اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

تشهد أوروبا انتعاشاً بالطلب على المساحات الصناعية، في ظل التوجه نحو "تقليل الاعتماد على الصين" ومع رغبة الشركات والمصنعين في الاقتراب إلى عملائهم بشكل مباشر في القارة.

ورغم تلك الانتعاشة والتي تأتي في ظل ثقة متزايدة من قبل الشركات والمصنعين في القدرات الصناعية الأوروبية، إلا أن مجموعة من التحديات الواسعة تعترض ذلك التوجه، على رأسها "العمالة" وتكلفة الإنتاج، مقارنة بالصين.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، فقد ارتفع الطلب على المصانع في أوروبا بنسبة 29 بالمئة خلال العام الماضي وسط اندفاع من جانب المصنعين والمستثمرين بهدف تقليل الاعتماد على الصين لسببين رئيسيين، هما (المخاوف الجيوسياسية وأزمة سلسلة التوريد).

على الرغم من الانكماش الاقتصادي في المنطقة، يقوم المصنعون في جميع أنحاء العالم باقتناص المزيد من المصانع الأوروبية.

يهدف المصنعون والشركات-المدفوعون بمخاوفهم بشأن التوترات الجيوسياسية وأزمة سلسلة التوريد، إلى تقريب عملياتهم من العملاء في أوروبا مباشرة.

واستحوذت الشركات أو استأجرت 9.6 مليون قدم مربع من المساحات الصناعية في أوروبا في العام 2022، بزيادة قدرها 29 بالمئة مقارنة بالعام 2021، بحسب البيانات الصادرة عن Cushman & Wakefield، وهي شركة أميركية عالمية للخدمات العقارية التجارية تغطي تحليلاتها المعاملات العقارية في تسع دول أوروبية، بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا.

ثقة متزايدة في القدرات الأوروبية

من جانبه، يشير المحلل والكاتب الصحافي من برلين، محمد خفاجي، إلى أنه:

في السنوات الأخيرة، شهدت دول الاتحاد الأوروبي زيادة في الطلب على المصانع والقطاع الصناعي في المنطقة.

هذا يشير إلى أن هناك ثقة متزايدة في القدرات الصناعية لأوروبا. ومع ذلك، فإن الاعتماد الكامل على الصناعة الأوروبية واستبدال الصين بشكل كامل قد يكون تحدياً صعباً.

تعتبر الصين واحدة من أكبر دول الصناعة في العالم، وتتميز بتكاليف الإنتاج المنخفضة والقدرات التصنيعية الهائلة. وبالإضافة إلى ذلك، تعتبر سوقاً كبيرة للمنتجات الصناعية، ما يشجع الشركات على الاستثمار في توسيع نشاطها هناك. كما أن هنالك استثمارات أوروبية كبيرة في الصين تجعل الترابط مع الاقتصاد الصيني أكثر قوة وتعقيداً.

ونقل تقرير صحيفة "فاينانشال تايمز" عن رئيس الخدمات اللوجستية والصناعية بشركة كوشمان ويكفيلد في أوروبا، تيم كرايتون، قوله: "العملاء يقتربون أخيراً من خلال الاستثمار في الإنتاج الأوروبي.. لذا فهم أقل اعتماداً على الصين بالإضافة إلى المواقع البعيدة الأخرى".

يستحوذ المصنعون من آسيا إلى أوروبا على مصانع أوروبية استجابة لطلب العملاء في القارة، الذين استعانوا في العقود الأخيرة بمصادر خارجية لإنتاج عديد من السلع التي يشترونها، سواء من الصين وغيرها من مراكز التصنيع منخفضة التكلفة.

ويأتي الطلب المتزايد على المصانع الجديدة في الوقت الذي انخفضت فيه المساحات الصناعية الأوروبية مع تراجع الإنفاق الاستهلاكي الذي دفع تجار التجزئة وأصحاب المستودعات إلى تقليص الاستثمارات.

وتعيد الشركات التفكير في استراتيجيتها مع تعميق التوترات بين الحكومات الغربية وبكين، فضلاً عن الاضطراب الشديد في سلاسل التوريد العالمية أثناء جائحة كوفيد -19، وفق الصحيفة.

وقال كريتون إن استخدام الروبوتات في التصنيع (..) خلق حالة "مقنعة" للشركات الأوروبية لتعزيز الإنتاج بالقرب من المستهلكين.

تعزيز القدرات الصناعية

وبالعودة لتصريحات خفاجي، فإنه يشير إلى أن الاتحاد الأوروبي يعمل على تعزيز قدراته الصناعية وتطوير الابتكار في مجال الصناعة. ويوجد عديد من القطاعات التكنولوجية القوية في أوروبا مثل السيارات والطيران والصناعات الدوائية والتكنولوجيا النظيفة. ويتمتع القطاع الصناعي الأوروبي بجودة عالية ومعايير صارمة فيما يتعلق بالجودة والسلامة والحماية البيئية.

ويضيف خفاجي: "تعتبر أوروبا واحدة من أكبر القوى الاقتصادية في العالم، وتتمتع بقدرات صناعية قوية في عديد من القطاعات. على سبيل المثال، تعد صناعة السيارات في ألمانيا وفرنسا من أكبر القطاعات الصناعية في العالم، وتشتهر بالتكنولوجيا المتقدمة والجودة العالية. وهناك أيضاً عديد من الشركات الأوروبية الكبرى في مجالات مثل الطيران والمعدات الطبية والتكنولوجيا النظيفة".

