هذه حالنا، بل هذا مأزقنا. لكي يكون لك مكان على هذه الأرض، عليك أن تكون اما مع "اسرائيل" أو أن تكون مع سورية. لا مجال البتة لأي خيار ثالث. ولكن أي "اسرائيل" بايديولوجيا الاجتثاث (اجتثاث الآخر)، اذا لم يكن من ذلك النوع من اليهود الذين برؤوس الذئاب؟ وأي سورية بايديولوجيا الاجتثاث (اجتثاث الآخر) اذا لم يكن من ذلك النوع من المسلمين الخارجين للتو من كهوف تورا بورا؟
خطان متوازيان ويلتقيان في واشنطن، حيث الأرض المقدسة. لكن المشكلة هنا أنك لا تستطيع أن تكون أميركيا إلا اذا كنت "اسرائيليا"، وان كنا قد لاحظنا أن ثمة افتراقًا في النظرة الى سورية. "الاسرائيليون" يعتبرون أن قيام دولة قوية على حدودهم الشمالية، وبمنحى "جهادي"، يشكل خطرًا عليهم، انطلاقا من وصف ابن تيمية للأقليات الاسلامية بأنهم "أشد كفرًا من اليهود والنصارى". الأميركيون يرون أن تفكيك سورية، لا بد أن يستدعي العودة الايرانية اليها.
ولكن اذا كان الأميركيون يستطيعون خداع العرب، باعتبارهم على شاكلة الهنود الحمر "ظواهر" لا بشرية يقتضي ازالتها، لا يمكن أن يخدعوا "الاسرائيليين" الذين يعلمون أن أميركا، كأعظم أمبراطورية في التاريخ، لا يمكن أن تخشى من العودة الايرانية، بعدما تبيّن أن كل ما فعله الايرانيون جيوسياسيا، وعلى مدى نحو نصف قرن، كان لمصلحة أميركا. ثم من تراه يصدق أن الايرانيين تمكنوا من صناعة أو من استقطاب، حالة شعبية في سورية، حتى داخل الطائفة العلوية التي لم تتناغم يوما، مع المنحى الايديولوجي في ايران؟
اول من أمس الثلاثاء كان يومًا هائلا في سورية، واختبارًا مدمرًا للسلطة الجديدة في سورية. الطائرات "الاسرائيلية" التي أحدثت حزاما نارياًحول مكان اقامة الرئيس أحمد الشرع، استهدفت مبنى هيئة الأركان في قلب دمشق، وكرمز للقوة السورية، بحجة الدفاع عن الدروز، ليبدو الرئيس السوري عاريا تماما، وهو الذي أتي به ليشق الطريق بين دمشق وأورشليم، كمحور أساسي في عملية تغيير الشرق الأوسط، وفق الرؤية (والرؤيا) الأميركية ـ "الاسرائيلية"، وبالتواطؤ مع رجب طيب اردوغان الذي نسأل، وهو الوصي على سورية، أين كانت طائراته؟ وأين كانت منظومة الـ "اس. اس ـ 400" حين كانت السكين الاسرائيلية تنغرز في صدر دمشق؟ اذا كان يعرف ما هي دمشق...
هكذا أرغم الشرع على أن يأمر جحافله بالانسحاب من السويداء، بعدما أكدت له دولة خليجية أن الأميركيين يؤيدون ازالة "الوضع الشاذ" القائم في تلك المنطقة، ودون أن تدرك السلطات السورية أن دونالد ترامب، وبالرغم من كل جبروته، لا يستطيع أن يضغط على بنيامين نتنياهو الا في حدود ضيقة، وهو الذي يعلم الى أي مدى يتغلغل اللوبي اليهودي حتى في جدران المكتب البيضاوي داخل البيت الأبيض.
هل شعر الرئيس السوري الذي طالما فاخر بأنه قضى حياته بين الخنادق (أو في الكهوف) بأنه لا شيء في الحسابات الأميركية وفي الحسابات "الاسرائيلية"، وربما يكون ذلك حال غالبية القادة العرب، بعدما رأوا في الأمبراطورية الأميركية النسخة المعاصرة عن القضاء والقدر. في هذه الحال، ماذا يستطيع الرئيس السوري أن يفعل؟ مع علمه كيف ولماذا وصل هو بالذات، على صهوة حصان أبيض الى جبل قاسيون ؟
نستذكر كيف لاذ بالصمت المطبق، حين كانت القاذفات "الاسرائيلية" تدمر كل أثر للقوة العسكرية السورية، ولعله يدرك الآن أن سورية ليست في اليد التركية، ولا في اليد السعودية أو القطرية، واتما في اليد "الاسرائيلية".
