اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

أمّا وقد احترفنا الاختباء وراء الزجاج ـ ولطالما تحطم فوق رؤوسنا هذا الزجاج ـ لم نسأل، الا للاستهلاك الاعلامي، أو للاستهلاك الشعبوي، عن السبب في انفجار أزمة لدى انتهاء ولاية كل من رؤساء الجمهورية.

لم يعد هناك غازي كنعان ليضع أمامنا الاسم المقدس. كثر الطهاة لنتسكع، بين بلاط وبلاط، بحثاً عن رئيس، ولو على شكل جثة تلقى على باب القصر. لا بد أن يكون هناك خلل في مكان ما. خلل في الدستور، أوخلل في النظام، وحتى في التركيبة السوسيولوجية للدولة...

صراع حول الاسم. لا صراع حول البرنامج، ولا حول الرؤية، في بلد يترنح، منذ سنوات على أبواب جهنم. ربما اسوأ من ثقافة الفساد. ثقافة التفاهة!

اصطفاف مسيحي (مع آخرين) في مواجهة اصطفاف شيعي (مع آخرين). هذه لغة الخندق لا لغة الأفق. واقعنا المروع يشير الى أن الجمهورية الثانية، وقد ولدت، انتقالياً، في الطائف، تلفظ أنفاسها الأخيرة. لا بد من الجمهورية الثالثة التي تتخطى منطق الطوائف، ومنطق المافيات. ولكن أين هو المايسترو الذي يفرض منطق الدولة. الدولة التي مثلما تصنع رجال الدولة، يصنعها رجال الدولة؟

مشكلتنا أننا في بلد التسويات، لا في بلد الثورات، ولا حتى في بلد الانقلابات العسكرية. ارتضينا أن نكون رعايا (أو ضحايا) كونسورتيوم الطوائف وكونسورتيوم القبائل. مرات، ومرات، قارنا بين هذا الكونسوريوم واللوياجيرغا الأفغانية (مجمع القبائل) التي شقت الطريق الى السلطة أمام حركة «طالبان»، بتلك الأدمغة الهمجية. أمام من تشق الطريق اللوياجيرغا اللبنانية ؟

في فرنسا، قيل لأكثر من جهة لبنانية انكم تختارون الاسم بمنطق من يختار حارس مقبرة لا بمنطق من يختار رئيس دولة. الواقع يفترض أن يكون الصراع حول المفاهيم، وحول البرامج، وحول الرؤى، لا حول الشخص الذي، بالصلاحيات الملتبسة المعطاة له، يكاد يكون القبعة الفارغة على كرسي فارغ.

«الميثاق الوطني» عام 1943، لا يمكن أن يكون ميثاقاً لدولة قابلة للحياة، وثيقة الطائف كانت كالمدخل الى الدولة ـ الدولة لا الى الدولة ـ الطائفية، وحيث الحرب الأهلية وراء الباب.

الاصطفاف المسيحي، بالأحرى الاصطفاف الماروني. ألم يسأل جبران باسيل، وسمير جعجع، وسامي الجميّل، عن مآل ذلك الاصطفاف عقب انتخاب رئيس للجمهورية، وان كان الرئيس من «النوع» الذي يريدونه. لا بد من العودة الى الخنادق. هذا ما تقوله الطائفة (أو الطوائف)، وان قيل مثلما لا يزال الثنائي الشيعي، وقد قام اثر صراعات دموية بين الطرفين، على قيد الحياة، من الطبيعي أن يبقى الثلاثي الماروني على قيد الحياة...

لا يمكن أن نتصور، وفي ظل الفسيفساء اللبنانية، أن ذلك الاصطفاف يحمي الدور، كما الوجود، المسيحي. على العكس من ذلك قد يفضي الى تقليص الدور، وحتى تقليص الوجود، ما يعني تفكك الدولة اللبنانية. وهذا ما يثير التوجس لدى الفاتيكان، كما لدى الاليزيه.

ألم يتحطم اتفاق معراب لأنه قام على لعبة المصالح، أي على مبدأ المحاصصة التي هي الأساس في سقوط القيم، وفي سقوط المفاهيم (وحتى المعايير الفلسفية) التي تقوم عليها أي دولة قابلة للحياة، ولا تتهاوى عند أي هزة، أو أي صدمة، داخلية أو خارجية...

هكذا يحكى عن الاصطفاف الثلاتي اذا ما تمحور حول الاسم، لا حول الاستراتيجية الخاصة بانقاذ الدولة. كوكتيل من النرجسيات التقت على اسم محدد، ولكل خلفياته، وحيثياته، التي لا يجمع بينها سوى العداء لاسم معين، أو لجهة معينة، دون الاكتراث بما تقتضيه مصلحة البلاد العليا.

لو قيّض للمسيحيين أن يتخلصوا من التعليب الطائفي، وحتى التعليب السياسي، وهذه بلوى سائر الطوائف، لقالوا، كما قال ريمون ادة «نريد موارنة جبران خليل جبران» لا موارنة جعجع، ولا موارنة باسيل، ولا موارنة الجميّل، وبطبيعة الحال لا موارنة فرنجية.

ما كتبه جبران في «النبي» الذي أقبل عليه القادة الأميركيون اقبالهم على الكتاب المقدس، لم يقترب منه القادة اللبنانيون. لا نراهن على أن تكون لدى ساستنا رؤية ـ ورؤيا ـ الأنبياء. فقط نراهن على أن تكون لديهم، ولو للحظة، رؤية ـ ورؤيا ـ رجال الدولة... 

الأكثر قراءة

جبهة الجنوب تترقب «عض الأصابع» في الدوحة... وجيش الإحتلال في محنة سفراء «الخماسيّة» يُروّجون لمرونة وهميّة: تهيئة الأرضيّة لما بعد الحرب! «بضاعة» باسيل كاسدة مسيحياً... برودة في بكركي... وسلبيّة «قواتيّة» ــ «كتائبيّة»