اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

بعد ساعات على انتهاء مناورة حزب الله في الجنوب، وقبل ساعات على خطاب امينه العام السيد حسن نصرالله في ذكرى التحرير، خرجت الى العلن تصريحات لمسؤولين اسرائيليين كشفت حجم التوتر المتصاعد في المنطقة، ودلت ايضا على دلالة توقيت»رسالة» المقاومة، التي تقصدت اجراء مناورة عسكرية ردعية على مسمع ومرأى مئات الصحافيين وطبعا الاسرائيليين. فهل التصعيد الاسرائيلي السياسي والعسكري والتهديدات المعلنة ضد إيران وحزب الله جدية؟؟ او هي مناورة لحجب الانظار عن الازمة الداخلية؟ هل هي حرب اعلامية استباقية لمنع تدهور أمني محتمل؟ وهل «اسرائيل» قادرة اصلا على شن حملة عسكرية على إيران بدون الولايات المتحدة التي تتحفظ عن الفكرة؟ وهل تستطيع «اسرائيل» تحمّل حرب على عدة جبهات او ما بات يعرف بوحدة «الساحات»؟

مصادر ديبلوماسية اوروبية لم تعد مطمئنة كثيرا الى ما يسمّى «الردع المتبادل» على الحدود الشمالية لاسباب كثيرة، اهمها التغيير المفاجىء في العلاقة السعودية - الايرانية التي اشعلت الضوء الاحمر في «اسرائيل»، التي ترى ان التفاهم جاء لمصلحة طهران وحلفائها في المنطقة، ومن ضمنهم حزب الله في لبنان.

ووفقا لتلك الاوساط، لا يجب التغاضي ابدا عن تسريب غير بريء، قامت به وسائل إعلام إسرائيلية لخبر مفاده انه تم إبلاغ وزراء المجلس الوزاري السياسي الأمني المصغر (الكابينيت) بعقد جلسة قريبا لمناقشة التطورات على «الجبهة الشمالية». وهذا يؤشر الى ان قرارا محوريا سيتخذ على متسوى رفيع جدا للتعامل مع مستجدات على هذه الجبهة، ردا على ما حققته ايران من تقدم هائل في تخصيب اليورانيوم، وعودتها الى القيام بدور مركزي على الساحة الاقليمية، تزامنا مع تراجع الدور الاميركي.

وبلغ التصعيد خلال الساعات القليلة الماضي حدا غير مسبوق، فقد دخل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على خط التهويل قائلا «إن إسرائيل تفاجئ إيران دوما، وسوف تفاجئ كل أعدائها». بالتزامن، صدرت عن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي تصريحات تصعيدية أخرى قال فيها «إن نتنياهو سيحصل على دعم لضرب منشآت إيران النووية إذا استُنفدت كل الطرق». وفي إشارة الى التحصينات الإيرانية في جوف الأرض، قال «سنصل الى كل هدف في إيران أينما كان»، معتبرا خلال محاضرة في مؤتمر هرتزيليا للدراسة السياسية والاستراتيجية، «أن تخصيب إيران اليورانيوم بنسبة 90% خط أحمر». وقال «ان واشنطن تعتقد أن الحل الديبلوماسي وارد لثني إيران عن مشروعها النووي، لكن إسرائيل تشكك في ذلك»!

كما صدرت تصريحات مشابهة عن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال زيارة تفقدية أجراها لفرقة غزة العسكرية وقاعدة حاتسور الجوية، عندما قال «إن ثمة تطورات على مستوى الملف النووي الايراني قد تدفع إسرائيل الى التحرك». وقد المح غالانت الى «احتمال اندلاع مواجهة مع حزب الله»، وقال «إن سلاح الجو الإسرائيلي نفذ عملياته خلال المواجهة الأخيرة مع غزة بنجاح كبير، لكن الهدف الرئيسي الذي تستعد له إسرائيل في المرحلة الراهنة هو أكثر تعقيدا وصعوبة وأهمية، ويجب على سلاح الجو أن يكون مستعدا في كل لحظة»! اما قائد اركان الاحتلال هرتسي هليفي، فقد اكد في كلمة أمام المؤتمر ، «أن إسرائيل تمتلك قدرة على ضرب إيران وما تحاول أن تبنيه حولها»، مشددا على أن حزب الله «مرتدع بشدة» عن شنّ حرب شاملة، و»أن إسرائيل مستعدة جيدا على الجبهة الشمالية».

