اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

تتسع دائرة الجدل عالميا في هذه الأوقات بشأن توظيف الذكاء الاصطناعي في الحروب، ورغم ذلك نشرت "إسرائيل" آليات الذكاء الاصطناعي ضد الشعب الفلسطيني.

وذكرت «بلومبرغ» -وهي شركة عالمية للخدمات الإخبارية والإعلامية والمعلومات المالية متعددة الجنسيات مقرها في نيويورك- الشهر المنصرم أن الجيش "الإسرائيلي" استعمل نموذجا من آليات الذكاء الاصطناعي وأطلقوا عليه اسم «فاير فاكتري» بمعنى «مصنع الحريق» وتعمل تلك الآليات على تحديد أهداف ضرباتها الجوية والتعامل مع اللوجستيات الأخرى، ولم تكن هذه الآليات هي الأولى المستعملة في العمليات القتالية التي تقودها "إسرائيل".

نشر آليات الذكاء الاصطناعي يعني أن هناك تحولا كبيرا في مسار الحروب، ويعني أن هناك مخاطر كبيرة ستحدق بالمدنيين، وما يدعو حقا للقلق أن توظيف الذكاء الاصطناعي في الحرب لدى القوات "الإسرائيلية" يسير بوتيرة متسارعة من ناحية التطور، بشكل يتجاوز حتى اللوائح الدولية.

إن مستقبل الحروب التي تعتمد على التكنولوجيا الذكية الاصطناعية قيد البناء والتطوير الآن، والقليل من الجهات والشخصيات الاعتبارية من لديها كلمة حاسمة في مستقبلها وآلية تطويرها.

نقلا عن مسؤولين "إسرائيليين"، فإن قواتهم تستعمل برنامج ذكاء اصطناعي -ما زال قيد التطوير- يعتمد على مجموعة كبيرة من البيانات تجعله قادرا على اتخاذ قرار حول تحديد أهداف الضربات، وكذلك كمية الذخيرة المستخدمة، والجدولة الزمنية للضربات، وإن بدت تلك المعلومات عادية، ولكنها قد تفتح باب التساؤل لدى البعض في كيفية قيام "إسرائيل" بجمع تلك البيانات والمعلومات.

فرضت "إسرائيل" سيطرة شاملة على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك منذ عام 1967، وبدوره فإن الجيش "الإسرائيلي" يراقب عن كثب كل ما يتعلق بحياة الفلسطينيين في تلك الأراضي، حتى أنه يعرف كمية السعرات الحرارية التي يستهلكها أهالي قطاع غزة، فإسرائيل تملك قاعدة بيانات وآليات جمع معلومات معقدة للغاية، لذلك فهي تملك اليوم معلومات هائلة وبيانات دقيقة عن الفلسطينيين، وشكلت تلك البيانات الوقود الحيوي لتغذية تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تعمل على بنائها "إسرائيل" بالاستعانة بعدد كبير من كبار الخبراء التكنولوجيين في "إسرائيل" الذين تلقوا خبراتهم من الاستخبارات العسكرية التي تستخدم قاعدة البيانات الضخمة.

الشركات العسكرية أنشأت تقنيات وآليات في مجال الحروب تعمل بالذكاء الاصطناعي، وهو الأمر الذي يمكن استثماره ويحقق عوائد ضخمة "لإسرائيل"، لأنها بالفعل قد استخدمت الضفة الغربية وقطاع غزة كساحات اختبار لتلك الآليات في سبيل تطويرها، وفي الوقت نفسه فإن "إسرائيل" تجمع وتحلل البيانات باستخدام طائرات دون طيار في كافة الأراضي الفلسطينية وكذلك تقوم بجمع البيانات من خلال الأقمار الاصطناعية، بل وكذلك عن طريق الاتصال بالإنترنت وبعض البرنامج الذكية.

وهناك شائعات تقول بأن فكرة تطبيق «وايز» -وهو برنامج خرائط وملاحة قام خريجو الاستخبارات العسكرية "الإسرائيلية" بإنشائه وبيعه لشركة جوجل مقابل 1.1 مليار دولار أمريكي في عام 2013- كانت بالأساس تهدف إلى مراقبة الفلسطينيين في الضفة الغربية.

ومن الواضح جدا أن "إسرائيل" تملك بيانات هائلة ستوظفها في تكنولوجياتها في الحرب في سبيل الحفاظ على احتلالها للأراضي الفلسطينية والسيطرة عليها آليا، ودائما ما يدافع الجيش "الإسرائيلي" عن نفسه ويؤكد زاعما بأن الأهداف التي تحددها آليات الذكاء الاصطناعي تكون بإشراف الجنود وأن الغارات التي يتم تنفيذها آليا إنما يُوَافَقُ عليها قبل ذلك.

