اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

خليفة لـ«الديار»: الحدود مرسّمة وتحتاج الى «تثبيت»...
نعماني لـ «الديار»: لم يعد بالإمكان ترسيم الحدود وفق اتفاقيّة «بوليه ــ نيوكومب» لتغيّر المعالم


أثارت الحادثة التي حصلت أخيراً في بلدة كفرشوبا الحدودية جنوب لبنان مسألة ترسيم الحدود البريّة مع فلسطين المحتلّة، لا سيما بعد أن استطاع لبنان توقيع «إتفاقية ترسيم الحدود البحرية بينه وبين العدو الإسرائيلي» في 27 تشرين الأول الماضي.. وللتذكير بالحادثة فقد قامت قوّات الإحتلال بجرف الأراضي أمام نقطة كفرشوبا ما أدّى الى احتجاج سكّان البلدة، حتى أنّ أحد المزارعين وهو اسماعيل ناصر تصدّى بجسده للجرّافة الإسرائيلية التي حاولت دفنه تحت الرِمال أثناء محاولته منعها من تجريف أرضه، قبل أن تتمكّن قوّات «اليونيفيل» من إنقاذه في اللحظة الأخيرة.. وقد عمد أهالي البلدة ومزارع شبعا الى نصب خيمتين هناك.. وبدأ «الإسرائيلي» يروّج لخبر إقامة خيمتين للحزب على حدوده من الخط الأزرق المعتمد منذ العام 2000. وقرّر رفع شكوى الى الأمم المتحدة تُظهر أنّه «مظلوم»، وأنّ الحزب يعتدي عليه، بدلاً من استخدام القوة لإزالة الخيميتن. في ما أصرّ «حزب الله» على عدم إزالتهما مع التأكيد ان المقاومة جاهزة لكل السيناريوهات.

فأين أصبح ملف الترسيم البرّي للحدود مع فلسطين المحتلّة، وما الجديد فيه، وماذا عن الحدود الشرقية مع سوريا؟ وماذا عن «الخط الأزرق» الذي رسمته الأمم المتحدة بعد انسحاب القوّات الإسرائيلية من المناطق الجنوبية المحتلّة في 25 أيّار 2000 ويعتبره العدو خط الحدود النهائية رغم تحفّظ لبنان على 13 نقطة على هذا الخط؟ ومتى يحين موعد تطبيق القوّات الإسرائيلية التي لا تزال محتلّة لبعض البلدات اللبنانية وهي تلال كفرشوبا ومزارع شبعا والجزء الشمالي من قرية الغجر، للقرارات الدولية ذات الصلة الصادرة عن الأمم المتحدة، من القرار 425 وصولاً الى القرار 1701؟! وما هي العوائق التي تحول دون ترسيم لبنان حدوده البريّة النهائية جنوباً مع العدو الإسرائيلي وشمالاً مع سوريا؟!

ملف مؤجّل

يبدو أنّ ملف «الترسيم» البرّي ليس موضوعاً على نارٍ حامية، وفق مصادر وزارية عليمة، لا سيما وأنّ الحكومة الحالية مستقيلة، وهي تقوم بتصريف الأعمال، وليس من توافق داخلي على عقدها للجلسات الوزارية لإقرار بعض شؤون المواطنين. ولهذا تستبعد أن يُصار الى طرح مسألة الحدود البريّة في المرحلة الراهنة، رغم ترسيم الحدود البحرية منذ ثمانية أشهر. لهذا فليس من جديد في هذا الملف كونه غير مطروح حالياً على طاولة مجلس الوزراء، ولن يُطرح قريباً.

أمّا حادثة كفرشوبا التي حصلت في حزيران الفائت، على ما أوضحت، فأظهرت الرغبة الدائمة للإسرائيلي بالتوسّع والإستيطان في الأراضي التي يحتلّها، أكان في فلسطين أو في لبنان، ويدّعي بأنّها تدخل «ضمن السيادة الإسرائيلية»، وهي وقاحة ما بعدها وقاحة، خصوصاً وأنّ الإتفاقيات المصدّق عليها موجودة في الأمم المتحدة، وهي تؤكّد أنّ الأراضي التي لا تزال تحتلّها القوّات الإسرائيلية هي أراضٍ لبنانية. وقد نفّذت هذه الأخيرة الإنسحاب من المنطقة الجنوبية في العام 2000، غير أنّها بقيت محتلّة لبعض البلدات اللبنانية. كما أنّها لم تُطبّق حتى الآن ما ينصّ عليه القرار 1701 الصادر في 11 آب 2006 الذي يُطالب القوات الإسرائيلية بالإنسحاب من بقية الأراضي المحتلّة.

