اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

"ارضي مش للبيع او ارضي مش لحدا" او " ارضي لأولادي واحفادي" عبارات لطالما سمعتها منذ صغري عندما كان ابي، رحم الله روحه، يخبرني كيف انه واباه واجداده اشتروا هذه الارض وحافظوا عليها عبر الزمن. وكان دائما يخص اباه وعمه بالمديح مفتخرا بما يقول، اذ ان جدي ابراهيم العاقوري ذهب الى اميركا مع اخيه بشارة وكانا لا يزالان يانعان وكيف انهما اجتهدا هناك وعملا ليل نهار كي يعود جدي بعد ٢٠ سنة ليتزوج من مريم ابو نادر ابنة موسى ابو نادر المغترب في المكسيك ايضا، ويشتري في بلدته جزين "شقف ارض" متنوعة الاحجام والمواقع. اما اخوه بشارة فبقي هناك ولم يزر لبنان الا مرة واحدة في ستينيات القرن الماضي.

اردت أن أعنون مقالي بهذا العنوان انصافا لجدي الذي لم اعرفه قط، فهو توفى قبل مولدي بعشر سنوات. لكن ابي كان دوما يحدثنا عنه انا وأخي الذي يحمل اسمه، وعن هجرته الى اميركا وعودته الى الوطن وكيف أنجب اربعة اولاد من زواجه الذي لم يدم طويلا لأنه ترمل باكرا فزوجته، أي جدتي مريم، توفيت في جزين امام اعين اولادها من جراء قصف الحلفاء لجزين ابان الحرب العالمية الثانية وكان دائما يغص وتدمع عيناه عند ذكرها لأنه هو الوحيد بين اخوته الذي يذكرها قليلا حسب قوله.

فجدي ابراهيم اتى من اميركا بعد عقدين من الزمن واشترى ما اشتراه من عقارات واراض ورحل عن عمر لا يتجاوز السبعين عاما. اما ابي واعمامي فقد حافظوا على هذا الإرث على مر السنين وتحدياتها.

امام هذا التاريخ المشرف لأهلي واجدادي أجد نفسي مسؤولا عن ارثهم وعلي المحافظة عليه لا وبل تطويره واستثماره لخير العائلة والمجتمع على حد سواء.

"ارضي مش البيع" هو عنوان مقالي الذي يستكشف العديد من الأفكار المتعلقة بمفهوم ملكية الأراضي والحق في الاستحواذ عليها إذ يعكس هذا العنوان فكرة أن الأرض ليست مجرد سلعة يمكن شراؤها أو بيعها بل هي جزء أساسي من الهوية والثقافة والتاريخ لأي شعب. وأكثر من ذلك هي نتاج تراكم عمل وجهد عبر الزمن، إذ كم من شخص من اسلافي مر عليها وتعب وكد وذرف عرقا ودما كي يستصلحها ويزرعها. هو حافظ عليها والآن جاء دورنا.

قيمة الأرض لها تأثير في الثقافة والهوية، فتاريخ البلدان يرتبط مع الأرض التي يعيشون فيها وكيف يشكل ذلك هويتهم الوطنية وثقافتهم وتاريخهم. هنا يمكن استكشاف كيف ينعكس تاريخ الأرض على موروث الشعوب في الأساطير والتقاليد والفولكلور والعلاقة بين الأرض وتطور المدن والمعالم الهامة والتراث الثقافي. من هنا تأتي ضرورة استخدام الأراضي بطريقة مستدامة بحيث تتوافق مع احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية، وكيف يجب أن تؤدي الأرض دورًا حاسمًا في الحفاظ على الموارد الطبيعية وتحقيق التنمية المستدامة لمواجهة تحديات الحياة.

في ظل هذه التحديات التي نعيش في العالم وفي الاخص في لبنان، نرى اننا في عالم متغير ومتفاوت، ونجد أن الكثير من الأفراد يحاولون بيع هويتهم أو الانحناء لمصالح الآخرين للحصول على المكانة والثراء. فبيع هويتنا يعني فقدان من نحن، ويعرضنا للتلاشي في زحام العالم والاندماج في الرماد. لذلك، فإنه يجب أن يتذكر كل منا أن أرضه هويته وهي ليست للبيع.

نعم هويتنا هي أساس وجودنا، فهي تعبير حقيقي لمن نحن وماذا نؤمن به. وقد تشكلت هذه الهوية على مر السنين من خلال تجاربنا وقيمنا وتحدياتنا. قد تكون مرتبطة بأصلنا العائلي، أو بتجاربنا التعليمية والعملية، وبالقيم التي نعتبرها مهمة في حياتنا. وفي نهاية المطاف، هويتنا تميزنا عن الآخرين وتضعنا في مكان فريد.

عندما نقدم هويتنا للبيع، فإننا نضعف قوتنا وقدرتنا على التأثير في العالم. فالتنازل عن قيمنا ومبادئنا يعني أننا نفقد جوهرا جزءا من أنفسنا. يمكن للآخرين أن يشكلونا ويتلاعبوا بنا كيفما يرون مناسبا، ونصبح أشخاصا يجيرون مبادئهم وقيمهم في مصلحة الآخرين.

هكذا فعل العديد من الشعوب البعيدة، والمجاورة ، فتهاونهم بأرضهم وخيانتهم لتاريخهم واستزلامهم للطامعين جعلهم مشتتين لاجئين في اقاصي الارض. فلنتعظ نحن كلبنانيين من دروس الآخرين ومن اخطائهم ونحافظ على ارضنا هويتنا برموش اعيننا.

باختصار، أن الأرض ليست مجرد عقار يمكن بيعه، بل هي رمز للهوية والثقافة والتاريخ والحاضر والمستقبل، ويجب أن يتم التعامل معها بعناية واحترام ليس من الباب المصلحة الفردية بل من اجل تطور المجتمع وثبات الناس فيها.

ربي احفظ أرضي من اي طامع دخيل واجعلني متمسكا بها ومدافعا عنها فهي ليست لي بل هي وقف للسماء على الارض.


الأكثر قراءة

ماذا يجري في سجن رومية؟ تصفيات إسلاميّة ــ إسلاميّة أم أحداث فرديّة وصدف؟ معراب في دار الفتوى والبياضة في الديمان... شخصيّة لبنانيّة على خط واشنطن وطهران