اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

ذكر موقع <أكسيوس> الأميركي، يوم الثلاثاء، نقلا عن مسؤول أميركي، أن السلطات السورية كانت قد> أبلغت اسرائيل مسبقا بنياتها <، التي يقصد بها هنا دخول القوات الحكومية إلى السويداء، وإن ذلك> جرى بعد أيام من محادثات باكو>، التي احتضنتها العاصمة الأذربيجانية يوم السبت الماضي، ولعل الخبر كاف ليثير كما من الأسئلة التي من الصعب تقديم إجابات حاسمة عليها، بعد التدخل الإسرائيلي، غير المسبوق، الذي طال وزارة الدفاع السورية ورئاسة الأركان ومحيط قصر الشعب يوم أمس الأربعاء، ولعل الصورة، التي ذهب الكيان الإسرائيلي لتقديمها تبريرا لما ذهب إليه، والذي من المحتمل أن يشهد تصعيدا في غضون الأيام القادمة، قد زادت من المشهد غموضا، فأن يقول وزير حرب الإحتلال، يسرائيل كاتس، إن <اسرائيل لن تتخلى عن الدروز في سوريا>، ثم يضيف < على النظام السوري أن يترك الدروز في السويداء وشأنهم ويسحب قواته>، وفيما عدا ذلك> سنواصل مهاجمة قوات النظام السوري حتى انسحابها من السويداء>، ثم يليه رئيس الوزراء بتوجيه نداء إلى < الدروز الإسرائيليين> مفاده أن> لا تعبروا الحدود، الوضع خطير في السويداء>، مضيفا < اتركوا الجيش يقوم بعمله>، فذاك أمر يتعدى في مراميه> البعد الإنساني>، أو أن يقال، مثلا، أن ثمة طائفة درزية قوامها نحو 150 ألف يعيشون في كنف الدولة الإسرائيلية، وهم في غالبيتهم مواطنون يحملون جنسيتها، ناهيك عن 20 ألفا من الدروز يعيشون على أرض الحولان المحتل، ومسؤولية أمنهم تقع على سلطات الإحتلال، وهذا ما تقوله المواثيق والمعاهدات الدولية على الأقل،وأن يقال، إن حكومة نتيناهو سبق لها أن أعطت> عهدا> لهؤلاء بحماية أشقائهم في سوريا ولبنان، ولعل التجارب، الموغلة في القدم وصولا إلى الحديث منها، جميعها تؤكد على إن < البعد الإنساني> لا يطفو على السطح، ويغدو محركا أساسيا للأفعال، إلا عندما تجد المشاريع، والمخططات، جدوى من فعل> الطفو> آنف الذكر.

من الصعب جدا أن تقوم تل أبيب بما قامت به يوم أمس، الأربعاء، في سوريا من دون ضوء أخضر أميركي، بل إن من الممكن تلمس هذا الأخير بوضوح عبر التصريحات> المخففة> التي وردت على لسان المبعوث الأميركي توماس باراك، الذي اكتفى بسلسلة تغريدات له على < منصة X> جاء في بعضها < على جميع الأطراف التراجع خطوة إلى الوراء، والإنخراط في حوار هادئ يؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار>، ومن المؤكد أن كلاما من هذا النوع لا يبدو متناسبا مع الحالة الإنفجارية التي يشهدها الجنوب السوري، وزاد منها تدخلا اسرائيليا بدا وكأنه يريد أن يقول شيئا آخر غير أن يكون: <الأمر لي>، الذي يعني أن لتل أبيب اليد الطولى على امتداد الجغرافيا السورية، أو أن يكون < تل أبيب هي من تمنح الأمن لمن تشاء، وساعة تشاء>، فهذه بالتأكيد ليست سوى <قشة> تعوم فوق سطح بحيرة تعتمل قيعانها بالكثير.