وأكّدت المصادر أنّه في ظلّ حكومة تصريف الأعمال الحالية، وفي ظلّ الفراغ الرئاسي، لا يُمكن البتّ بموضوع الحدود البريّة، فهذا الموضوع ساخن، لكنّه مؤجّل الى ما بعد انتخاب رئيس الجمهورية، وتشكيل الحكومة الجديدة.. فرئيس الجمهورية هو الذي يتولّى المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالإتفاق مع رئيس الحكومة، بحسب المادة 52 من الدستور، ولا تُصبح مبرمة إلّا بعد موافقة مجلس الوزراء. وحتى إن لم يكن موضوع ترسيم الحدود البريّة يحتاج الى عقد إتفاقيات جديدة، ما دامت موجودة منذ عقود، إلّا أنّه لا بدّ من وجود رئيس للجمهورية، وحكومة كاملة الصلاحيات، فضلاً عن ضرورة التوافق الداخلي ومع الدول المعنية على إنهاء مسألة الحدود لتتمكّن كلّ منها من حماية حدودها النهائية بشكل كامل، وطيّ مسألة التداخل الحاصلة في أكثر من بلدة حدودية.

«تثبيت» وليس ترسيم!

يقول الباحث الأكاديمي والخبير في قضايا ترسيم الحدود الدكتور عصام خليفة لجريدة «الديار» بأنّ «موضوع ترسيم الحدود البحرية والبريّة بين لبنان وسوريا وفلسطين المحتلّة، هو موضوع مهمّ جدّاً وخطير، فمصير الوطن مطروح لإعادة النظر فيه». وتاريخياً، على ما أضاف، كان هناك التخوم أي المنطقة الحدودية، بينما في الفترة المعاصرة وبعد الدراسات التي أجراها كلّ من علماء الحدود بريسكوت، وبوغز، وميشيل فوشيه، أصبحت الحدود خطّاً وليس منطقة... فالحدود هي اختراع حديث، وقد تطوّر في القرنين 19 و20 بعد مؤتمر فرساي. وتمرّ الحدود على أنواعها في 4 مراحل لكي تُصبح دولية هي: تعيين الحدود- تحديد الحدود- ترسيم الحدود وتثبيت الحدود. ولا تُصبح الحدود دولية إلّا بعد إرسالها الى دائرة الخرائط في الأمم المتحدة. ويلي ذلك ما يُسمّى «إدارة الحدود» من قبل كلّ دولة ذات سيادة.

وبالنسبة للحدود اللبنانية- السورية واللبنانية مع فلسطين المحتلّة، يشير د. خليفة الى أنّه هناك اتفاقيات عدّة:

1 - خريطة مملكة فيصل التي رُسمت بعد الحرب العالمية الأولى. وهي عبارة عن مشروع لتوحيد المنطقة (أي سوريا الكبرى الفيصلية).

2 -المشروع الصهيوني الذي يصل الى شمال صيدا، ويريد إنشاء «إسرائيل الكبرى» وبسط سيطرته على نهر الليطاني وجبل حرمون.

3 - إتفاقية «سايكس- بيكو» (بين مارك سايكس البريطاني وفرانسوا جورج بيكو الفرنسي) التي كانت نتيجة مفاوضات حصلت خلال الحرب بين فرنسا وبريطانيا ووصلوا الى حلّ لتقاسم مناطق النفوذ. وكانت حدود لبنان تصل فيها الى طبريا والى إصبع الجليل (الحولة)، وتدخّلت الحركة الصهيونية فاستطاعت أن تنال إصبع الجليل وأسفل جبل حرمون الذي حصلت على 650 متراً منه. ومن ثمّ حصل الخلاف بين الإسرائيليين والسوريين حول مَن سيجلس على القمّة. في حين أنّ الجبل هو ملك للبنان.

