اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

واضح من تغريداته شغفه بالتراث، بلغة التراث وبأهل التراث. والحال هذه، هل يمكن وصف مقاربة السفير وليد البخاري للملف الرئاسي بـ «ديبلوماسية الخوارزمي»، نسبة الى عالم الرياضيات الشهير أبي عبدالله الخوارزمي. (على كل ثمة قربى جغرافية وتاريخية بين بخارى وخوارزم).

لكي لا يظهر البخاري وكأنه يبغي الالتقاء فقط باصدقاء المملكة ـ ثمة علاقات كثيرة ستتغير عقب اتفاق بكين ـ ليبلغهم رأيها في ذلك الملف، جال على غالبية الأفرقاء مؤكداً أن بلاده لا تضغط على أي جهة للتراجع عن موقفها، ما دام الجميع يتحدثون عن رئيس للجمهورية يكون صناعة محلية لا مستورداً كما اللحوم المبردة...

كاستنتاج رياضي (خوارزمي). صاحب السعادة أراد القول، لمن ينتظرون قوله، ابقوا على مواقفكم الرافضة لانتخاب سليمان فرنجية، كونه ينتمي الى المنظومة اياها التي دفعت الى كل هذا الخراب.

هناك وجه آخر لكلام البخاري. الرياض قد تكون الأكثر ادراكاً لما يجول في الرأس الأميركي. يتردد أنه عندما زار السناتور الجمهوري البارز لندسي غراهام قصر اليمامة، بعد حملته الضروس عليه، أبلغ المعنيين بأن الادارة تعارض وصول أي مرشح من «انتاج» دمشق أو حارة حريك الى القصر، والا فان لبنان سيكون أمام احتمالات خطيرة، وتهدد حتى وجوده !

ما يستشف من الأجواء الباريسية أن»الموقف المائع» أو «الموقف الضائع» لواشنطن من الملف اللبناني، جعل الاليزيه يعتقد أن الأميركيين تركوا له أن يكون الوسيط الغربي في ذلك الملف، دون أن يتنبه الى وجود أكثر من مركز للقوة داخل الاستبلشمانت. من هنا بدأت الاشارات الفرنسية المتلاحقة حول التراجع عن المعادلة الثنائية، التي حاول باتريك دوريل تسويقها عبر غابة من اللاءات.

تزامناً، كانت السفيرة دوروثي شيا تنقل الى معارضي انتخاب زعيم «تيار المردة» دعم بلادها لهم. واذا كانت المشكلة السعودية ـ الايرانية قد حلّت لتفتح آفاقاً جديدة في المنطقة، فان المشكلة الأميركية ـ الايرانية في ذروة احتدامها. وهذا ينسحب بالضرورة على الموضوع اللبناني. النتيجة صراع اللاءات ليدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مقفلة.

من يكسر هذه الحلقة القاتلة ؟ في باريس يقولون أن الايرانيين والسوريين ليسوا مستعدين لاعادة علاقاتهم مع السعوديين الى الوراء. في لحظة ما، قد يظهرون مرونة في موضوع المرشح البديل، ومع اعتبار أن صلاحيات رئيس الدولة صلاحيات ملتبسة، ومحاطة بالأسلاك الشائكة.

السعوديون تحدثوا أكثر من مرة عن المواصفات. هنا لا داعي للتأويل أو للاجتهاد، ما دامت هذه المواصفات تنطيق على مرشحين دون آخرين. هذا ما يقال الآن في العاصمة الفرنسية التي تسعى لأفضل العلاقات مع المملكة التي، في نظر من تمكنا من لقائهم، معنية الى أبعد الحدود بحل مشكلات المنطقة.

صحيح أن الهم الاساسي للسعوديين يتمحور حول المشكلة اليمنية، لكن المشكلة السورية (بامتدادها اللبناني أو بالعكس) تعنيهم أيضاً. وقد أحيطوا علماً بأنه اذا انتخب رئيس للجمهورية في لبنان لا يتلاءم مع رؤية واشنطن، لن تكتفي بوقف المساعدات، بل انها ستقفل أبواب صندوق النقد الدولي، وسائر الأبواب الأخرى أمامه، والى حد التلويح بعقوبات لا بد أن تدفع بوتيرة الانهيار الى حدود تهدد الوجود اللبناني.

سؤالهم هنا ماذا يقول الثنائي الشيعي أمام تلك الوقائع (أجل الوقائع) ؟ كل من الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله دعا الى الحوار الذي لا يفهم أحد كيف يمكن لأي جهة، ووسط هذا الجحيم أن يرفضه. لكننا في بلد العجائب، ان لم نقل في بلد الرسوم المتحركة..

أي حوار، بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، يعني استعداد كل طرف الى التنازل. في الحالة اللبنانية امكانية التوافق على رئيس للجمهورية يحظى بقبول الجميع، أو بقبول الأكثرية على الأقل.

هذا هو منطق الاشياء. المنطق اياه الذي كان وراء الاتفاق السعودي ـ الايراني. أما من منطق للاتفاق اللبناني ـ اللبناني؟

اعتدنا على رئيس يهبط من المدخنة. لا خيار أمامنا سوى الانتظار. عسى ألا يكون مثل انتظار غودو في رائعة كاتب اللامعقول صمويل بيكيت...

الأكثر قراءة

هكذا نفّذت عمليّة اصفهان العسكريّة – الأمنيّة المركبة