ويستطرد: "تشهد ألمانيا والصين على سبيل المثال تبادلاً تجارياً قوياً في القطاع الصناعي. وفقاً للإحصاءات الرسمية، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وألمانيا (297.9 مليار يورو في 2022)، وتعتبر الصين شريكاً تجارياً رئيسياً لألمانيا في مجالات مثل السيارات والآلات والمعدات الصناعية. وهذا يعزز العلاقة الاقتصادية بين البلدين ويجعل من الصعب أن يستغني أحدهما عن الآخر".

ويوضح أن الاستثمارات المتبادلة لعبت دوراً مهماً حيث تعد الصين من أهم الدول التي تقوم الشركات الألمانية بتصنيع منتجاتها فيها، فعلى سبيل المثال تدير شركة صناعة السيارات الألمانية العملاقة فولكسفاجن في الصين حولي 27 موقعاً للإنتاج يحتوي على 40 مصنعاً.

كما يشير أيضاً إلى أن الدول الأوروبية تولي أهمية كبيرة للابتكار والبحث والتطوير في القطاع الصناعي. يتم تخصيص استثمارات ضخمة لتطوير التكنولوجيا والابتكار في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات والتكنولوجيا النظيفة والتصنيع الذكي. هذا يعزز قدرة أوروبا على تطوير منتجات ذات قيمة مضافة عالية وتلبية احتياجات السوق.

فرص وتحديات

وإلى ذلك، يشرح المحلل والكاتب الصحافي، أبرز الفرص والتحديات أمام أوروبا في القطاع الصناعي، على النحو التالي:

تواجه أوروبا بعض التحديات في محاولة الاعتماد على ذاتها في القطاع الصناعي بشكل كامل.

من بين هذه التحديات، تكاليف الإنتاج العالية في بعض الدول الأوروبية وتنافسية الأسواق العالمية.

ومع ذلك، توجد فرص كبيرة أيضاً، مثل زيادة الطلب على المنتجات ذات الجودة العالية والمصنوعة في أوروبا، وتحسين الابتكار والتكنولوجيا لتعزيز التنافسية.

وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة البريطانية عن مدير علاقات العملاء في CTP بيرت هيسلينك، قوله إن مواقع التصنيع تشكل حصة متزايدة من محفظة الشركة منذ انخفاض الطلب على مساحة المستودعات.

وعلى الرغم من أن الاستثمارات في المواقع الجديدة كانت تزيد من تكاليف الشركات المصنعة خلال فترة التضخم المرتفع بالفعل، إلا أنه قال إن الشركات تعطي الأولوية لتأمين عملياتها من "كارثة" سلسلة التوريد التالية.

وبعد سنوات من استثمار الشركات الغربية متعددة الجنسيات في الصين، حذر قادة الأعمال أيضاً من أن أوروبا تفتقر إلى القوة العاملة التصنيعية المناسبة. وقال هسيلينك: "إنه تحدٍ (العثور على الأشخاص ذوي المهارات المناسبة).. وهذا يحتاج إلى التعامل معه على سبيل المثال من خلال جلب عمال من دول أجنبية".

ويختتم المحلل والكاتب الصحافي من برلين، حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قائلاً: "بشكل عام، يمكن لأوروبا أن تعتمد على نفسها إلى حد كبير في القطاع الصناعي، ولكن الاعتماد الكامل على الصناعة الأوروبية واستبدال الصين بشكل كامل يشكل تحديًا. قد تكون الاستراتيجية الأفضل هي تعزيز القدرات الصناعية المحلية وتعزيز التعاون الدولي لتحقيق التوازن والاستفادة من فرص النمو في السوق العالمية".

تقليم أظافر الصين

من برلين، يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور ناجح العبيدي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن أوروبا بدأت بالفعل بتقليم أظافر الصين، وهذا يظهر في صناعة الرقائق الإلكترونية، إذ خصص الاتحاد الأوروبي مبلغ 43 مليار يورو لدعم هذا الصناعة حتى العام 2030 وتقليص التبعية ليس فقط إلى الصين وإنما أيضا مع تايوان والولايات المتحدة الأميركية، وقد تم بالفعل وضع حجر الأساس لمصانع رقائق في ألمانيا، والهدف رفع حصة الاتحاد الاوروبي إلى 20 بالمئة في هذا القطاع".

ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن "هناك خطط مماثلة لأشباه الموصلات والبطاريات الضرورية للسيارات الكهربائية، وأخيراً دشنت شركة فورد في مدينة كولونيا الألمانية أول مصنع للسيارات الكهربائية في أوروبا بقيمة تقارب ملياري يورو".

وفي هذا السياق، أشار تقرير كوشمان المذكور، إلى خطط مرسيدس-بنز التي أعلنت أخيراً بناء مصنعها الأول المخصص للشاحنات الكهربائية في بولندا، بالإضافة إلى خطط BMW لتعزيز إنتاج بطاريات السيارات في مصنع جديد في المجر. وقال إن وسط وشرق أوروبا، حيث كانت العمالة رخيصة نسبياً، على وجه الخصوص ، شهدت "استثمارات كبيرة في التصنيع".

ويضيف العبيدي: "الصين شعرت بذلك وقامت بتغيير استراتيجيتها عبر تقليص عمليات الاستحواذ على شركات قائمة بسبب التحفظات الأوروبية على ذلك، والتوجه نحو تأسيس شركات جديدة في أوروبا"، موضحاً في الوقت نفسه أن "أوروبا تريد اتباع منهج واضح مع الصين، ولكن ليس نهج المواجهة مع بكين التي ستبقى شريكاً ومنافساً تجارياً وكذلك خصماً يطرح نظاماً بديلاً.. أوروبا تتعلم من تجربتها مع روسيا بعد الحرب في أوكرانيا".

سكاي نيوز

الكلمات الدالة

الأكثر قراءة

السنوار معلقا على مقترح الهدنة... هي الاقرب لمطالبنا حتى الآن