وتطرّق د. خليفة الى خريطة غورو الملحقة بالقرار 318، التي انتقلت من تعريف الحدود الى تحديدها. وقد حصل اتفاق بريطاني-فرنسي في 23 كانون الأول 1920، أقرّ ترسيم الحدود من منطقة رأس الناقورة في لبنان مع الإنخفاض قليلاً الى الجنوب، وتُسمّى «إتفاقيات باريس» (في العام 1923)، وقامت بتوضيح حدود لبنان الجنوبية. ونصّت هذه الإتفاقية على إنشاء لجنة مشتركة (فرنسية- بريطانية) بهدف الإنتقال من الخريطة الى الأرض. وتمّ رسم الخط وترقيمه من 1 الى 38، على طول حدود لبنان مع فلسطين، وأودعوا هذا الإتفاق عصبة الأمم التي أقرّته في 4 شباط 1924، فأصبح دولياً. ولاحقاً رفضت «إسرائيل» القرار 181 في العام 1947، واحتلّت الجليل الذي كان القرار المذكور قد أعطاه للدولة العربية، واعتبرت حدودها وفق ما تنصّ عليه إتفاقية «بوليه- نيوكومب». وبعدها حصل اتفاق «حسن الجوار» في العام 1926، وجرى لاحقاً التأكيد على الحدود في عصبة الأمم في العام 1932. ثمّ عادت «إسرائيل» واحتلّت الجليل، وأجرت إتفاقية الهدنة.

خط الإنسحاب

وأشار د. خليفة الى أنّ ترسيم خط الحدود حصل بعد «اتفاقية الهدنة» في العام 1949 بإشراف الأمم المتحدة، وهو نفسه خط «بوليه- نيوكومب». ولهذا فعبارة «الترسيم» التي تُعتمد اليوم هي خاطئة، لأنّه رُسم في الإتفاقية الموضوعة، وفي الخرائط المرفقة، ويُفترض اعتماد عبارة «تثبيت» الترسيم الحاصل أساساً. وقد قام الأميركيون والإسرائيليون فيما بعد برسم «الخط الأزرق» بعد انسحاب القوّات الإسرائيلية من 13 قرية في جنوب لبنان، واعتبروه «حدوداً جديدة». أمّا لبنان فلا يعتبره كذلك، وهو «خط إنسحاب» بالنسبة الى الأمم المتحدة، وليس خط حدود، وهذه نقطة مهمّة جدّاَ للبنان. وثمّة تصاريح عدّة صادرة عن الأمم المتحدة تذكر «الخط الأزرق» على أنّه «خط انسحاب» سيما وأنّه الهدف الوحيد لإنشائه، وهو مختلف تماماً عن خط الحدود الدولية التي وافقت عليه «إسرائيل» في اتفاقية الهدنة، وفي اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان و»إسرائيل» الذي جرى بين 3 و15 كانون الأول من العام نفسه، والموقّع من الكابتن اسكندر غانم عن لبنان، والكابتن فريد لندر عن الجانب الإسرائيلي، ومرفق بخريطة مطبوعة في «إسرائيل». كما أنّه موثّق في محضر في عصبة الأمم في 6 شباط من العام 1924.

ويؤكّد بأنّ الترسيم قد تمّ بعد «اتفاقية الهدنة» (التي وُقّعت في 23 آذار 1949)، وهي «إتفاقية دولة»، أي أنّه لا تستطيع «إسرائيل» الإنسحاب منها، ولا لبنان أيضاً. وتنص المادة الخامسة منها على أنّ «خط الهدنة هو نفسه خطّ الحدود الدولية».. وهذا يعني بأنّ حدودنا الدولية المقرّة في عصبة الأمم هي نفسها في «اتفاقية الهدنة». وتُعتبر هذه حجّة قويّة للبنان، لا تملكها أي دولة أخرى محيطة بـ «إسرائيل»، على المسؤولين اعتمادها عندما يقرّرون «تثبيت» الحدود البريّة، خصوصاً وأنّها مرسّمة في الإتفاقيات المذكورة آنفاً.