من المؤكد أن القصف الإسرائيلي لمواقع سورية بالغة الحساسية أمر يتعدى في أبعاده < نصرة الدروز>، و<الوعود الإسرائيلية بحمايتهم>، بالرغم من تكرارها على لسان أكثر من مسؤول اسرائيلي على مدى الشهور السبعة التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد، وإذا ما أردنا بناء تصور عن الدوافع، والمرامي، البعيدة، التي من شأنها تبرير <وفاء> تل أبيب بوعودها، لا بديل من العودة إلى فكرة> الشرق الأوسط الجديد>، التي كان أول من أطلقها رئيس الوزراء الأسبق شيمون بيريز من خلال كتاب له، يحمل نفس العنوان، كان قد صدر العام 1994، والفكرة تقوم في جوهرها على < فشل الحرب وأهمية السلام>، لكنها تحمل بين ثناياها محاولة لترسيخ < الهيمنة> الإسرائيلية في المنطقة عبر < السلعة والتكنولوجيا> كبديل عن الدبابة، لكن الفكرة خضعت لتحورات عدة كانت قد فرضتها المتغيرات التي غالبا ما تتراكم بفعلي الزمن وحمولاته، فهي جاءت، مثلا، عند وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس، التي استخدمت المصطلح عينه بعد ساعات من انطلاق العدوان الإسرائيلي على لبنان تموز 2006، على نحو <مخاض> لا بديل من آلامه لأجل < ولادة شرق أوسط جديد>، لكن ما جرى هو أن < القابلة> الإسرائيلية كانت قد فشلت في إخراج < الوليد> من رحم أمه، ومات قبل أن يغادره في حينها.

يطلق بنيامين نتنياهو اليوم، عبر إعلان الدروز طائفة تحظى بحمايته، طبعة جديدة من طبعات> الشرق الأوسط الجديد>، فإعلان الأخير لرمي < عباءته> عليهم، الذي حظي بتأييد الغالبية الساحقة فيهم، ولعل بعض ما يشفع لهؤلاء هو الإنتهاكات الجسيمة التي تجري في السويداء منذ أيام، والتي جعلت من مبدأ الإستعانة ب> الشيطان> أمرا مباحا، سيكون فعلا من شأنه أن يضع < الدروز>، على دائرة> الإستهداف الوطني>، كل داخل حدوده، إذ لطالما كان استقواء إحدى المكونات التي يتألف منها أي شعب على باقي مكونات هذا الأخير فعلا مدانا من الناحية الوطنية، فكيف والأمر إذا ما كان> المستقوى به> كيانا مغتصبا لحقوق شعب برمته، وهو ما انفك يمارس القتل والتنكيل بحق كل من يطالب بذاك الحق .

وضع الدروز على> دائرة الإستهداف الوطني>، كل داخل حدوده، التي هي هنا سورية ولبنان، سيعني جمع المكونين في رزمة واحدة، ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، القول أن نتنياهو كان صادقا في دعوته للدروز المقيمين في اسرائيل بعدم عبور الحدود، لأنه ببساطة كان يستطيع منعهم من عبورها، وهو لم يفعل لأنه أراد < لم الشمل> الدرزي في ثالوثه الفلسطيني السوري اللبناني، الذي سيكون معزولا عن محيطة، تأسيسا لشعور جمعي يبدو لازما قبيل شد عصب هؤلاء باتجاه تأسيس كيان> مذهبي>، يمكن له، فيما لو نجح، أن يفتح الطريق أمام محاولة جديدة على مبعدة نحو 700 كم، في منطقة كانت تسمى، حتى العام 2011، بالجزيرة السورية، قبيل أن تعرف بمناطق شرق الفرات.

الآن وبعدما اتخذت القيادة السورية قرارا بسحب قواتها من السويداء، الذي جرى بدءا من مساء الأربعاء، يمكن القول إن إحدى جدارات> المشروع> الكبرى قد انهدمت، دون أن يعني إن هذا الأخير قد تلاشى، أو إنه سيزول من رأس <مصمميه>، ولعل المهمة السورية الآن تكمن في <تصميم> آخر بديل، وهو يعتد بنسيج مجتمعي مؤمن بمشروعه الوطني، الفعل الذي سيؤدي حتما إلى فقدان الأول مشروعيته، وصولا إلى زواله من ذهنية العاملين عليه.

الأكثر قراءة

سورية تتعرّى من عظامها