من هو الشريك المسيحي الذي يراهن عليه في لبنان؟
جنبلاط صاحب قرار "الحرب والسلم" في الجبل... يختار المصالحة وشريكه فيها

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

طائفة المسلمين الموحدين الدروز هي مكون أساسي في نشوء لبنان وقيام دولته، ولها الدور الفاعل في استقلاله، ولا ترى وجودها خارجه، مع ارتباطها بالعمق القومي والانتماء العربي، وهي منتشرة في بقعة جغرافية واحدة لاربع دول هي سوريا وفلسطين والاردن ولبنان، ويتفاعل أهل التوحيد فيها مع بعضهم، لوجود روابط دم وقربى وعائلات واحدة، ويتأثر هؤلاء بما يجري من احداث في هذه الدول، دون أن يتدخلوا فيها.

وامام الطائفة وزعمائها السياسيين وقياداتها الروحية العمل، وفق تعددية خياراتها السياسه فيها، او الارتباط بتحالفات داخلية وخارجية، لكن تموضعها كان في الدفاع عن العروبة، وحماية لبنان واستقلاله، والمشاركة الدائمة في مؤسسات الدولة. فكان التياران السياسيان البارزان في الطائفة الدرزية، الجنبلاطية والارسلانية، يتمثلان في كل الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال، وبوزارات دائمة وازنة كالداخلية والدفاع، الا بحالات استثنائية تتعلق بالموقع السياسي في الموالاة او المعارضة.

فالانتماء الى الدولة والعمل تحت سقفها، هما هدف اساسي للطائفة الدرزية في لبنان، وفق مصادر سياسية وحزبية وروحية فيها، وهذا ما يؤكد عليه دائماً كل من رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط والحالي النائب تيمور جنبلاط، ورئيس الحزب «الديموقراطي اللبناني» طلال ارسلان، ويوافقهما الرأي شيخ عقل الطائفة سامي أبي المنى، والهيئة الروحية الدرزية ، عندما يحصل خلاف فهو سياسي حول مشروع او تحالف من ضمن التعددية. وفي هذه المرحلة يسود التفاهم بين المختارة وخلدة، ويجري تنسيق بينهما حول الحفاظ على وحدة الطائفة، ونزع فتيل أي توتر أو انفجار قد يقع. وقد حصلت سابقاً حوادث مؤلمة في مناطق عدة، انتهت بمصالحات.

ويسعى كل من جنبلاط وارسلان ان لا تنعكس احداث سوريا على الوضع داخل الطائفة، وان كان كل منهما له رأيه وقراءته وتحالفه، هذا حصل مع النظام السابق برئاسة بشار الاسد، ويُعمل به مع النظام الحالي برئاسة احمد الشرع، لعدم الانجرار وراء الاحداث التي تحصل في سوريا، ومنها ما هو مرتبط بالدروز فيها، سواء الذي يحصل في محافظة السويداء، او ما جرى في جرمانا وصحنايا، وقبل ذلك في جبل السماق في محافظة ادلب قبل سنوات.

ويبقى وليد جنبلاط الزعيم الاقوى في الطائفة الدرزية، وعلى قراره يتوقف دروها. فهو صاحب قرار الحرب والسلم فيها، وهو لا يستثني الآخرين من وجودهم التاريخي كآل ارسلان، الذي هو على تشاور مع الامير طلال الذي لا يخرج عن الاجماع الدرزي.

ويبقى شريك اساسي في الجبل وهي الطائفة المسيحية ، التي لها حضور تاريخي فيه، وان مرت العلاقة الدرزية – المسيحية بأزمات وحروب، كان أبرزها ما بين 1840-1860، ثم في الحرب الاهلية 1975-1990. الا ان هذه الشراكة بحاجة اليها الطرفان، وهو ما ادركه وليد جنبلاط باكراً، فحضر لمصالحة في الجبل منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، وعقد لها مؤتمر في بيت الدين، قبل أن تتم المصالحة الكبرى في العام 2002، التي رعاها مع البطريرك الماروني الراحل بطرس صفير. وفتحت له هذه المصالحة ان يعقد تحالفات مهدت لخروج الجيش السوري من لبنان، فشجع على انشاء «لقاء قرنة شهوان» الذي افرز قوى 14 آذار، التي حركها اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانقسام لبنان، بين مؤيد لسوريا ودورها في لبنان، ومعارض لها ويطالب بانسحابها.

