اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

يعيش الشعب اللبناني ازمة بعد ازمة، وما ان يطوي صفحة مؤلمة من حياته تتعلق بمصالحه العليا واخلاقه الوطنية على مستوى كافة الاطراف والنخب حتى يقع في ازمة اخرى. وهو يعتقد انه نجا من الازمة الاولى، فاذا بالغيوم السوداء تحلق فوقه وتجعل الافق رماديا، فلا يعرف اين مفتاح الحل، وكيف يصل الى استقرار داخلي ينهي العذاب من حياته، على المستوى الحياتي والغذائي والمالي والنقدي والتربوي والصحي والاجتماعي.

منهم من يقول انها الارادة الالهية هي التي تضع مسؤولية الشعوب والازمات فيها، فيما الايمان يجعلنا نعتقد تماما ان الله هو ارادة الخير، هو ارادة المحبة والتسامح والتضحية. لذلك لا يمكن ان نقول ان طوال خمسة عقود والشعب اللبناني يعيش بأزمات، ان ذلك ارادة الهية، لا سمح الله، فهذا هو عكس الايمان بالله سبحانه تعالى.

واذا قلنا انه القضاء والقدر، وان الانسان مسيّر، فهذه المقولة غير مقبولة، لانه ربما الولادات والموت هما لا يتم توقيتهما بارادة انسانية، بل الاعمار بيد الله.

والله قد خلقنا وزودنا بالايمان والعقل والذكاء والقدرة على الثقافة، والقدرة على حل مشاكلنا، ولولا ذلك لما قال ان يوما سيأتي هو يوم الدينونة، وكل انسان حسبما فعل في حياته فيكون له قصاص.

من هنا، يجب الا يصل الشعب اللبناني الى اليأس، وان يسلم امره لاوهام يقول فيها ان الامر هو ارادة الهية، او ان يقول انه القضاء والقدر اوصله الى هذا ا لامر. ومن هنا، تأتي الهجرة من كل الطوائف، وبخاصة المسيحية، او ان كل الطوائف تشعر انها وجدت نفسها غير قادرة على اعالة العائلة وايجاد المدارس لتعليم اولادها، لان الحروب المستمرة جعلت المتاريس داخل المجتمع، سواء العسكرية ام الاجتماعية ام التعصب الطائفي والمذهبي.

لقد سافرت عائلات من الشعب اللبناني الى استراليا وكندا والولايات المتحدة. وهذه الهجرة لا يمكن تعويضها، لان العائلات التي سافرت لن تستطيع العودة الى لبنان، الا في اجازة صيفية او في زيارة قصيرة للاهل في القرى والبلدات والمدن.

وهي خسارة كبيرة للنسيج الاجتماعي اللبناني، سواء على المستوى الطائفي والاجتماعي ام على صعيد خسارة الادمغة التي هاجرت من لبنان وتحتاج اليها الجامعات والمستشفيات، من اطباء وعلماء طب، وتحتاج اليها المشاريع العمرانية لان مهندسين كبارا تخرجوا في الجامعات، واجتازوا الثلاثين من العمر، وهاجروا ولن يعودوا.

المغتربون في العالم هم اناس تركوا فنجان قهوة كانوا يرتشفونها عند الصباح على شرفة منزلهم في القرية البعيدة، وينظرون الى الوديان، وتصل احيانا الرؤية الى البحر. وهم حملوا همومهم، وتركوا اهلهم، وباتوا يعيشون في بلد لديه استقرار، ولديه طمأنينة، وتأمين الضمان الاجتماعي والضمان الصحي والمدرسة لاولادهم، ويحصلون بعد اشهر على الاقامة، ولاحقا على الجنسية، واولادهم يتعلمون في المدارس ويتزوجون في الغربة، وهذا يؤدي الى عدم العودة، الا كما قلنا في اجازة صيفية.

اننا نتوجه الى قادة الرأي العام في لبنان وقادة الاحزاب وقادة الكتل النيابية، ان يقدموا التضحيات، من أجل المصلحة العليا، وهذه المصلحة هي مصلحة الشعب اللبناني العليا، بدل الدفع بمصالحهم الضيقة.

لان المطلوب ان تكون الاخلاق هي القياس الفعلي لوضع المصلحة العليا، والا يحل في لبنان خطاب الكراهية وخطاب الاحقاد وتقسيم لبنان نفسيا.

وحدها الاخلاق، وحده الايمان بالرسالات السماوية، وكل ذلك يؤدي بنا الى انتاج جمهورية لبنانية يكون لها رئيس، ولها مؤسسة التشريع والمراقبة في مجلس النواب، ويكون لها في مجلس الوزراء السلطة التنفيذية، والاهم سلطة كما نص الدستور، والا تحصل التدخلات، والا يكون تعيين القضاة والتدخل في القضاء رهن حسابات ضيقة.

اذّاك يحيا الشعب اللبناني حياة كريمة ومستقرة، ويرى فيها المستقبل من كل النواحي.

شارل ايوب 

الأكثر قراءة

الورقة الفرنسيّة المعدّلة عند بري... وحزب الله يُحدّد ملامح «اليوم التالي» التعديلات تتضمّن إعادة «انتشار» لا انسحاب للمقاومة... ماذا عن ملف الغاز ؟ توصية المعهد القومي «الإسرائيلي»: لا تغامروا بحرب شاملة في الشمال !