اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

قد نحتاج الى آموس هوكشتاين، أو أكثر، لترسيم الحدود بين قرية وقرية لأنه الترسيم بين طائفة وطائفة، أي بين الله والله الآخر( انطلاقاً من قول هنري كيسنجر: الصراع في الشرق الأوسط هو الصراع بين نصف الله والنصف الآخر).

هذا النوع من النزاعات يمكن أن يحدث بين قرية وقرية من الطائفة نفسها، ويسفك فيه الدم، لأننا لسنا من صنع التاريخ في لبنان، ولا من صنع الجغرافيا في لبنان.

ولكن هناك فئات سياسية، أو حزبية، احترفت التأجيج الطائفي ظناً منها أن الانفجار يعمل لمصلحتها، ولا يؤدي الى زوالها، وحتى الى زوال لبنان. هذا ما يحكم البلاد الآن لتبدو الأزمة أكثر بكثير من أزمة رئاسة الدولة. أزمة الدولة. لهذا تحذر أوساط سياسية، واعلامية، فرنسية جان ـ ايف لودريان من أن يحترق، اذ حين تكون الأزمة أزمة دولة لا تحل بهذا النوع من الوساطات، ولا بهذا النوع من الوسطاء...

الكل غارقون في التوقعات، والتكهنات. لا أوراق بين أيدينا، ولا امكانيات لدينا. الرياح تهب من كل الجهات، حتى اذا ما تناهت اليكم المواقف النارية لبعض القوى، أو لبعض الشخصيات، تأكد لكم أكثر أن لا سبيل لعقد أي حوار، وأن لا سبيل لأي حوار والوصول الى نتيجة.

ثمة ثقافة نازية، ان لم نقل ثقافة توراتية، تستوطن عقول بعض الساسة الذين، وبالصوت العالي، يرفضون الحياة، أو العيش، مع الآخرين في دولة واحدة، ما يفترض اجتثاثهم، أو ترحيلهم، أو تعريتهم من عظامهم. هل من امكان للعودة الى لبنان الأبيض ولبنان الأسود؟

كما لو أن مثال السودان ليس أمامنا. هذا اذا أغفلنا المثال السوري، والمثال اليمني، والمثال الليبي، وحتى المثال الصومالي. الرهانات القاتلة التي تكرس الاقامة، الاقامة الأبدية، داخل ذلك الركام الدموي.

لهذا يبدو الرئيس ايمانويل ماكرون كما لو أنه يراقص الهواء. مقاربة الأزمة تبدأ باتفاقية لفض الاشتباك. على الأرض، اشتباكات يومية على كل المستويات. حتى النزاع بين قرية وقرية حول نرابيش المياه يتحول الى حالة تفجيرية، كما لو أن الحرب الأهلية بكل أهوالها، لم تحد من تلك الضوضاء الدموية التي في رؤوسنا.

أي مهمة للودريان حين تريد ادارة جو بايدن أن تبقى أزمة الدولة عالقة للعب السياسي، وللعب الاستراتيجي، دون أن نغفل أدواراً أخرى ضالعة في هذه اللعبة؟ السعوديون يعلمون ذلك، ما يجعلهم على ذلك الجانب من الحيطة في التعاطي مع الغرنيكا اللبنانية.

لا خيار أمامنا سوى السقوط، أكثر فأكثر، في ثقافة التفاهة. طريف جداً، وعجيب جداً، مصطلح «السياديون» ما لو أننا في كوكب آخر، لا في المنطقة التي تتقاطع أو تتصادم فيها، ان باللوثة الأمبراطورية أو باللوثة القبلية، مصالح القوى العظمى، وما دون العظمى.

كل ما يحكى عن الأسماء، وعن الخلاف حول الأسماء، ذر للرماد في العيون. لن تكون ساحة النجمة المكان الذي يتصاعد منه الدخان الأبيض. ساحات أخرى، ومداخن أخرى، ومطابخ أخرى هي التي تقدم لنا صاحب الفخامة جاهزاً، وصالحاً، للاستخدام، أو للوضع على المائدة لتناوله بالشوكة والسكين.

حتى جهاد أزعور (الذي أخذنا علماً بدماغه المالي دون دماغه السياسي) غاص في تلك الوحول، وهو الذي يفترض أن يعلم أن المنظومة السياسية التي استطاعت تدجينه، على مدى سنوات، ليست مؤهلة لادارة الأزمة، كيف لها ادارة التسوية ؟

لا نتصور أن زيارة المبعوث الفرنسي لكل من الرياض والدوحة تكفي، وأن كانت خطوط هاتين العاصمتين مفتوحة على مصراعيها مع كل من أميركا وايران. لا بد من زيارة واشنطن وطهران، ليهبط، لاحقاً، في بيروت اما حاملاً الصفقة كاملة، وقابلة للتنفيذ، أو للاعتذار لأنه لم يتمكن من أن يدق الأبواب العالية.

حتى اللحظة، لا شيء في حقيبة الرجل. لا مناص من آموس هوكشتاين آخر، يتصدى للمهمات المستحيلة. لودريان بات على قناعة، أنه أمام مهمة مستحيلة...

اذا لم يخترق أسوار البيت الأبيض، ولا أسوار قصر اليمامة، سيبقى رجل الحقيبة الفارغة... 

الأكثر قراءة

الأميركيّون "الاسرائيليّون"... العرب الأميركيّون