اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

هل عادت سوريا الى المربع الاول مع بدء الحرب عليها مع حادثة درعا، التي قيل بان ضابط الامن فيها قلّموا اظافر اطفال، فكانت الشرارة التي اشعلت ما سُمي "ثورة"، التي رافقت "الربيع العربي" الذي انطلق من تونس نهاية عام 2010 مع حرق ابو عزيزة نفسه، حيث اخذ من يدّعون انهم ثوار، من حادثتي تونس ودرعا منطلقاً، لاعلان دعوة "لاسقاط النظام" في تونس، وقد نجحوا في وصول "حركة النهضة" (الاخوان المسلمون) برئاسة راشد الغنوشي الى الحكم، ثم في مصر حيث وصل "الاخوان" ايضاً وترأس الجمهورية محمد مرسي، وبدأت تكر سبحة "الثورات"، فسقط حكم معمر القذافي في ليبيا التي لم تنته الاحداث فيها، وما زال اليمن مشتعلاً في حروب داخلية واخرى عليه، من ضمن مشروع "الشرق الاوسط الكبير" لتفتيت العالم العربي، كما عرضه الاميركي ـ اليهودي برنارد لويس، واصدره في كتابه مطلع ثمانينات القرن الماضي، حيث رسم فيه خارطة جديدة لهذا الشرق الاوسط، واعتمدته الادارات الاميركية المتعاقبة، كمشروع وتبناه "المحافظون الجدد" في اميركا، وهم يؤمنون بنظرية "الفوضى الخلاّقة" التي تنشر الحروب وتفتعل الازمات، لتركيب انظمة جديدة بعد ترتيب المنطقة، وفق جغرافيا دينية وعرقية واثنية، وكل ذلك يخدم قيام "اسرائيل الكبرى" من "الفرات الى النيل"، وبعدها يظهر السيد المسيح.

هذا الاستعراض للمشروع الاميركي ـ الصهيوني، هو الذي بدأ تنفيذه مع "الثورات الملونة"، التي ابتدعها الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش الابن، وهو مستمر، ويعاد تجديده في سوريا، وهذه المرة من جنوبها ايضا في جبل العرب او حوران، عبر تحريك تظاهرات تحت عنوان معيشي اقتصادي، لكنها مغلّفة باهداف سياسية، وقد ظهرت مع الشعارات التي رفعت من قبل مئات من المتظاهرين حول تغيير النظام مع شتائم للرئيس الاسد، واسقاط الدولة في سوريا، واقفال مراكز لحزب البعث الحاكم، ومطاردة مسؤوليه واعضائه، مما يدل على ان العنوان اجتماعي، والهدف سياسي، وفق قراءة مرجع سوري، لما يجري في السويداء وبلدات اخرى في جبل العرب.

ويقر المتابعون للوضع في سوريا، بأن الازمة المالية والاقتصادية خانقة وتزداد صعوبة على المواطنين، وهذا كله له سبب، هو الحرب على سوريا التي دخلت عامها الـ 13، ثم الحصار الاميركي عليها ومنع الدول من التعامل معها وفق "قانون قيصر"، الذي تسبب بافقار سوريا وتجويع شعبها، وان العقوبات على سوريا، هي لتعويض الفشل العسكري الاميركي باستعادة الجيش السوري مساحات واسعة من الارض السورية، حيث تبقى منطقة شمال سوريا وشرق الفرات تحت الاحتلالات الاميركية والتركية و"الداعشية"، كي تبقى سوريا تنزف، وتنهب اميركا ثروتها النفطية، التي لو كانت بيد الدولة السورية، لما لجأت الحكومة السورية الى رفع سعر البنزين والغاز.

لا قدرة للمواطن السوري على تحمّل ذلك، ليس في جبل العرب فقط، بل حتى في الساحل السوري الموالي للنظام، وفي كل المحافظات وفق ما يقول المرجع، الذي يكشف عن ان واشنطن انزعجت من عودة سوريا الى جامعة الدول العربية التي اعادت علاقاتها الديبلوماسية معها، وقد هددت الادارة الاميركية برئاسة جو بايدن باستخدام "قانون قيصر" على الدول التي اعادت علاقاتها، لكن السعودية وقبلها الامارات العربية المتحدة لم تخضعا للتهديد الاميركي، واستمرتا على موقفهما بالتعاون مع الرئيس الاسد، الذي فشلت كل محاولات اسقاطه او فرض التنحية عليه، واجباره على حل سياسي يمكّن الجماعات المتطرفة من السيطرة على سوريا.