هذه الخلاصة عن «ردع» حزب الله، ترى فيها اوساط معنية بالملف، خطورة كبيرة لانها تحمل سوء تقدير واضحا للموقف على هذه الجبهة مع الحزب، الا اذا كانت التقديرات مجرد كلام للاستهلاك الداخلي. فحزب الله هو من يفرض الردع على «اسرائيل» وليس العكس، وهو من وضع قواعد الاشتباك واجبر «اسرائيل» على الالتزام بها بعد حرب تموز. والمناورة الاخيرة كانت ردعية على نحو لا يقبل اي التباس، وهي تاتي في توقيت حساس جدا، وتحمل «رسالة للاسرائيليين» بعدم اجراء حسابات خاطئة على الجبهة الشمالية لان الثمن سيكون باهظا.

وفي هذا السياق، لم يكن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية أهرون حليفا، صادقا عندما اتهم السيد نصرالله بانه قد يرتكب خطأ في وقت قريب يقود الأوضاع المتدهورة في المنطقة إلى حرب كبيرة، لان من يراكم الاخطاء حكومة نتانياهو التي تتخبط في ازمة داخلية عميق ستنفجر في الشارع من جديد على نحو غير مسبوق، وقد يحاول الهروب الى الامام بالتصعيد مع طهران وحلفائها في المنطقة، ولهذا كان توقيت المناورة مهم جدا، وهو يقول «للاسرائيليين ممنوع الغلط». وليس العكس ابدا.

واذا كان هناك من يرى ان نتنياهو يستثمر هذه الأجواء، ويعود لاستخدام إيران وحزب الله فزاعة ليقنع الإسرائييليين بأن «إسرائيل» بحاجة الى حكومة قوية كحكومته، من أجل كسب نقاط وزيادة شعبيته في معركته الداخلية الصعبة، فانه لا يجب ايضا استبعاد نظرية « المغامرة خارجيا بحرب»، كما تقول تلك الاوساط التي اعادت تسليط الضوء على ما قاله يوم امس الاربعاء، رئيس حزب «الوحدة الوطنية الإسرائيلي» المعارض بيني غانتس، الذي حذر نتانياهو بـ «زلزلة البلاد» في حال أعاد طرح مشاريع قوانين «الاصلاح القضائي» على الكنيست لاقرارها. وقال غانتس عبر تويتر»أذكّر نتنياهو بأنه من الغباء تكرار الإجراء نفسه وتوقع نتائج مختلفة، إذا عاد الانقلاب إلى الطاولة، سنزلزل البلاد ونوقفه»...

وسواء تحول التهديد الى واقع ام بقي مجرد تهويل، فان صحيفة «يديعوت أحرونوت الاسرائيلية» كان لها وجهة نظر واضحة حيال النتائج المرتقبة لاي تصعيد، واشارت الى إنه في الوقت الذي تحذر فيه القيادة العسكرية من اقتراب موعد الانفجار مع لبنان، الذي يمكن ان يكون مقدمة لحرب على عدة جبهات، فإن الحكومة على ما يبدو لم تستخلص العبر، ولم تتخذ القرارات الصحيحة ببناء القوة الحاسمة والاستعداد لكل الاحتمالات. فهي خبرت فداحة الحرب مع حزب الله عام 2006 ، وتدرك كمية الصواريخ الدقيقة الكثيرة التي بحوزته والتي ستلحق أضرارا هائلة بالعمق الإسرائيلي، لكنها تتعرض لضغوط يمينية متطرفة، تنتقد السماح لحزب الله بمضاعفة قدراته والتردد في مهاجمته، ومنعه من امتلاك تهديد استراتيجي حقيقي خوفا من نتائج حرب لبنان الثالثة على الجبهة الداخلية في «إسرائيل»، حيث هناك توقعات بمقتل آلاف الإسرئيليين جراء الصواريخ الدقيقة، لأن القبة الحديدية لن توفّر شبكة أمان كافية.

هذه الخلاصة تبدو واقعية جدا، ولهذا حزب الله لا يخشى الحرب اذا وقعت، لكنه لا يسعى اليها، بل يريد حماية قواعد الاشتباك الحالية ، ومنع «اسرائيل» من الذهاب الى تصعيد «مجنون»، وهو امر سيؤكد عليه السيد نصرالله في كلمته اليوم.