الدول العربية...) على التحول نحو الارتباط بالاقتصاد الصيني ، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف الى تحقيق الانفصال المالي للصين والدول التي تدور في فلك اقتصادها عن النظام النقدي العالمي الحالي واعتماد عملة احتياط عالمية جديدة (عملة رقمية عالمية أو اليوان الصيني أو سلة عملات أو عملة آسيوية أخرى ...) بديلاً عن الدولار الأميركي.

قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، اجتمع الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة إضافة الى43 دولة عام 1944 في بلدة بريتون وودز بولاية نيو هامبشير في شمال شرقي الولايات المتحدة بهدف صياغة النظام المالي والاقتصادي العالمي الجديد وخلق نظام نقدي لتحقيق النمو الاقتصادي٬ زيادة تدفق رأس المال وتسهيل العمليات التجارية بين الدول٬ إضافة الى صياغة منظومة مالية تضمن تثبيت أسعار صرف العملات الدولية Fixed Exchange Rate منعًا للتذبذبات المالية التي أدّت وتؤدي الى حصول أزمات اقتصادية عالمية٬ وتم الاتفاق عل إنشاء مؤسستين دوليتين:

الأولى : البنك الدولي لإعادة البناء والتنمية٬ حيث يتولى تقديم التمويل اللازم لتنمية دول أوروبا الخارجة من الحرب بأسعار فائدة متدّنية.

والثانية : صندوق النقد الدولي٬ تكمن مهمته في إدارة النظام النقدي الدولي .

قبل الحرب كانت أسعار العملات تحدد على خلفية حجم ملكية الدولة لاحتياطات من الذهب ومن الجنيه الإسترليني (الذي كان يعد العملة السائدة دوليًا قبل اندلاع الحرب وتدهور قيمته) . ولكن بعد الحرب جرى تثبيت أسعار صرف العملات على أساس أن يتولى الدولار مهمة الذهب والإسترليني معًا٬ وتقوم الولايات المتحدة بتوفير السيولة من الدولار على المستوى الدولي بديلاً عن الذهب٬ من خلال استعدادها لتحويل الدولار إلى ذهب في أي وقت٬ وفقا للمعادلة الاتية : خمسة وثلاثون دولارًا = أوقية واحدة من الذهب. وتم صياغة النظام المالي العالمي الجديد على أساس تثبيت أسعار الصرف مع السماح بتذبذبها في حدود 1+ أو 1 - في المائة فقط.

لكن الاقتصاد الأميركي لم يصمد طويلاً أمام الضغوط الدولية الناتجة من تمويل عجز الدول على حسابه. الأمر الذي أدّى الى نفاد رصيد الاقتصاد الاميركي من الذهب٬ بسبب زيادة حجم العرض من الدولارات أمام حجم الاحتياطي من الذهب. وكانت النتيجة أن بدأ الدولار الأميركي يفقد قيمته الحقيقية وبدأ النظام النقدي العالمي يهتز ومعه النظام الاقتصادي الجديد. عندئذ اضطرت الدول الكبرى الى العمل على إنقاذ الدولار ومعه النظام النقدي٬ حيث جرى الاتفاق على تدخّل البنوك المركزية في مختلف دول العالم لتخفيف حدة الضغط على الذهب. على ان تقوم المصارف بعرض نسب من احتياطيات الذهب لديها كلما زاد حجم الطلب بهدف تخفيف الضغط عن الدولار. إلا أن الأزمات الدولية المتلاحقة أدّت الى إلغاء فكرة تثبيت أسعار الصرف العالمية لتدخل النظام الدولي الى النظام الجديد الذي يعمل ضمنه اليوم.

في عام 1960، وقف الاقتصادي الأميركي من أصل بلجيكي «روبرت تريفين» أمام الكونغرس ليدلي بشهادته، ولم يتردد للحظة في توجيه النقد اللاذع لنظام «برايتون وودز»، الذي قال إنه حُكم عليه بالفشل لأنه لن يحقق التوازن المطلوب لضمان الاستقرار النقدي للاقتصادين المحلي ألاميركي والعالمي. رأى «تريفين» أن توقف الولايات المتحدة عن تسجيل عجز بميزان المدفوعات، يعني خسارة المجتمع الدولي أكبر مصدر لتدفق الاحتياطيات النقدية من الدولار الأميركي ، ومع نقص السيولة سيدفع بالاقتصاد العالمي إلى دوامة انكماشية وسلسلة من الاضطرابات وعدم الاستقرار. في المقابل، فإن استمرار العجز في الولايات المتحدة، يضمن تواصل تدفق الدولارات إلى النظام العالمي ودفع النمو الاقتصادي ، ومع ذلك، فإن العجز المفرط في الولايات المتحدة من شأنه أن يؤدي إلى تآكل الثقة في قيمة الدولار.

النتيجة٬ وقوع الولايات المتحدة بين قوتين متعاكستين٬ قوة النقود التي تحتاج اليها للإنفاق الداخلي، الأمر الذي يؤدي إلى عجز في الموازنة، عندئذ تقوم بالاستدانة لتمويل العجز من جهة. وقوة الاحتياطات النقدية التي يحتاج اليها المجتمع الدولي لتمويل السيولة العالمية بالدولار الأميركي من جهة أخرى.

لذلك عملت الولايات المتحدة على عقد صفقة البترو- دولار عام 1973 الشهيرة والهادفة لبيع برميل النفط بالدولار الأميركي والتي شارك فيها وزير الخارجية الأميركي آنذاك وليام سيمون مع الوفد السعودي، حيث اشترط الجانب الأميركي وضع عدة بنود في الاتفاقية وأهمها أن تستثمر عوائد بيع النفط في شراء سندات الديون الأميركية والاستثمار في الولايات المتحدة الأميركية. وجدت السعودية مصلحتها في شراء سندات الديون السيادية الأميركية والاستفادة من الفوائد العالية حينئذ. الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تعهدت بأن جزءاً من عوائد سندات الديون الأميركية سيذهب إلى تمويل المصارف التنموية كالبنك الدولي لتنفيذ مشاريع تنموية وتمويل قروض ميسرة للدول النامية في أفريقيا وأميركا الجنوبية . بلغت قيمة سندات الديون السيادية التي تمتلكها السعودية 121.1 مليار دولار عام 2022 . وبهذا تحتل السعودية المركز 16 بين مجموع الدول الدائنة للولايات المتحدة. 

الأكثر قراءة

جلسة ١٤ حزيران للعد والأحجام والصورة والاتصالات الداخلية «مكانك راوح» جنبلاط ينتظر وباسيل يناور على الجميع... جعجع للمواجهة و«الثنائي» لن يتراجع عمليات حدودية تستهدف صناعة الكبتاغون بتنسيق لبناني ــ سوري ــ عراقي ــ اردني