فالتظاهرات التي خرجت من السويداء بمطالب معيشية محقة، وهي تحصل في كل الدول، انما الخطر ان تتحول الى خطاب تقسيمي، ويدخل العامل الاميركي و"الاسرائيلي" على خط المطالب، وهذا ما حصل في لبنان، عند خروج المواطنين الى الشارع رافضين زيادة الرسم على "الواتساب" نحو 6 سنت، الا ان هذا العنوان تغير باتجاه سلاح حزب الله، مما خلق شرخاً داخل ما سمي "ثورة"، التي باتت سفارات غربية تحركها تحت مسمى جمعيات مدنية، حيث لم يتمكن "المنتفضون" من وضع برنامج مرحلي وانتاج قيادة، بل كان الهدف زرع الفوضى، وانحلال الدولة، وهذا ما حصل في لبنان.

ويحاول المتظاهرون القيام به في السويداء بحرف فقر الناس وجوعهم الى مكان آخر، باخراج مؤسسات الدولة منها، واعلان "حكم ذاتي" للمنطقة، كما الاكراد في سوريا، وهذا ما تنبّه له مشايخ العقل الثلاثة في سوريا، بان المسألة ليست معيشية، بل تقف وراءها مشاريع تقسيمية، وهي مطروحة منذ الانتداب الفرنسي في العشرينات، وتصدى لذلك اهل جبل العرب بقيادة سلطان باشا الاطرش وطرحوا وحدة سوريا، التي كان تقسيمها مطروحا الى دويلات سنية في دمشق وحلب، وعلوية في اللاذقية، ودرزية في السويداء، حيث يحاول البعض انعاش هذا المشروع، كما بدأ البعض في لبنان بطرح "الفدرالية" و"المنطقة الحرة" والتقسيم.

فالمشروع واحد لسوريا ولبنان، وقبلهما العراق المفدرل في الجغرافيا ودستوره، وقام "حكم ذاتي للاكراد" في شماله، وهو ما فعلته "قسد" في شمال سوريا وشرقها بدعم اميركي، حيث هذا المسعى التقسيمي لم يتراجع عنه اصحاب تفتيت المنطقة، وقد حذر منه شيخ العقل حكمت الهجري، ورفض تحويل التظاهرات نحو العنف او ضرب مؤسسات الدولة وتقسيم سوريا، بل دعا الى الوقوف الى جانب الدولة التي عليها واجبات الاهتمام بالوضع المعيشي، ومحاربة الفساد.

فما يجري في السويداء خصوصا والجبل عموماً، لا ينفصل عما يحصل عند الحدود العراقية – السورية – الاردنية، حيث تحاول اميركا، قطع شريان التواصل بين ايران والمشرق العربي من العراق الى سوريا فلبنان وفلسطين.

ويكشف مصدر ديبلوماسي عن نشاط اميركي في سوريا والعراق والاردن وكذلك في لبنان، لتسويق المشروع، فاستقبل العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني رئيس هيئة الاركان المشتركة للجيش الاميركي الفريق اول مارك ميلي، وبحث معه الوضع في المنطقة والتعاون بين البلدين، وعودة العمل في غرفة "موك" التي تضم تحالفا اميركيا – عربيا، كان يدير العمليات العسكرية في سوريا. كما ان نائبة مسؤول الشرق الاوسط وافريقيا في الخارجية الاميركية بربارا ليف التقت وزير الخارجية الاردني ايمن الصفدي، كما حضر ثلاثة نواب اميركيون الى شمال وشرق سوريا، واستطلعوا اوضاع المنطقة، وهذا ما يؤكد ان اميركا قررت استمرار الحرب على سوريا، ومن بوابة جنوبها.

واكد المرجع السوري ان احداث السويداء هي تعبير عما يخطط لسوريا، التي قررت قيادتها المواجهة ليس ضد شعبها، بل بالمباشر عبر عمليات عسكرية ضد القوات الاميركية من خلال "المقاومة الشعبية"، حيث فشلت واشنطن بمحاولة فصل العراق عن سوريا، بتحريض الحشد العراقي الشعبي على القيام بذلك، دون ان تنزلق بقواتها في حرب تدفع ثمنها.


الأكثر قراءة

حزب الله يدشّن أولى غاراته الجوية... ويواصل شلّ منظومة التجسس ترسيم الحدود مع لبنان ورطة اسرائيلية... و«مقايضة» اميركية في رفح!