«طورا دتلجه»

ويشرح بأنّ حدود كفرشوبا قائمة مع سوريا وليس مع فلسطين المحتلّة، في حين أنّ الجميع يُخطىء في هذا الأمر. فكفرشوبا هي منطقة استراتيجية بالنسبة للبنان، و»إسرائيل» تطمح لأن تضع يدها عليها منذ العام 1920. وتعتبر جبل حرمون خزّاناً لمياه فلسطين إذ يعطيها ملياراً و200 مليون متراً مكعباً من المياه الحلوة والباردة، ما يتوازن مع ملوحة مياه طبريا. ويُدعى جبل حرمون «طورا دتلجه» أي «جبل الثلج» في اللغة السريانية، ويُسمّيه «الإسرائيليون» «هاردوف»، ويُكلّل بـ 12 متراً من الثلج عند جبل الشيخ على مدار السنة. وكانت أرسلت «إسرائيل» رسائل عدّة الى حاييم وايزمن والى رؤساء الدول الأربع في «مؤتمر فرساي» مفادها أنّ مصيرها في خطر. وذكرت بأنّه في حال لم تحصل على جبل حرمون ونهر الليطاني، فإنّ الدولة التي تسعى الى إقامتها لن تكون قادرة على أن تعيش، وبالتالي فإنّ أطماع الإسرائيليين تاريخية في هذه المنطقة.

وأوضح أنّ كفرشوبا هي جزء من جبل حرمون الذي هو لبناني- سوري، وتصل «إسرائيل» الى نحو 650 م. من سهل الحولة. وبعد العام 1967 احتلّت الجزء السوري منه، أي هضبة الجولان ودخلت الى مزارع شبعا واحتلّتها، وبدأت بالصعود الى أن أقامت مرصداً في المنطقة المرتفعة فيها. وخلال المفاوضات بين سوريا و»إسرائيل» دارت النقاشات حول من سيجلس في أعلى القمّة، فالعدو كان يقول «أنا» من جهة، وسوريا «أنا» من جهة ثانية، في ما هي ملك خاص للبنان، وهما يتخذان القرار. وقد أصبح للإسرائيليين مرصداً هناك يُراقب دول الشرق الأوسط ككلّ.

«النخيلة» وعدم التحفّظ

وفي ما يتعلّق بالنقاط الـ 13 التي يتحفّظ عليها لبنان، يقول الدكتور خليفة بأنّها تمتدّ على طول «الخط الأزرق» وتقع في مناطق عدّة هي: رأس الناقورة، علما الشعب (3 نقاط)، البستان، مروحين، يارون- مارون الراس، بليدا، ميس الجبل، العديسة، العديسة- كفركلا، والمطلّة- الوزّاني (مرفق نسخة عن النقاط المحدّدة).

ولكن من المستغرب أنّ ثمّة نقطة لم يأتِ أحد على ذكرها ضمن نقاط التحفّظ، على ما يوضح، هي قرية «النخيلة» التي تبلغ مساحتها مليون و200 ألف متراً مربّعاً، وهي ممسوحة من قبل الدولة اللبنانية، وقد كان منها وزير من آل أميوني. فعندما تحفّظت الدولة اللبنانية على النقاط الـ 13 في العام 2000، لم تذكر «النخيلة» رغم أنّها تدخل ضمن حدود لبنان. كما أنّهم قاموا بارتكاب خطأ في رأس الناقورة عند الترسيم. فبحسب إتفاقية ترسيم الحدود بين لبنان و»إسرائيل»، أي «بوليه-نيوكومب» التي وُقعّت منذ 100 عام، اعتبروا رأس الناقورة ضمن الحدود اللبنانية، ولكن عند رسم «الخط الأزرق» حدّدوا النقطة شمالي رأس الناقورة أي بعيدة عنها 30 متراً تقريباً. وعندما دخلت «إسرائيل» احتلّت نحو 3500 متر عند رأس الناقورة. ووقع المسؤولون اللبنانيون في الخطأ نفسه لدى ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي، فبدلاً من الإنطلاق من رأس الناقورة، انطلقوا من 5 كلم شمالها في البحر، ما خسّر لبنان الكثير من حقوقه ومن ثروته البحرية.