بالرغم من كل شيء، ومع توجسنا من تلك النزعة الايديولوجية لدى الفصائل السورية لـ "غزو" لبنان، أو للوصاية عليه، لا يمكننا الا أن نكون مع سورية في خندق واحد. ولكن، كما قلنا أكثر من مرة، لا مجال للرهان على أي تغيير في المسار الحالي للسلطة السورية في مد اليد الى "اسرائيل"، والبدء في التطبيع التدريجي معها، وان كان قد بات جليا أن ما يتطلع اليه نتنياهو، وبدافع توراتي، يتخطى التطبيع بكثير. الشرع هو الذي اختار المجازفة في أن يكون جزءا من السيناريو الجهنمي، الذي يرمي الى تتويج "اسرائيل" ملكة على الشرق الأوسط. لعله بات الآن يدرك (ولكن ما العمل !) الى أين يفضي طريق الجلجلة.
لنتذكر ما قاله موشي ديان "اذا كان أنور السادات قد أتانا بالطائرة، واستقبلناه بما يليق برئيس دولة، فان حافظ الأسد سيأتينا مرغما سيرا على الأقدام". لم يذهب الرئيس السوري الراحل. مات، وكان يرفض أثناء مفاوضاته مع اسحق رابين، التخلي عن أمتار من ضفة بحيرة طبريا.
الآن، وقد تغيّر شكل الشرق الأوسط، وسيتغير أكثر بكثير، يصر "الاسرائيليون" على أن يأتي اليهم الرئيس السوري، بقرار علني حول الهوية "الاسرائيلية" لمرتفعات الجولان. شيء ما انكسر في شخصية أحمد الشرع، الذي لم يكن يتصور أن "اسرائيل" التي لم يطلق ضدها رصاصة واحدة أو كلمة واحدة، يمكن أن تحطم الهالة التي تحيط به خلال ثوان.
أكثر من ذلك، كل العالم لاحظ أي نوع من القوات المسلحة يجري بناؤها في سورية. ضباط وجنود يذبحون الرعايا (العزّل) من الوريد الى الوريد، ثم يدوسون عل ظهور الضحايا، بعدما ينهبون المنازل والمتاجر، ليعودوا وينسحبوا، كما الفئران المذعورة من النيران "الاسرائيلية". أين المناقبية هنا، وأين العنفوان، ما كان يباهي به "حماة الديار".
مأساة سورية مأساتنا، وقد دخلت ودخلنا في النفق ...
يتم قراءة الآن
-
دمشق تحت النار ومجازر في السويداء: لا رابح من لعبة الخراب التركية «الإسرائيلية»! كيف انكسرت حسابات الشرع على أبواب السويداء؟ «تل ابيب» تريد الجنوب السوري «منطقة عازلة» وحاكم خليجي: لقد خدعنا الأميركيون
-
سورية المفكّكة في قبضة نتنياهو
-
براك التقى أورتاغوس ... وهذا ما ناقشاه
-
حين لا تنفع التنازلات ولا الحلفاء... كيف يقرأ لبنان درس السويداء؟
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:32
الرئاسة السورية: القادة الثلاثة شددوا على دعمهم وحدة سوريا وسلامة أرضها وأهمية بسط الدولة سيادتها على أراضيها، وعبروا عن وقوفهم إلى جانب سوريا في هذه الظروف الدقيقة ورفضهم التدخلات الخارجية.
-
23:32
الرئاسة السورية: الشرع أكد أن الدولة السورية تظل ملتزمة بحماية جميع أبناء الشعب السوري بمختلف أطيافهم ومذاهبهم.
-
23:31
الرئاسة السورية: الشرع تلقى اتصالات من ولي العهد السعودي ورئيس تركيا وأمير قطر بشأن التطورات لا سيما في الجنوب، والقادة الثلاثة أكدوا رفضهم القاطع للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية.
-
23:22
معلومات عن أن مخابرات الجيش نجحت في توقيف أحد الفارّين من سجن النبطية المركزي بعد أن حاول الاختفاء في أحد المقاهي.
-
23:11
المتحدثة باسم البيت الأبيض: الرئيس ترامب خضع لفحص طبي بسبب تورم في أسفل الساقين وكدمات في اليدين، ووفقا للتقارير الطبية فقد أظهرت فحوص الرئيس قصورا وريديا وهي حالة شائعة خاصة لمن تخطت أعمارهم السبعين.
-
23:02
معلومات عن هروب عدد من الموقوفين من سجن النبطية.