وفي الوقت نفسه يؤكد الجيش بأن تلك الآليات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي توفر عليهم عناء التحليلات العسكرية البشرية، وتقلل كذلك من خسائرهم بفضل المعلومات الهائلة، في حين يشعر المحللون السياسيون بالقلق من مزاعم الجيش "الإسرائيلي"، مؤكدين إن كانت "إسرائيل" تستعمل «آليات ذكية شبه مستقلة» حاليا، فإنها بالمستقبل القريب ستستعمل «آليات ذكية مستقلة تماما» ولن تخضع بعد ذلك للرقابة، وبعد ذلك ستقرر تلك الآليات الذكية المستقلة مصير الفلسطينيين وتحدد موتهم وحياتهم.

هذه المسألة لها جوانب أخرى للحديث، فبناء على أن تكنولوجيا الحرب الإسرائيلية بالذكاء الاصطناعي لا تخضع لتنظيم دولي ولا حتى لفهم المجتمع "الإسرائيلي" العام -فقليل من العامة الإسرائيليين من لديهم معرفة واضحة بشأن أسلحة الذكاء الاصطناعي- يتولد لدينا سؤال، ماذا لو استخدمت سوريا أو إيران تلك الأنظمة الذكية العسكرية؟ حينها يمكننا تخيل كمية الغضب والوعيد الدولي على سوريا أو إيران، بالمقابل فإن الجيش "الإسرائيلي" يتفاخر باستخدامه لآليات الحرب الذكية -وهي تقنية تظل سرية لدى "إسرائيل"- وتفاخر الجيش "الإسرائيلي" أنه في عام 2021 شنَّ هجوما على قطاع غزة استمر لمدة 11 يوما باستخدام الذكاء الاصطناعي، قائلا بأن ذلك يعد أول استخدام عسكري للذكاء الاصطناعي في العالم! "إسرائيل" المتقلبة في موقفها باستخدام هذه الآليات من النادر أن تتبع القانون الدولي في حربها، وسجلها تاريخيا ضعيف من ناحية مهمة، وهي ناحية حماية حياة الفلسطينيين.

وبشكل موازٍ يرتفع صدى الإعلام "الإسرائيلي" ومسؤولي العلاقات العامة دوليا ليقولوا للعالم بأن الجيش الإسرائيلي يعمل أخلاقيا ويقوم بحماية المدنيين، وبالحقيقة أن الاحتلال -الواضح جليا- بحد ذاته منافٍ لحقوق الإنسان، وفي عصر التواصل الاجتماعي تتضح الصورة، حتى أن بعض المؤيدين والمقتنعين بإسرائيل يتساءلون كيف يمكن "لإسرائيل" أن تتصرف بوحشية ضد الفلسطينيين؟!

الآن ربما سيزداد القلق من استخدام برامج الهواتف والحواسيب، التي من المحتمل أن تكون وسيلة لجمع البيانات، فالفلسطينيون ليسوا موافقين على استخدام بياناتهم الشخصية وجمعها لتكوين قاعدة بيانات يتم تسليمها لإسرائيل لاستخدامها ضدهم، إنها حكاية مروعة حقًا.

صحيح أن هناك شروطا وأحكاما نوافق عليها جميعا حين استخدام برنامج ما، مثل خدمات جوجل، وهي خيارات كثيرة ومعقدة وليس لدينا الحق في إلغاء أحد تلك الشروط، إلا إذا قررنا فعلا التخلي عن الإنترنت!

وبالنسبة للفلسطينيين فإن الوضع أخطر بكثير، فكل جانب من جوانب حياتهم محفوظ، وكل تحركاتهم مرصودة، الذهاب إلى العمل، أوقات الطعام وكمياتها، وغير ذلك من البيانات التي تذهب مباشرة إلى قاعدة بيانات "إسرائيلية "ثم تستخدم بعد ذلك لأغراض عسكرية ضدهم، والسؤال، هل هذا الواقع المقلق بانتظار دول أخرى حول العالم؟

إن الاتجاه غير المنظم الذي يسير فيه تطوير آليات وأسلحة الذكاء الاصطناعي لا يبشر بالخير

----هذا المقال تم ترجمته من قبل أحمد بن عبدالله الكلباني.

الأكثر قراءة

غالانت يدعو نتنياهو للمصادقة على المقترح المصري