وأشار الى أنّه بسبب التخلّي عن أرضٍ لبنانية وثروة لبنانية من خلال التنازل عن الخط 29 والقبول بالخط 23، أقمنا دعوى على الرؤساء الثلاثة وكلّ من تُظهره التحقيقات مشارِكاً في هذه القضية، بمن فيهم رؤساء الوزراء والوزراء والمسؤولين والموظّفين والعسكريين وغيرهم، نتهمهم فيها بالخيانة العظمى لتخلّيهم عن أرضٍ لبنانية وعن ثروة بمليارات الدولارات في البحر. فمن الذي يضمن اليوم عدم التخلّي عن الكيلومترات في البرّ في حال حصول «التثبيت»؟!. لهذا نحتاج اليوم الى أن يقوم القاضي غسّان عويدات بتحريك هذه الدعوى. كما أنّه من مصلحة لبنان التمسّك باتفاقية الهدنة، وباتفاقية ترسيم الحدود، ورفض أي تعديل لنقطة الحدود البريّة (أي رأس الناقورة).

«كذبة» الورقة

وكشف د. خليفة بأنّ كفرشوبا هي أراضٍ لبنانية، ولديها نطاق عقاري تجاري مثل كلّ ضيعة لبنانية. وتتبع تلال كفرشوبا الى البلدة، وقد احتلّت القوات الإسرائيلية جزءاً منها، في حين يعتبرها لبنان جزءاً من الأراضي المحتلّة من قبل إسرائيل. وأوضح بأنّ الحدود بين لبنان وسوريا مرسّمة ولا خلاف عليها وقد وقّع البلدان على «محاضر التحديد والتحرير» التي تضمّ آلاف الصفحات، وذلك خلال فترات الإنتداب ومرحلة الإستقلال، أي أنّها امتدّت لسنوات، وتشمل محضر عن كلّ بلدتين حدوديتين.

أمّا الحديث عن أنّنا ننتظر ورقة من سوريا فيما يتعلّق بمزارع شبعا، فهو كذبة كبيرة. فالإتفاق على ترسيم حدود المزارع موجود أيضاً، وهو إتفاق خطّي موقّع بين لبنان وسوريا، وثمّة خريطة مرفقة به، ولهذا لا يحتاج لبنان اليوم الى أي ورقة موقّعة من سوريا. وقد وقّع هذا الإتفاق القاضيان العقاريان رفيق الغزّاوي عن لبنان، وعدنان الخطيب عن سوريا في العام 1949. وتحدّث عن أنّه قام بنشر الإتفاق والخريطة مرّات عدّة، وأرسلهما الى رؤساء جمهوريات وحكومات ومجلس نوّاب، حتى أنّه كتب ملفاً عن هذه الحدود من 80 صفحة مع الوثائق الملحقة وأرسله الى مجلس الوزراء عندما كان فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة، غير أنّه لم يتمّ اتخاذ أي قرار بشأن انسحاب القوّات الإسرائيلية من مزارع شبعا.

وشدّد على أنّه لدى لبنان وثائقه القوية عن الحدود البريّة، وهذه الوثائق يجب أن تُرسل الى مجلس الأمن والى الدول الكبرى، وأن تُترجم الى جميع اللغات. فهذا حقّ لبنان الواضح، ولا يجب أن يضيع، وعليه تحصيله خلال «تثبيت» الحدود البريّة.

المزارع... لبنانية

وعن مزارع شبعا التي لا تزال محتلّة من قبل القوّات الإسرائيلية، وإذا ما كان لبنان يملك الوثائق والخرائط التي تُثبت لبنانيتها، وفي حال امتلاكه لها لماذا لا يُقدّمها الى الأمم المتحدة لتجديد مطالبة القوّات الإسرائيلية الإنسحاب منها، يشرح السفير الدكتور بسّام النعماني المتابع لمسألة ترسيم الحدود البريّة لـ «الديار» بأنّ الخرائط تُظهر بوضوح أنّ مزارع شبعا هي لبنانية، وهي امتداد جغرافي طبيعي لأراضي الجمهورية اللبنانية. وإذا ما نظرنا الى خريطة لبنان تبدو بلدة شبعا والخط القديم للحدود، وفي الوسط وادي العسل. أمّا المسافة التي تصل شبعا بالمزارع فتمتدّ نحو 2 الى 3 كلم في الوادي، ثم لا بد من الإنحدار للوصول الى مزارع شبعا. في حين أنّ السوريين في مجدل شمس ومسعدة إذا أرادوا الذهاب الى مزارع شبعا، فلا بدّ لهم من أن يقطعوا هضبة الجولان نزولاً ثم الى بانياس، لمسافة نحو 2 أو 3 كلم، على أن يعودوا الى الصعود ليصلوا الى المزارع. علماً بأنّ السوريين لم يكونوا موجودين في المزارع وسهل حاصبيا الذي هو امتداد طبيعي لوادي العسل الذي هو مزارع شبعا.

