اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


الدولة العضو في الأطلسي، والتي تستضيف على أرضها 50 قنبلة نووية، حتى بعد زوال الأمبراطورية السوفياتية، تشعر، الآن، أنها لا شيء، لا شيء على الاطلاق، في الأجندة الأميركية. دورها، كوريثة لسلطنة عظمى، لا يتعدى دور الدولة ـ القهرمانة...

الأكثر حساسية، بل الأكثر خطورة، أن اللوبي اليهودي الذي فوجئ بالهشاشة البنيوية للدولة العبرية (كظاهرة تعوزها التفاعلات التاريخية والكثافة التاريخية) يزيد ضغطه لانشاء حلف استراتيجي يجمع بينها وبين عدد من الدول العربية، ليس فقط لترسيخ وجودها في المنطقة، وتمددها الأخطبوطي في القطاعات الحيوية، وانما أيضاً لـ "خنق" كل من تركيا وايران، كونهما الدولتين اللتين تمتلكان الامكانات الضرورية للتأثير الجيوسياسي، وحتى للتأثير الجيوستراتيجي، في مسارات المنطقة.

من يصدق أن رجب اردوغان، بماضيه الملتبس، انتهى الى النقطة التي يكتشف فيها ما هي "اسرائيل"، بعدما تعاون معها طويلاً، وحاول تحقيق حلمه النيوعثماني بتعزيز علاقاته معها علّ ذلك يؤمن له الغطاء الأميركي.

الرئيس التركي قال، وقد نقلت كلامه وكالة الأناضول، "لا تطنوا أن اسرائيل ستقف عند غزة، فاذا لم يتم وقف هذه الدولة الارهابية ستطمع، عاجلاً أم آجلاً، بأراضي الأناضول، مستندة الى أوهام الأرض الموعودة".

اذ رأى في حركة "حماس" خط الدفاع الأول، أشار الى "أن ما يحدث في غزة لم نشهد مثيلاً له من قبل، وحتى أدولف هتلر لم يرتكب ما تم فعله في القطاع الفلسطيني".

ما الذي جعل اردوغان ينقلب على نفسه، لينقلب المشهد الشرق أوسطي اذا ما ظل متمسكاً بذلك الموقف، ما يحملنا على التوقع ـ ولو من فبيل التمني ـ بزيارته دمشق، ليعلن منها سحب قواته من الأراضي السورية، واعادة العلاقات بين البلدين الى طبيعتها، كمدخل لاحتواء السيناريو الخاص بتفكيك سوريا، وصولاً الى تركيا...

الرئيس التركي الذي بلاده على مفترقات تاريخية، وجغرافية، شتى، يعلم أن المنطقة عند مفترق شديد الغموض، وشديد التعقيد. ولا بد أن تكون تناهت اليه تلك المعلومات حول قيام قوى فاعلة داخل الدولة العميقة، أو "الأمبراطورية العميقة"، في الولايات المتحدة، باعادة وضع مشروع الشرق الأوسط الكبير على الطاولة. وهو الذي يلحظ، بالدرجة الأولى، تفكيك الخرائط، واعادة تركبيها بالطريقة التي تؤمن البقاء الأبدي للمصالح المشتركة بين أميركا و "اسرائيل".

من هنا كانت ضرورة التنبه الى ما ينتظر الدولة التركية، وهو الذي كان يفترض أن يدرك، منذ البداية، أن من خططوا لاقامة "اسرائيل الكبرى"، يرون أن ذلك لا يتحقق في ظل وجود دول مركزية في المنطقة، ما يستدعي، تلقائياً، اعادة النظر بخريطة كل من تركيا وايران.

لا نتصور أنه ستكون لدى اردوغان الجرأة للاعتراف بالخطأ الرهيب الذي اقترفه في دور المايسترو ـ وهو، في الواقع دور التابع ـ في تدمير سوريا. ولكن لا بد أنه يشعر الآن، وهو يراجع سياساته على امتداد السنوات المنصرمة (منذ عام 2011) كم كان قصير النظر، وكم كان متواطئأ، وحتى غبياً، بالشخصية الدونكيشوتية، حين لم يدرك ما تعنيه العلاقات الاستراتيجية بين دمشق وأنقرة، وتأثير ذلك في حماية تركيا تحديداً، لنتساءل أي شرق أوسط ذاك لو كان بشار الأسد ورجب طيب اردوغان في خندق واحد؟

حتماً لم تكن المنطقة على هذا المستوى من التشتت، ومن الضياع، ما أتاح لـ "اسرائيل" أن تفعل ما تفعله في غزة وفي سوريا، حتى في دومينو التطبيع. استطراداً، هل كان بامكان الولايات المتحدة أن تحتل أجزاء من سوريا، وتشارك في ابادة الفلسطينيين؟

قد لا يكون هذا الوقت الملائم لوضع الأوراق السوداء على الطاولة. اذا صدق اردوغان، واذا ما كان كلامه المفاجئ نقطة انطلاق لتغيير دراماتيكي في سياساته، فهذا يعني أننا أمام احتمالات كبرى. الخطوة الأولى ينبغي أن تكون في اتجاه دمشق بالذات. أي خطوة في أي اتجاه آخر، لن يكون لها معنى.

ما تفوه به اردوغان كما لو أنه العصيان ضد أميركا، الا اذا كان ذلك كلاماً تكتيكياً، ويندرج في اطار السياسات البهلوانية، وحيث ذروة الزبائنية في الأداء السياسي.

لهذا نقول، أيها السيد اردوغان... أنت لا شيء في الأجندة التركية. كن شيئاً في الأجندات الأخرى، وتأمل بدقة ما قاله تعليق أحدهم في قناة "فوكس نيوز":  اردوغان ينفجر...

الأكثر قراءة

ايجابيات نيويورك لا تلغي الخوف من حسابات نتانياهو الخاطئة ميقاتي يعود من العراق قلقا… وعقبتان امام حل «اليوم التالي»؟