اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

لم يشعر اي من المراقبين والمتدخلين بالشأن اللبناني بالصدمة، بعد فشل النواب بانتخاب رئيس للجمهورية. الجلسة رقم 12 كانت مخصصة، بتواطؤ بين مختلف الكتل النيابية، لاختبار موازين القوى الداخلية تحت انظار الخارج، ولهذا كان جهد الجميع منصبا على التعداد، والكل يمني النفس بمراكمة «اوراق» قوة للتفاوض على المرحلة المقبلة، ومن ضمنها الاستحقاق الرئاسي غير المنفصل عما عداه من «سلة» متكاملة لم يعد بالامكان تجاوز الاتفاق عليها، كمعبر اساسي للخروج من مأزق الفراغ الرئاسي.

الساعات والايام المقبلة ستكون حاسمة للكثير من الامور، ومنذ لحظة انتهاء الجلسة بدأ كل طرف احصاء الخسائر والارباح، «التيار الوطني الحر» يبحث عن الخروج باقل الخسائر الممكنة في بيته الداخلي، الذي اهتز على وقع خيار التقاطع على ازعور. كما ستكون العلاقة مع حزب الله امام مرحلة اختبار جديدة لم تتبلور على نحو نهائي بعد، بانتظار خطوة النائب جبران باسيل المقبلة.

العلاقة بين «المتقاطعين» على المرشح جهاد ازعور ستكون ايضا امام اختبار جدي، لان «اليوم التالي» لم يكن ضمن الحسابات. العلاقة بين «المختارة» و»عين التينة» ستكون تحت المجهر. نواب «التغيير» الذين سقطوا في امتحان الكفاءة، تنتظرهم الكثير من الاسئلة الصعبة. الكتلة الثالثة اثبتت حضورها، ونجحت في فرض نفسها كرقم صعب في المعادلة. «الثنائي الشيعي» نجح في ابعاد كأس «حرق» ترشيح فرنجية، وتمسك به اكثر وعاد الى دعوة الجميع الى الحوار. وبانتظار ما سيؤول اليه المشهد الداخلي تبقى «العين» على الخارج القادر وحده على كسر الجمود، بعدما ثبت بالوجه الشرعي ان التعطيل السلبي في البرلمان لن ينتج رئيسا.

وفي هذا السياق، يبدو ان اكثر المرتاحين لنتائج «البوانتاج» في الجلسة الرئاسية ليس طرفا محليا، وانما باريس التي ارجأت زيارة المبعوث الرئاسي جان ايف لودريان الى ما بعد موعد الاقتراع، بعد «التشاور» مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي تعهد بأسم «الثنائي» بان لا تكون الارقام محرجة للفرنسيين امام «الرباعية». ووفقا لمصادر مطلعة كانت «العين» الفرنسية على الاصوات التي سيحصل عليها ازعور مقابل رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية. وعلم في هذا السياق، ان بري كان واضحا في كلامه امام السفيرة الفرنسية آن غريو، بان ازعور لن يتمكن في تجاوز عتبة الستين صوتا في الجلسة الاولى، وان الارقام بينه وبين منافسه ستكون محدودة، ولن تؤدي ابدا الى الهدف المنشود من قبل «المتقاطعين» الداخليين مع الخارج، اي «احراق» ورقة ترشيح فرنجية.

هذه النتيجة تعتبر مريحة جدا لباريس، التي ستمضي قدما بالتمسك بوجهة نظهرها القائمة على ضرورة حصول تسوية واقعية، انطلاقا من مبادرتها السابقة التي لم تعدلها، بل ستزداد تمسكا بها باعتبار ان تجاوز «الثنائي» وخصوصا حزب الله في الاستحقاق الرئاسي غير ممكن، وتبني فرنجية لا يزعج الخارج كما يحاول البعض الايحاء بذلك، والقوى المتقاطعة ضده لم تنجح في اخراجه من المنافسة «بالأرقام». كما ان «شيطنة» الرجل داخلية لاعتبارات مصلحية وشخصية ضيقة. ولا يخفي الجانب الفرنسي استياءه من محاولة القوى المسيحية التشكيك بدورها في الاستحقاق الرئاسي، وتصويره تحديا للإجماع المسيحي.

وفي هذا الاطار، ستكون العاصمة الفرنسية على موعد مع زيارة هامة لولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان يوم السبت المقبل. ووفقا لتلك المصادر، فان الملف اللبناني سيكون على «الطاولة» حكما، لان الرئيس ايمانويل ماكرون يعتبره من الاولويات الفرنسية في هذه المرحلة، وهو يريد ان يستفيد من زيارة بن سلمان لمحاولة احداث نقلة جوهرية وحاسمة في الموقف السعودي، اي ملاقاة المبادرة الفرنسية في منتصف الطريق، والاتفاق على «سلة» كاملة تعرض على الاميركيين لاحقا، وفيها اضافة الى رئاسة الجمهورية، الحكومة ورئيسها ومهامها، وكذلك قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان. لكن هل سيتعامل الجانب السعودي بإيجابية مع الطرح الفرنسي؟

لا اجوبة حاسمة بعد، بحسب تلك الاوساط، لكن باريس تبدو مستعجلة لاخراج السعوديين من المنطقة الرمادية، وهذا يتطلب امرين: اولا، طبيعة الثمن الذي يمكن ان تحصل عليه المملكة بعيدا عن الساحة اللبنانية التي لم تعد اولوية لديها. وثانيا، مدى قدرة الفرنسيين على اشراك طهران في هذا التفاهم كجهة ضامنة تحتاجها المملكة، التي تريد اكثر من موقف مكرر حول ضرورة محاورة حزب الله في الشأن اللبناني الداخلي، حيث لا ترغب المملكة حتى الآن بفتح قنوات اتصال مباشرة مع الحزب، وتكتفي بتعزيز التواصل غير الكافي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. فالامر يحتاج الى مظلة اقليمية كجزء من عملية التقدم المضطرد في العلاقة مع الايرانيين. فيما ارضاء الاميركيين سهل نسبيا، طالما ان «عين» واشنطن على حاكمية المركزي وقيادة الجيش.

في هذا الوقت، قد تكون قطر اكثر الاطراف تضررا من نتائج الاقتراع، فالجانب القطري كان يمن النفس بنتائج دراماتيكية تؤدي الى تطيير كل المرشحين، كي يتسنى لها ان «تطحش» اكثر بترشيح قائد الجيش العماد جوزاف عون، لكن الامر بقي على حاله، والتعادل «السلبي» في الجلسة الـ12 لم يفتح «الباب» امام البحث عن «المرشح الثالث»، وانما ابقى مرحلة المناورة مفتوحة على مصراعيها، خصوصا مع تجديد «الثنائي» دعمه لفرنجية وعدم التخلي عنه، بعدما فشل «التقاطع» في ايجاد تسونامي حول ترشيح ازعور. وفي الانتظار، لا رئيس في المدى المنظور الا اذا نضجت التسوية في الخارج، وانعكست اتفاقا متكاملا على كل تفاصيل المرحلة المقبلة. 

الأكثر قراءة

أردوغان ضدّ "إسرائيل"... هل نصدّق؟