ويقول بأنّ الفرنسيين عندما رسموا الحدود كانوا ينوون في الخرائط القديمة جعل الحدود اللبنانية تمتدّ من جيل الشيخ الى بانياس، ما يعني أن تكون المنطقة بكاملها للبنان، لكّنهم بدّلوا رأيهم في الثلاثينات، فخسّروا لبنان نحو 30 كيلومتراً مربعاً. فلماذا غيّروا الحدود، هل لأسباب استراتيجية أم لأنّهم أرادوا وضع بلدة الغجر مع سوريا وترك ممر صغير للوصول الى هذه البلدة؟ هذا سؤال مهم جدّاً، لا نجد جواباً عليه حتى اليوم. غير أنّ الأهمّ فهو أنّ أهالي شبعا اعترضوا منذ البدء، أي منذ العام 1936 على أن يحصل ترسيم الحدود بهذه الطريقة، ولا يزالون حتى يومنا هذا، يطالبون بتصحيح وتعديل الحدود لضمّ مزارع شبعا الى الأراضي اللبنانية، دون أي ملل أو تلكوء. وكذلك الأمر، فالحكومة اللبنانية طلبت في فترات عدّة من الحكومة السورية تعديل الحدود، وفعلاً وضعت إتفاقية فيما بينهما في العام 1946 تتضمّن خريطة ضمّت مزارع شبعا للبنان.

غير أنّ المشكلة القائمة اليوم، من وجهة نظره، فتتعلّق بكيفية تحديد منطقة مزارع شبعا، وأين الحدّ الشرقي لها. ولهذا على الحكومة اللبنانية اليوم مطالبة «إسرائيل» الإنسحاب من الأراضي اللبنانية، لا سيما بعد حادثة كفرشوبا التي حاولت فيها توسيع رقعة بسط سيطرتها في المناطق المحتلّة. ولكن السؤال المطروح هنا: الى أي خطّ، الى وادي العسل أم الى القمم الموجودة الى الشرق من وادي العسل؟! لهذا علينا الإتفاق مع السوريين أولاً على خط الإنسحاب «الإسرائيلي» الذي هو خط الحدود، وهذا ما ينقصنا.

أمّا «إسرائيل» فلا يبدو أنّها جاهزة للإنسحاب حالياً حتى ولو تمّ الإتفاق مع سوريا على الخط، على ما أوضح النعماني، فهي لم تنسحب من طابا ولا من المستعمرات «الإسرائيلية» في سيناء ولا من وادي عربة في الأردن بسهولة، ولا من لبنان بسهولة، كما رفضت الإنسحاب من الجولان السوري، بل قامت بضمّه لها مؤخراً. لهذا، فلا ننتظر أن تنسحب بكلّ بساطة من مزارع شبعا، إلاّ من خلال التحرّكات الجديّة، أي من خلال تبليغها من قبل الأمم المتحدة والأمين العام بأنّها أراضٍ لبنانية محدّدة بهذه المنطقة، وعلى «إسرائيل» الإنسحاب بدون قيد أو شرط من الأراضي اللبنانية المحتلّة ومن دون أي مفاوضات.

