اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لم يعد القمار في لبنان مجرد نشاط محصور داخل جدران كازينو لبنان. فبفضل عقد مشبوه ومخالف للقانون، بات “الكازينو” الإلكتروني في كل بيت، عبر تطبيق “BetArabia”، فسقط المراهقون في فخ الإدمان، ودخلت الأمهات دوامة الخسارة، وتفككت أسر كثيرة، بينما المسؤولون عن هذا الخراب كانوا ينعمون بالأرباح ويتقاسمون العمولات في غرف مغلقة.

في تشرين الثاني 2022، وقّعت إدارة كازينو لبنان برئاسة رولان خوري عقدًا مع شركة OSS التي يملكها جاد غاريوس "بالشراكة" مع داني عبود، لتشغيل ألعاب الميسر والمراهنات عبر الإنترنت. هذا العقد لم يمر بمزايدة عامة، ولم يستند إلى أي صلاحية قانونية، إذ إن مرسوم مجلس الوزراء الرقم 9178 الصادر سنة 2012 أوكل حصرًا إلى مديرية اليانصيب الوطني في وزارة المالية تنظيم هذه الألعاب.

رغم وضوح المخالفة، استمرت الشركة في تشغيل المنصة، وبدأت بتوسيع نفوذها عبر فتح صالات قمار في مختلف المناطق، بحجة أنها “فروع رسمية للكازينو”، وهو ما اعتبرته جهات قانونية تحايلا سافرا. ومع مرور الوقت، بدأت تتكشّف فصول أكبر وأخطر من مجرد مخالفة قانونية.

في منتصف 2023، أصدر ديوان المحاسبة رأيا استشاريا حاسما، أكد فيه أن لا صلاحية للكازينو في تشغيل ألعاب القمار عبر الإنترنت، وأن العقد الموقع مع OSS باطل. لم تلتزم إدارة الكازينو بهذا القرار، واستمرت المخالفات، إلى أن فتحت النائبة العامة المالية بالإنابة القاضية دورا الخازن الملف بناءً على إشارات قضائية، لا سياسية، فأوكلت لجهاز أمن الدولة، بإمرة اللواء إدكار لوندس، مهمة تنفيذ الإجراءات القانونية.

تحرك جهاز أمن الدولة بهدوء وفعالية، فدهم مبنى الكازينو وصادر الأجهزة، كما دهم مراكز مرتبطة بالشبكة، وبدأت سلسلة توقيفات شملت حتى الآن 18 شخصا، أبرزهم جاد غاريوس وداني عبود، فيما خضع رولان خوري لاستجواب طويل دام ساعات طويلة ، وابراز أوراق وأقوال تثبت تورطه. كما وتم إقفال أكثر من 15 مركزا غير شرعي تابع لتطبيق BetArabia.

التحقيقات كشفت عن شبهات تبييض أموال، وتهرب ضريبي، وصفقات تجري “خارج الدفاتر”، بمبالغ بملايين الدولارات، فيما لا تدخل الأموال إلى الخزينة، بل توزّع على المتورطين. الأدهى أن هذه الشبكة لم تكن تعمل وحدها، بل بدعم واضح من شخصيات سياسية نافذة. فقد تبين أن وزراء ونوابا سابقين كانوا يتقاضون آلاف الدولارات شهريا، من أرباح هذه المنصة، مقابل تغطية سياسية، وتمريرات قانونية غير شرعية، وعرقلة أي مساءلة.

هذه الشخصيات لا تزال حتى اليوم تظهر على المنابر وتدافع عن الناس وتدّعي الوطنية، لكنها في الواقع كانت جزءا من شبكة تدمير المجتمع اللبناني من الداخل. فهي لم تسرق فقط المال العام، بل ساهمت في إدخال القمار إلى البيوت وإفقار الناس، ودفعهم إلى الإدمان والانهيار النفسي والاجتماعي.

المؤلم أكثر، أن مراهقين لا تتجاوز أعمارهم 13 و14 سنة، باتوا مدمنين على القمار الإلكتروني، وقد سُجّلت حالات انهيار أسري نتيجة هذه اللعبة. البعض خسر مدخراته، والبعض الآخر استدان ووقع في شباك الديون. وكان كل ذلك يجري بغطاء من إدارة الكازينو وشركة OSS، ودعاية منظمة توهم الناس بأن هذا النشاط “مرخّص” و ”قانوني”، فيما هو في الحقيقة جريمة موصوفة ضد اللبنانيين.

رئيس مجلس إدارة الكازينو رولان خوري، المقرّب من "التيار الوطني الحر"، عُيّن في هذا المنصب خلال عهد الرئيس السابق ميشال عون، أما جاد غاريوس فهو الواجهة المالية لمشروع BetArabia "بالشراكة" مع داني عبود، وقد أسسوا شبكة عمليات مالية تمتد إلى شركات تحويل أموال، وتستخدم أنظمة مشفّرة ومكاتب وسطاء ومندوبين لجمع الأرباح وتوزيعها.

التحقيقات مستمرة، وقد شملت حتى الآن شخصيات من الصف الثاني، لكن المؤشرات تدل على أن الأسماء الكبيرة لم تُذكر بعد. وهناك قناعة لدى المعنيين أن “الأوراق الثقيلة” ستُسقط خلال الأيام المقبلة، لأن الشبكة كانت محصّنة سياسيا، وتعمل وفق منظومة معقّدة هدفها تحقيق الربح مقابل تدمير المجتمع.

اليوم، لبنان أمام مفترق حاسم. إمّا أن تستكمل هذه العملية، ويُحاسب كل المتورطين بالأسماء، من الوزير والنائب السابق إلى المدير والمشغل، أو يُترك هذا الملف كما غيره، وتضيع العدالة مرة جديدة. الكلمة الآن للقضاء وللرأي العام، الذي لم يعد يحتمل هذا الكم من التلاعب بحياته ومستقبله.

الأكثر قراءة

المبعوث الأميركي آتٍ... والبلاد على الحافة معركة قانون الانتخاب تُهدّد بتعطيل المجلس حملة امنية على الحدود بعد التوقيفات الداعشية