 وأدى تمركز جنبلاط السياسي الى حدوث خلل في التوازن السياسي، صححه مع حليفه نبيه بري، بقيام «تحالف رباعي» انتخابي عام 2005 ضمهما مع حزب الله و»تيار المستقبل» ولم يعمّر طويلاً، بعد حصول قوى 14 آذار على الاكثرية النيابية والامساك بقرار الحكومة، ومحاولة عزل رئيس الجمهورية اميل لحود.

ولجنبلاط حليف ثابت وتاريخي في لبنان هو الرئيس نبيه بري منذ ما يقارب 45 عاماً، وان شابت علاقتهما خلافات وصدامات دموية، لكنهما يعودان ويتكاتفان ويتعاونان في ملفات عدة. وهذا ما يحاول أن يقوم به جنبلاط مع مكون مسيحي، فكانت بكركي في مرحلة البطريرك صفير وحليف غير ثابت مع «القوات اللبنانية» التي يتعامل معها على الموضوع، ولكن تجمعهما ثابتة راسخة وهي المصالحة، يقول عضو «كتلة الجمهورية القوية» النائب جورج عدوان «للديار»، مشيرا الى ان «التباعد السياسي وتعدد الآراء، لن يؤثر على المصالحة التي تترسخ في الجبل بين ابنائه قبل سياسييه، وبهم ومعهم ستستمر وتبقى»، يؤكد عدوان الذي يرى «ان المصالحة في الجبل انجاز وطني كبير تحقق، وتبقى هي الأولوية لصيانتها وتعميقها بين المواطنين، لانها قرار نهائي ولا عودة عنه، لتعزيز الحياة المشتركة والاحترام المتبادل في العادات والتقاليد والآراء. وهذا قدر وخيار سياسي نلتقي عليه مع جنبلاط».

وتقول مصادرجنبلاط انه متمسك بالمصالحة التي ليست مع فريق سياسي، بل مع طائفة عمل لها البطريرك الراحل صفير. «فالقوات اللبنانية» تعتبر نفسها شريكاً سياسياً مع جنبلاط تحت سقف المصالحة.

 ولا يبتعد «التيار الوطني الحر» عن هذا التوجه، وان كانت له ملاحظات على الاداء وفق مصادر فيه، تتعلق بتقنية عودة المهجرين كاملة، ورسوخهم في مناطقهم. وسبق «للتيار الوطني الحر» الذي انتدب النائب غسان عطالله للتنسيق مع الحزب «التقدمي الاشتراكي» ان جدد التأكيد على المصالحة واهميتها في الجبل، وتجددت في لقاء دير القمر ورعاه الرئيس ميشال عون وحضره جنبلاط قبل سنوات.

فالشريك المسيحي لجنبلاط هي «القوات اللبنانية» التي تتقدم على «التيار الوطني الحر»، في وقت يغيب «حزب الوطنيين الاحرار» عن المشهد، وهو صاحب النفوذ التاريخي في الساحة المسيحية منذ ايام الرئيس كميل شمعون، وتراجع مع حفيده على اسمه كميل دوري شمعون ووالده دوري.

ولا بد من الاشارة، الى انه مع عودة المهجرين المسيحيين الى الجبل في اقضية الشوف وعاليه وبعبدا، التي ساهم فيها وليد جنبلاط، فان التمثيل النيابي لهم توسع وتحسن، لا سيما «للقوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر»، وان احدهما سيكون حليفاً انتخابياً لجنبلاط والآخر لارسلان، وهذا ما حصل في الدورات السابقة، ما يعني بأن وجود شريك مسيحي هو ممر اجباري لجنبلاط وارسلان، وهما يشكلان ضرورة لقوى مسيحية.