اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

العلم يعيش في زمن الحوكمة والحوسبة والرقمنة، حيث لا تعرف التِّقانة حدودا، وباتت التكنولوجيا تسيطر على الحياة اليومية من مدارس وجامعات، وتكاد تستحوذ على كل مكان وزاوية، سواء في التعليم او العمل او انشاء المحتوى. فلم تعد الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وتلك اللوحية، مجرد أدوات غير معروفة او مألوفة. لذلك من المهم الادراك ان عصر التكنولوجيا ليس مجرد شيء واحد مترابط، بل هو سلسلة من الخطوات التقدمية. وربما لا يزال لبنان اليوم في خضم التحول بين حقبة ما قبل الرقمية وعصر ما بعد عصر التكنولوجيا، لاستيعاب هذا التطور.

كورونا فضحت ضعف استخدام الرقمنة

واقعيّاً، ان تجربة كورونا كشفت لكل من لم ينتبه مسبقا، حجم تأثير العالم الرقمي على كل جوانب الحياة، العمل، السياسة والاقتصاد، والاهم التربية والتعليم. من جهة ثانية، بيّنت مدى الفجوات وعدم تهيؤ المجتمع والمؤسسات والافراد للانصهار مع عصر الرقمنة، والذي هو ليس اقتناء هاتف متنقل فاخر وحديث لمتابعة الاحداث اليومية لحظة بلحظة، وليس بكثرة الساعات التي تُقضى امام الشاشات، او بوضع "اللايكات" على صور ومنشورات منصات التواصل الاجتماعي.

الغاية ابعد من كل ما ذكر، وتتمثل في استثمار وتوظيف البيئات الرقمية للاستمرار في التعلم وتطوير الذات، وإيجاد حلول للمشاكل التي قد تواجه أي فرد. فالأزمة الراهنة في القطاع الرسمي اظهرت أن التعليم مقيّد وتقليدي، وعالقا في تمرير المعلومات بدلا من تطوير الإمكانيات الذاتية لكل طالب وموظف ،وتسخير العوالم الرقمية للاحتياجات الحياتية.

ومما لا شك فيه، ان اهم مناهج التعليم الحديثة، التعليم الالكتروني وأنظمة إدارة التعليم الالكتروني، وهما من أبرز الموضوعات التربوية التي يجري تناولها ودراستها في الأبحاث والدراسات المستحدثة والمعاصرة.

رقمنة التعليم

في سياق تكنولوجيّ متّصل، يُقصد بـ "الرقمنة" ادخال التقنيات الرقمية في الحياة اليومية، عن طريق رقمنة كل شيء يمكن رقمنته، وكانت رئيسة التطوير الأكاديمي سيليست ماكلولين عرّفته بأنه "الاستخدام المبتكر للأدوات والتقنيات الرقمية اثناء التدريس والتعلم، وغالبا ما يشار اليه بالتعلم المعزز بالتكنولوجيا (TEL) او التعلم الالكتروني، حيث يتيح استخدام التقنيات الرقمية للمعلمين، تصميم فرص تعلم أكثر جاذبية وفاعلية في الدورات التي يدرسونها، ويمكن ان تتخذ هذه الدورات شكل برامج مختلطة او كاملة عبر الانترنت".

واشارت الى ان رقمنة التعليم تتضمن اساليب متقدمة ومتنوعة مثل: دروس مباشرة على الانترنت، الامتحانات، كتب مدرسية رقمية او الكتب المدرسية الالكترونية، والصور المتحركة (Animation)، المنصات التعليمية الالكترونية، الموارد عبر الانترنت، المحتوى الذكي، التعليم المتمايز والشخصي".