ثلاثة مسارات

وأشار السفير النعماني الى أنّ حدود لبنان البريّة منقسمة الى ثلاثة مسارات هي:

1 -الخط الأزرق: فمنذ رسم هذا الخط في العام 2000 وحتى الآن، ما زالت اللجنة العسكرية المشتركة تتفاوض على تحفّظات لبنان على هذا الخط، وتحديداً على نحو 20 كلم2 فقط. فالحدود الدولية رسمتها إتفاقية «بوليه- نيوكومب» في العام 1923، ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم حصلت تغييرات طوبوغرافية على الأرض. فثمّة معالم جغرافية تغيّرت وطرق شُقّت، لهذا لم يعد بالإمكان ترسيم الحدود تماماً، مئة في المئة على ما نصّت عليه الإتفاقية المذكورة. وهذا هو سبب التحفّظات اللبنانية والتشدّد في ترسيم الحدود بموجب الخريطة التي رسمتها الإتفاقية، فيما يُحاول الإسرائيليون قضم وأخذ مواقع استراتيجية وتلال مهمّة ولا يريدون الإنسحاب منها.

2 - مزارع شبعا: قدّم لبنان في العام 2000، ملفّاً جيّداً للأمين العام للأمم المتحدة يحتوي على وثائق ومستندات تُثبت لبنانية مزارع شبعا. غير أنّه قدّم خريطتين: خريطة مرجعيون - واحد على مئة ألف، وخريطة العام 1946 بالأبيض والأسود غير الواضحة تماماً والتي رُسمت بخطّ اليد وهي طريقة غير مشروعة. وهذا هو الخطأ الذي وقعنا فيه وتمّ إمساك هذا الخطأ على لبنان، وجعل الأمين العام يُرسل رسالة الى الحكومة اللبنانية يقول فيها إنّ لديه خريطة معاكسة للتي جرى إرفاقها بالملف والتي ضمّت مزارع شبعا الى الحدود اللبنانية. الأمر الذي أضعف موقف لبنان، ولهذا أعادت مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني رسمها على خرائط حديثة، والتي تُظهر خط الحدود المعدّل المقترح من قبل القاضيين الخطيب (عن سوريا) والغزّاوي (عن لبنان) وتمّ رفعها الى الحكومتين اللبنانية والسورية، وتلحظ مزارع شبعا داخل الأراضي اللبنانية.

أمّا لماذا لم يُنفّذ هذا القرار، فقد يكون، على ما عقّب، لأنّ المنطقة بأكملها أصبحت منطقة عمليات حربية لا سيما مع «إسرائيل» حيث دارت فيها المعارك في حرب العام 1948. ولهذا تمّ تأجيل هذا الموضوع، ولم يحصل عليه أي تعديل.

3 - الحدود الشرقية والشمالية مع سوريا والتي من الصعب البحث فيها في الوقت الحالي في ظلّ الشغور الرئاسي وحكومة تصريف الأعمال، كما قبل إنهاء ملفات أخرى مثل ملف النازحين السوريين وسواه. فالحدود الدولية، وخط الهدنة 1949، والخط الازرق، ونقاط التحفّظات اللبنانية لدى الأمم المتحدة، والأراضي اللبنانية في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والنخيلة تتداخل في بعض المناطق، وتفترق في مناطق أخرى، أي أنّه لدينا بطبيعة الحال وضعاً متفجّراً، فثمّة نقاط يتنازع عليها لبنان والعدو الإسرائيلي. هو يدّعي أنّها له، ونحن نؤكّد أنّها لنا (الجانب اللبناني من الغجر). وهنالك مناطق نختلف على طريقة ممارسة السيطرة عليها (ما حصل في العديسة على الخط الأزرق منذ سنوات، والتعديات الإسرائيلية والخيمتان في كفرشوبا حالياً). وهنالك الخلاف اللبناني- الإسرائيلي حول ضرورة إنسحاب العدو من الأراضي المحتلّة في شبعا وكفرشوبا.

وعن العوائق التي تحول اليوم دون إعادة فتح ملف «تثبيت» الحدود البريّة مع كلّ من العدو الإسرائيلي من جهة، ومع سوريا من جهة ثانية، يجزم النعماني: «إنّ الإسرائيلي يريد التطبيع ثمناً، وسوريا لا تعترف بالحدود». 

الأكثر قراءة

حزب الله يستبعد الحرب الشاملة والموفد الألماني غادر دون «جوابٍ» استشهاد القيادي محمد ناصر والمقاومة تمطر قواعد العدو بالصواريخ هل طرحت البطريركية المارونية صلاح حنين على» الثنائي الشيعي»؟