الرقمنة في المدارس

عندما يتم الحديث عن الرقمنة في التعليم، يجب النظر الى البنية التحتية، بيئة إدارة التعليم، محتويات ونشاطات رقمية، الجَدارَات او السلوكيات الرقمية. فالرقمنة بحاجة لاتصال انترنت سريع، وحواسيب وتابلتات "الواح الكترونية" روبوتيكا، طابعات ثلاثية الابعاد وبرمجيات تطوير وتصميم، لأجل تدريب الطلبة والأساتذة في المدارس اللبنانية، خاصة الرسمية التي أضحت فقيرة ومعدومة ومهترئة الهيكل الأساسي، بسبب افتقارها للأدوات التربوية التقليدية. لذلك، فإن القطاع الرسمي اللبناني بحاجة الى خطة حوسبة سريعة ومكثّفة ومدروسة قبل فوات الاوان.

وفي هذا الخصوص، قال العضو في لجنة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي في لبنان الدكتور حسين محمد سعد لـ "الديار" ان موضوع "الرقمنة مسألة مهمة جدا، ونحن قد تأخرنا في إدخالها الى مدارسنا ومناهجنا التربوية محليا وعربيا. مع العلم انه يوجد استعداد وذكاء للبدء بتطبيق الرقمنة التعليمية في القطاع الرسمي تحديدا وحتى في الخاص".

واشار "الى ان بعض المدارس الخاصة الراقية، والتي تتمتع بمستوى جيد واقساطها مرتفعة، قادرة على رقمنة مناهجها التربوية وربما قد بدأت، لكن تنفيذ هذا الامر في المدارس الرسمية غير ممكن حاليا، نظرا للظروف القاسية التي يمر بها القطاع الرسمي".

وتابع قائلا: "شخصيا لا اعتقد انه يمكننا في الوقت القريب ادخال الرقمنة بسبب الوضع الاقتصادي السيء لأهالي الطلاب، وعدم قدرتهم على التفاعل مع عالم التكنولوجيا لأنهم غير مدربين على كيفية استخدام التابليت، لذا يجب إقامة دورات تدريبية لتمرين الأهالي والتلاميذ والأساتذة على كيفية استخدام الرقمنة، من خلال ورش تدريبية في دور المعلمين ووزارة التربية". وأردف: "عندما نتحدث عن الرقمنة فيجب ان يكون لدينا انترنت سريع في المدارس والبيوت، ومؤخرا باتت تعرفة الانترنت باهظة، وهذا العامل بالتحديد يقلّص من فرص بدء دمج التكنولوجيا في التعليم".

وفي الإطار، قالت ممثلة المتعاقدين في التعليم الرسمي الثانوي منتهى فواز لـ "الديار": "انا مع الرقمنة وتحديث المناهج، ولكن ينبغي تجهيز الأساتذة وتدريبهم"، واشارت الى ان بعض الأساتذة باتوا في عمر لا يسمح لهم مجاراة التطور التكنولوجي وادواته، وهناك قسم لا يعرف كيف يستخدم الهاتف المحمول". اضافت: طبعا هذا الامر يتطلب منا تسريع الانترنت في منازلنا، وتشريج هواتفنا، وايضا نحتاج الى الدعم المادي لإعداد دورات تدريبية مجانية في المدارس من قبل فريق مركز البحوث العلمية، حتى لا تكون مكلفة بالنسبة للمعلمين الملاك والمتعاقدين على حدٍ سواء".

في الخلاصة، يقول جيني أرليدج: "يمكن للتكنولوجيا ان تصبح "الاجنحة" التي ستسمح للعالم التعليمي بالطيران ابعد وأسرع من أي وقت مضى، إذا سمحنا بذلك".

وانطلاقا من هذا الكلام، فإن الحقيبة الرقمية يجب ان تتضمن محتوى تعليمي رقمي متنوع وغير تقليدي، يتناسب مع مقتضيات الثورة التقنية التي يعيشها العالم اليوم، ويحاكي عصر الذكاء الاصطناعي، ويلبي طموحات المعلمين في العصر الرقمي فضلا عن حاجات السوق.

الأكثر قراءة

زلزال قضائي: توقيف رياض سلامة... ماذا في المعلومات ولماذا الآن؟ الضغط الدولي غير كافٍ في احتواء إجرام نتنياهو تعزيزات الى الضفة الغربية... وخشية من تكرار سيناريو غزة